بدأ عصر النفط الحديث في باكو، عاصمة أذربيجان، وليس في بنسلفانيا عام 1859 وفق التأريخ الغربي. وأصبح نفطها مهماً إلى درجة أنه ساهم في نشوب الحرب العالمية الثانية وغيّر مجرى التاريخ.
وحتى قبل ذلك، لعبت منابع النفط والغاز دوراً تاريخياً فـ «أعمدة النيران الأبدية» الموجودة في باكو، بسبب تسرب الغاز إلى سطح الأرض، تحتل موقعاً مركزياً عن أتباع زرادشت.
ومع حفر أكثر من ثلاثة آلاف بئر نفطية في نهاية القرن الثامن عشر، أصبحت باكو العاصمة العالمية للنفط، إذ أنتجت نصف ما احتاج إليه العالم من نفط في ذلك الوقت.
وأتت أموال جوائز نوبل من عائدات النفط التي جنتها عائلة مؤسسها ألفرد نوبل من عائدات مشاريع النفط في باكو، كما سيطر عدد من العائلات الأوروبية الغنية، مثل عائلة روتشيلد، على صناعة النفط في باكو، وبنت قصوراً ومدارس ومسارح ومباني أخرى لا تزال قائمة حتى اليوم.
وزاد عدد سكان باكو أكثر من 10 أضعاف بين 1880 و1913 ليقترب اليوم من مليوني شخص. وبلغ مدى ازدهار هذه المدينة في ذلك الوقت أن ضمت ثمانية مصارف و203 مدارس و15 مستشفى وثمانية متاحف و10 مكتبات، ما جعلها تضاهي العواصم الأوروبية الكبرى مثل باريس إلى لندن.
لكن هذا الازدهار جعلها هدفاً لجوزيف ستالين، الذي أصبح قائد الاتحاد السوفياتي وديكتاتوره الدموي في ما بعد. فقد جاء ستالين إلى باكو وحرض عمال النفط على الإضراب والثورة، الأمر الذي ساعد في نجاح الثورة الروسية في 1917 وتغيير مجرى التاريخ. وتدهورت حال المدينة في عهد الشيوعيين إلى حد كبير، وحوِّلت قصورها ومتاحفها ومكتباتها إلى مواقع عامة تفتقر إلى الاهتمام والصيانة. وأُهملت حقول النفط في أذربيجان نظراً إلى اقتناع الروس بانتهاء النفط في المنطقة! لكن الحكم الشيوعي انتهى وبقيت باكو.
وكانت باكو هدفاً لديكتاتور دموي آخر، هو زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر، الذي حاول السيطرة عليها وعلى منابع النفط في أذربيجان وسائر المنطقة خلال الحرب العالمية الثانية. وأثناء الحرب احتفل الجنرالات الألمان بعيد ميلاد هتلر وقدموا له كعكة على شكل خريطة القوقاز، فاقتطع هتلر «باكو» من الكعكة وأكلها تأكيداً على أهميتها كـ «عاصمة عالمية للنفط». وانتهى هتلر ولم تنته باكو.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أكدت باكو مرة أخرى أنها لا تزال عاصمة عالمية للنفط، إذ حصل سباق محموم بين شركات النفط العالمية على تطوير آبار النفط في المنطقة، خصوصاً بعد استقلال أذربيجان.
وعبّر الرئيس الأميركي السابق يبل كلينتون عن اهتمامه بباكو كما فعل ستالين وهتلر من قبل، إذ أدهش كثيرين وهو لا يزال رئيساً خلال محاضرة كان يلقيها رئيس شركة «أمكو»، دان ستسي، قبل أن تشتري الشركة «شركة البترول البريطانية»، عندما اعترض على المحاضر ورسم أمام الحاضرين خريطة القوقاز بالتفصيل مع تحديد مكان باكو. أن اهتمام زعماء ثلاث دول عظمى بباكو تحديداً يجعلها عاصمة عالمية للنفط.
وهناك أسباب أخرى تجعلها تستحق هذا اللقب. ففي باكو حفِـــرت أول بئر سطحية لاستخراج النفط في القرن الخامس عشر. وفي باكو استخدِم هذا النفط في الإنارة فيما كانت العواصم الأوروبية لا تزال غارقة في الظلام. وحفِرت فيها أول بئر نفط في العالم وفق الشكل المعروف حالياً وذلك في 1848.
وفي باكو بنِيت المصفاتان الأوليان للنفط والكيروسين في العالم عامي 1859 و1863 على التوالي. وضمت باكو أول مدرسة للنفط في العالم والتي أسِّست عام 1874. وفي باكو بنيَت أولى ناقلات النفط في العالم والتي سميت «زوروستر». وبنِي أول خط لأنابيب للنفط في العالم بين باكو وباتومي عام 1907. وفي باكو أسِّس أول اتحاد لعمال النفط في العالم في تشرين الأول (أكتوبر) 1906.
وحفِرت أول بئر نفطية تحت الماء في العالم في مياه باكو عام 1923. واشتهِرت باكو تاريخياً بأنها أحد أهم المراكز العالمية لتصنيع المعدات النفطية. كل هذه الأمور جعلتها ليس فقط عاصمة فحسب، وإنما عاصمة عالمية للنفط.
واستقلت أذربيجان من الاتحاد السوفياتي في 18 تشرين الأول 1991. وتتميز خريطة أذربيجان بشكلها العجيب إذ تظهر كنسر ينقض على بحر قزوين. وتشكل أراضي باكو رأس هذا النسر. ويبلغ عدد سكان أذربيجان ثمانية ملايين شخص معظمهم من المسلمين الذين تساوي نسبتهم 93.4 في المئة.
واختلف العلماء في أسباب تسمية العاصمة بباكو إلا أن الأرجح أنها تعني «مدينة الرياح»، خصوصاً أن باكو تشتهر بتقلب طقسها وشدة رياحها. ويفتخر أهالي باكو بابنهم غاري كاسباروف بطل الشطرنج المعروف والذي حصل على بطولة العالم ولم يتجاوز العشرين من العمر.
حصة تاريخية نفطية رائعة ، و يا حبذا لو أن الشركات الوطينة في البلاد الإسلامية كأرامكو و أدنوك و بتروناس تتعاون مع الحكومة الأذربيجانية في تبادل الخبرات للمساهمة في إعادة النهضة النفطية في باكو بدلاً من الشركات الأجنبية!