أقرت القمة الثلاثين لمجلس التعاون الخليجي حزمة من الإجراءات الاقتصادية تحمل مضامين وأبعادا في غاية الأهمية فهي تأتي في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وبعد مرور عام تقريباً على بداية وضع خطط التحفيز الاقتصادية العالمية حيز التنفيذ من خلال قمم العشرين التي بدأت من واشنطن العام الماضي فقبل أيام من انعقاد القمة حطت الأزمة رحالها في منطقة الخليج وتحديداً في دبي التي سارعت لوضع الحلول التي جاء أهمها من ابوظبي، وإن كان الحديث عن حيثيات الحل يجب أن يأتي في سياق واحد أن حكومة الامارات سارعت لاستيعاب الاأزمة بغض النظر عن التفاصيل لأن ازمة دبي هي حدث يمس اقتصاد الامارات بشكل عام وهذا التطور الايجابي يوضح قدرة الدول الخليجية على امتصاص آثار الأزمة عليها.
ولكن ما ينظر له في قمة الكويت أنها بالفعل سارعت لتبني انتقال التكامل الاقتصادي الخليجي لمرحلة جديدة ايماناً منها بضرورة الاستفادة من معطيات الازمة لمواجهتها ولبناء اقتصاد اقليمي قوي لأنه يشكل بحقيقة الأمر الاقوى في المنطقة الممتدة من اسبانيا إلى الهند بما يقارب التريليون دولار مدعوماً باحتياطات من النفط والغاز والموقع الجغرافي يعطيه ميزة نسبية على كثير من المنافسين ويعتقد الكثير ان الحديث عن القرارات التي اتخذت بلغت من التفاؤل حدا مبالغا فيه، وأن دول الخليج كان بإمكانها انجاز الكثير قبل سنوات طويلة رغم أن عمر المجلس ثلاثون عاما ولكن هذه المدة لا تعتبر طويلة بعمر الدول والشعوب ولكن ما يستندون عليه الانتقاد التأخر بالتكامل الاقتصادي تشابه الاقتصاديات الخليجية ومعايير وحدة الأرض والشعب واللغة وغيرها، ولكنها بمحصلة الأمر لا تعني أنها كفيلة بتحقيق اي انجاز.
فدول الخليج اعتمدت على كل تلك المعطيات واعتبرها المحفز للارادة الموجودة لتحقيق ذلك لكن الانجاز يتطلب الكثير من الجهد في تطوير الاقتصاديات المحلية من خلال التشريعات والانظمة المحدثة، وكذلك الجانب التعليمي والوصول إلى القدرة على ضبط الميزانيات وبناء الاحتياطات والقدرة على التحكم بكل ما يعترض مسيرة التنمية الاقتصادية وهذه تتطلب جهود جبارة لا يمكن أن تتم بوقت قصير، كما أنها لا تتم بدون ابراز الاشكاليات.
والاختلافات بوجهات النظر حتى يتم التوافق على رؤية مقاربة لكي يتم الانجاز السليم لكل خطوة تكاملية وهذه النقاط برزت لاوربيين وغيرهم ولم تحل بوقت قصير؛ إلا أن اقرار القمة لمشروع الاتحاد النقدي يأتي كخطوة مهمة نحو اطلاق العملة الموحدة وبداية العمل لتحقيق ذلك التي من شأنها أن تسهم برفع معدلات الاستثمار البيئي وسهولة التنقل لرؤوس الأموال خلاف السوق المشتركة التي أقرت العام الفائت وقبلها الاتحاد الجمركي الذي لم يتم تطبيقه إلى الآن بشكل فعال ولكن جميع هذه الخطوات هي محطات في سبيل الوصول إلى الهدف المنشود كما أن الحديث عن انشاء شبكة سكك حديدية سيكون عاملاً رئيسياً في رفع التجارة البينية الخليجية التي تخطت حاجز60 مليار دولار بين الدول الست بخلاف تنشيط القطاع السياحي الذي وصل معدل الانفاق عليه من مواطني الخليج خارج دولهم أكثر من30 مليار دولار سنوياً كما يرفع من معدلات تنقل المواطنين بسهولة اكبر بخلاف نقل البضائع حالها حال عملية الربط الكهربائي التي تمت في هذه القمة والتي ستنعكس على اقتصاديات الدول كلها من خلال الاستفادة من معدلات الطاقة الفائضة بأي دولة لاخرى تحتاجها، وكذلك تقليل التكاليف بالمستقبل على الدول كلها من خلال اعادة تخطيط مشاريع الطاقة الكهربائية بشكل جماعي بدلاً من الفردية الحالية وينشط ذلك القدرة على جذب الاستثمارات لاي دولة بحسب ميزة الصناعة لديها.
أن الحديث عن قرارات القمة في الكويت وانجازات الدول الخليجية اقتصاداً إلى الآن يجب أن لا يغفل جانب ما تحقق وإن كان بسيطا باعتراف الدول نفسها التي تطمح للأفضل، ولكن يبقى للاجراءات دورها وحاجتها للزمن المطلوب خصوصا ان دولنا لا تعمل على تحقيق التكامل الاقتصادي باجواء طبيعية فهناك الكثير من التحديات التي واجهتها خصوصا على الصعيد السياسي كالحرب الإيرانية العراقية إلى الكارثة الأعظم وهي احتلال دولة الكويت واحتلال العراق وغيرها من قضايا المنطقة التي كلفت الكثير من المال واثرت على وتيرة العمل الاقتصادي بكل دول المجلس فالوصول إلى ما تم اقراره إلى الآن يعتبر ايجابيا بكثير من المعطيات التي لا يجب التقليل من أهميتها فالعمل المطلوب ليس باليسير أو السهل فما زالت اقتصاديات فتية حققت تطور مهم وتعلمت الكثير من اخطائها وهذه اساسيات مهمة لبناء اقتصاد قوي فمن لا يتعلم ولا يعرف احتياجه واين مكامن القوة والضعف لديه لا يمكن أن يصل إلى الأفضل.