يخطىء من يظن ان الخلاف الذى نشأ مؤخرا بين جوجل وبعض الشركات الصينية هو اول معركة بين الطرفين. فلاتكاد تنتهي تداعيات قضية اقتصادية بين العملاق الصيني والولايات المتحدة الأمريكية إلا وتظهر مشكلة أخرى تهدد بتأجيج الحروب التجارية بين البلدين، ولعل أخر مسائل الاختلاف ما هددت به شركة جوجل بمغادرة الصين وسحب استثماراتها على إثر خلافات مع شركات صينية حكومية وزيادة الرقابة عليها وعلى مستخدميها.
وسرعان ما أعلنت وزارة التجارة الصينية بعدم تلقيها أي مؤشرات من شركة جوجل بمغادرة الصين معتبر ذلك مجرد إشاعات لم تثبت وأنها لن تؤثر على العلاقات التجارية الصينية الأمريكية.
وقال المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية في مؤتمر صحفي أن الوزارة ولجنة بلدية بكين للتجارة لم تتلقيا حتى الآن أي تقارير بان جوجل ستسحب استثماراتها من الصين أو ستنسحب من السوق الصيني موضحاً أن الصين تضم أكبر عدد من مستخدمي الانترنت في العالم.
وأضاف أن الشركات الخارجية ومنها جوجل لابد أن تحترم القوانين واللوائح والمصالح العامة والثقافة التقليدية وسياسات الدولة المضيفة.
وكان بيان قد نشر عن المستشار القانونى في شركة جوجل ديفيد دروموند في مدونة الشركة يشير إلى احتمال ان تغلق الشركة موقع "google.cn" الالكتروني وكذا مكاتبها في الصين بعد خلافات مع شركات حكومية وزيادة الرقابة عليها وعلى مستخدميها.
والحروب التجارية بين القوى الكبرى في العالم ليست بالشيء الجديد، فهي تظهر للسطح كلما ظهرت الاختلالات بين القوى الكبرى في الميزان التجاري العالمي.
وعندما صعدت الصين بشكل آثار قلق القوى الاقتصادية التقليدية في العالم خاصة في الغرب جعل هذه القوى تمارس ضغوطا بوسائل متنوعة لكبح جمح نمو التنين الصيني القادم بقوة .
وتعد الصين من أكثر دول العالم التي لديها قضايا إغراق كمتضرر أو كمتسبب به فهي الدولة الأولى في العالم المـرفوعة ضدها قضايا إغراق وكذلك الدولة المفروض على صادراتها أكبر رسوم لمكافحة هذا الإغراق ولعل السلع الصينية الأكثر جدلا وهي الاسطوانات المدمجة والمنتجات الكيميائية والدراجات والزجاج وأواني الألمونيوم وإطارات السيارات والأسمنت الأبيض والأحذية بالإضافة إلى صناعة النسيج وأنابيب النفط وإطارات السيارات وحرب الصلب وحرب الأقراص المدمجة وعصير التفاح الصيني.
إلا أن هذه الحرب التجارية المتبادلة بين الأقطاب التجارية الكبرى في العالم (الولايات المتحدة وأوروبا والصين) لا تعد إلا واحدة من حروب أخرى سبقتها، كان الإغراق هو سيد الموقف فيها.
وقد كانت الإدارة الأمريكية تستهدف عبارة "صنع في الصين" فبعد الاستماع إلى شكاوى الشركات الأمريكية من فقدان الطلب على منتجاتها لصالح منتجات الشركات الصينية بدأت الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية على عدد كبير من المنتجات الصينية من الصلب وحتى أجهزة التلفزيون، حيث تم بحث دراسة إصدار تشريع لفرض رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات الصينية من التفاح وحتى مشغلات الأقراص المدمجة.
وهذه التحركات الأخيرة من جانب الإدارة الأمريكية أثارت المخاوف من اشتعال حرب تجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين التي تعد أكبر سوق استهلاكية في العالم وفي نفس الوقت أكبر مورد للواردات الأمريكية.
وقد كانت البداية في عام 1994 عندما كانت حصة الصين من سوق عصير التفاح في أمريكا 1 % فقط، ووصلت هذه النسبة العام الماضي إلى 27% وأقام مزارعو التفاح الأمريكيون دعوى إغراق ضد الصادرات الصينية من عصير التفاح بعد انخفاض الأسعار بنسبة 53%.
وفي تعاملها مع القضية اختارت وزارة التجارة الأمريكية دولة "ممثلة" لتحديد التكلفة المحتملة لإنتاج عصير التفاح الصيني وكان على الوزارة الاختيار ما بين بولندا وتركيا كدولة ممثلة، وبعد دراسة الموقف في تركيا قررت الوزارة أن خمس شركات صينية لا تمارس الإغراق في صادراتها من عصير التفاح.
يقول جيم كراني عضو جمعية التفاح الأمريكي "لو أن الوزارة اختارت بولندا لوجدت أن هذه الشركات تستحق فرض رسوم جمركية عليها لأنها تمارس الإغراق".
اما الحرب الثانية فتعود إلى فرض وزارة التجارة الأمريكية رسوما جمركية على واردات الولايات المتحدة من أنابيب النفط الصينية المنشأ ،مؤكدة أن الصين تبيع هذه المنتجات بأسعار أقل من الأسعار العادية بكثير، فيما وصفت الصين القرار الأمريكي بأنه استغلال لإجراءات الحماية.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت رسوما جمركية على وارداتها من الإطارات الصينية لحماية صناعة الإطارات الأمريكية في سبتمبر الماضي، مما أشعل فتيل أول خلاف تجاري كبير بين البلدين منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض.
وفي بيان لوزارة التجارة الأمريكية قالت : أنها " تأكدت أن شركة OCTG الصينية قامت ببيع أنابيب آبار النفط في الولايات المتحدة بأسعار أقل من السعر العادي بنسب تراوح ما بين صفر إلى 99%، مقدرة صادراتها إلى الولايات المتحدة بنحو 2.6 مليار دولار خلال عام 2008.
ونتيجة لذلك تم فرض ضريبة بنسبة 36.53% على أنابيب النفط القادمة من الشركات الصينية، فيما حصلت بعض الشركات الصينية الأخرى على معدل إغراق مبدئي بنسبة 99.14%.
وكان عدد من الشركات الأمريكية المنتجة لمثل هذه الأنابيب واتحادات العمال قد طالبوا الإدارة الأمريكية بالتحقيق في أسعار الأنابيب التي تصدرها الصين إلى الولايات المتحدة.
اما المعركة الاخرى والهامة فهى اتهام كل من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، الصين بتعمد تخفيض قيمة عملتها المحلية حتى تظل المنتجات الصينية أقل سعرا في الأسواق العالمية مقارنة بمنتجات اليابان والولايات المتحدة الأمريكية.
وتقول واشنطن أن اليوان المقيم حاليا بأقل من قيمته الحقيقية يسهم في حدوث اختلال في التعاملات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتلح الصين على الولايات المتحدة من أجل الاعتراف بها كاقتصاد سوق بالإضافة إلى تقديم تنازلات في قضايا متعلقة بالتجارة وهو الأمر الذي سيزيد من صعوبة اتخاذ الولايات المتحدة لأي إجراءات ضد المنتجات الصينية.
وبدأ خلاف اومعركة اطارات السيارات في سبتمبر من العام الماضي عندما أعلنت إدارة أوباما أنها ستفرض رسوما جمركية تصل إلى 35% في إطارات السيارات الصينية الصنع على نحو فعال والتسعير لهم للخروج من الطرف المنخفض من السوق الأمريكية بعد ذلك بيومين ، قالت الصين أنها ستبدأ تحقيقات مكافحة الإغراق ضد واردات منتجات الدجاج الأمريكية وبعض قطع غيار السيارات.
وتأتى حرب اخرى فى سلسلة المعارك حيث أعلنت الصين مطلع نوفمبر من عام 2009 فرص رسوم مكافحة إغراق لخمس سنوات، تتراوح من 5% إلى 35.4% ، على واردات حمض الأديبيك من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وجمهورية كوريا.
وكانت الوزارة بدأت تحقيقات مكافحة إغراق بشأن واردات حمض الاديبيك في نوفمبر الماضي، ثم شرعت في يونيو من عام 2008 في تحصيل مبلغ ضمان ، كإجراء مؤقت لمكافحة الإغراق ، على حمض الأديبيك المستورد من الدول الثلاث.
ويذكر أن هذا الحمض يستخدم في الأصل في إنتاج النايلون وفي تصنيع رغوة البولي يوريثان وراتينجات البوليستر.
ولذلك لم تكن حرب جوجل اول المعارك بين الصين وامريكا ... ولن تكون اخر المعارك التجارية بينهما ...
ولازالت المعارك مستمرة ... ولكن من سيكون الطرف المنتصر ... هذا ما ستسفر عنه الايام ..