تقرير مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية عن سوق الكويت للأوراق المالية

02/12/2009 0
مركز الجُمان

تراجع متوسط التداول اليومي في سوق الكويت للأوراق المالية خلال نوفمبر الماضي بمعدل 12% بالمقارنة مع شهر أكتوبر، ليصل إلى 47 مليون د.ك مقابل 53 مليون د.ك ، كما تراجع المؤشر الوزني بمعدل 8.5% خلال شهر نوفمبر، والذي تأثر أداؤه باستمرار المعطيات غير الإيجابية وضعف الثقة ، ناهيك عن التداعيات السلبية لصدور الاتهامات الرسمية من جانب الحكومة الأمريكية ضد شركة المخازن العمومية "أجيليتي" ، وذلك خلال شهر نوفمبر ، وأيضاً النتائج المخيبة للآمال لشركة "زين" وهي أكبر شركة مدرجة ، وذلك بانخفاض أرباحها بنسبة 53% في الربع الثالث من العام الجاري بالمقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي ، علماً بأن ذلك التراجع في المؤشر جاء ضمن التوقعات التي أصدرناها بداية الشهر المذكور بانخفاض الأسعار ما بين 5 إلى 15% خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2009 .

المحفظة الوطنية يأتي هذا التراجع في التداول والأسعار رغم ما يتردد من تدخل المحفظة الوطنية بشكل ملموس خلال نوفمبر الماضي ، وذلك للحد من هبوط الأسعار والانحسار الملحوظ في المبالغ المتداولة ، وقد كان موقفنا واضحاً ومبدئياً منذ أكثر من عام بشأن تدخل الأموال العامة في دعم الأسعار والتداول في البورصة ، وذلك برفض ذلك التدخل لعدة أسباب ، منها : التأثير في آلية العرض والطلب ، وبالتالي ، إفقاد السوق تحركه الطبيعي والصحي ، وكذلك تأجيل ظهور المشاكل وانكشاف الفساد ، مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل وتشجيع الفاسدين والمخربين في البورصة، وإن لم يكن بشكل غير مباشر وغير رسمي ، ناهيك عن المخاطرة غير المبررة بالمال العام ، إضافة إلى تعزيز الشكوك بتوجه الأموال العامة لانقاذ البعض أو تقوية مراكز البعض الآخر على حساب مصلحة الأجيال القادمة .  

مطلوب لجنة إزلة … بورصوية! ولا يزيد دور المحفظة الوطنية عن دور الدواء المسكن والمؤقت للآلام والأمراض البورصوية إن صح التعبير ، هذا إذا ما افترضنا حسن النية والكفاءة في القرارات التي تتخذها ، فقد فشلت بكل جدارة حتى الآن وبعد مرور أكثر من عام على تفعيلها ، حيث إن الإصلاح الحقيقي يتمثل في استئصال الفساد من جذوره ، والذي يتطلب عدة تحركات منها : تأسيس جهة ربما تكون "هيئة سوق المال العتيدة" ليكون لديها الجرأة والشجاعة ، وقبل ذلك النظافة لمواجهة بيت الداء ، وهو الفساد المتفشي في الجسد الاقتصادي بسرعة تفوق سرعة انتشار مرض السرطان الفتّاك ، حيث إن من المفترض أن تزاول هيئة سوق المال المرتقبة عملها بصورة أشرس وأسرع من "لجنة الإزالة" المعروفة حالياً ، والموكل إليها إزالة التعديات على أملاك الدولة ، وإلا ستكون هيئة سوق المال مجرد وظائف لتنفيع العاطلين والفاسدين ، ومكرسة لطلبة الوجاهه وترتيب الصفقات تحت الطاولة … إلخ .

نتائج الربع الثالث وثلاثة أرباع العام 2009 كما هو متوقع ، فقد تراجعت الأرباح المجمعة للربع الثالث للشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية بمعدل 62% لتبلغ 212 مليون د.ك بالمقارنة مع 565 مليون د.ك للربع الثالث من العام 2008 ، ولا شك بأن ذلك التراجع كان متوقعاً تماماً ، كما لا يجب أن يُعتد بمعظمه من الناحية الموضوعية ، نظراً لتغير الظروف خلال فترة المقارنة رأساً على عقب ، كما انخفضت بالتبعية الأرباح المجمعة للشركات لثلاثة أرباع العام 2009 بمعدل 75% لتبلغ 732 مليون د.ك هبوطاً من 2,945 مليون د.ك للفترة المناظرة من العام الماضي ، وربما المفاجئ والمقلق في هذه النتائج ، هو مدى تضرر قطاع البنوك ، والذي كان يعتبرالملاذ الآمن فيما مضى ، حيث انخفضت أرباحه المجمعة بمعدل 59 و63% للربع الثالث وثلاثة أرباع العام 2009 على التوالي ، والذي يرجع إلى تكوين المزيد من المخصصات بالدرجة الأولى ترقباً لتزايد أعداد المدينيين المتعثرين على اختلاف شرائحهم ، والذي يقابله عدم نمو العمليات التشغيلية لدى البنوك كما كان سابقاً ، وهو أمر بديهي وطبيعي لحالة ضعف الثقة السائدة ، كما جاءت المفاجأة السلبية الأخرى فيما يتعلق بانخفاض أرباح "زين" بمعدل 53% للربع الثالث و17% لثلاثة أرباع العام 2009 ، حيث كانت التوقعات بأن تحافظ تلك الشركة على مستوى أرباح 2008 ، وأن يكون التراجع – إن حدث - طفيفاً وليس ملحوظاً .

توقعات الجُمان وتوقعات الصحف وبمقارنة النتائج الفعلية بتوقعاتنا التي تم إصدارها في 28/08/2009 ، فقد انخفضت الأرباح الفعلية للربع الثالث 2009 – والتي بلغت 212 مليون د.ك – بمعدل 29% عن توقعاتنا البالغة 300 مليون د.ك ، وقد كان للانخفاض المفاجئ لأرباح "زين" بمقدار 46 مليون د.ك الأثر البالغ في الانحراف الملموس لتوقعاتنا عن الأرقام الفعلية ، حيث شكل 52% من الانحراف في التقديرات ، أما نتائج ثلاثة أرباع العام ، والتي بلغت فعلياً 732 مليون د.ك ، فقد تراجعت بالتبعية عن تقديراتنا البالغة  900 مليون د.ك ، وذلك بانحراف معدله 19% ، والذي ساهم به جوهرياً تراجع أرباح "زين" بمقدار 39 مليون د.ك .

ومن جهة أخرى ، كعادتنا ، رصدنا توقعات الصحف لنتائج الشركات المدرجة لثلاثة أرباع العام 2009 ، حيث تم رصد تلك التوقعات لأكثر ثلاث صحف انتشاراً ، وقد لاحظنا استمرار النهج التحفظي لإصدار التوقعات ، وهو نهج إيجابي بكل تأكيد ، وذلك لتجنب إصدار التوقعات غير المدروسة والمشبوهة أحياناً ، خاصة في ظل الظروف الحالية ، وقد حققت أفضل صحيفة في هذا المضمار صحة بالتوقعات بمعدل 60% ، بينما حققت الثانية 57% ، في حين أخفقت الثالثة في تحقيق أي نسبة نجاح في توقعاتها ، وقد بلغ متوسط نسبة النجاح في التوقعات 52% للصحف الثلاث ، وهي نسبة لا بأس بها أولياً نظراً لصعوبة تحقيق نسبة مرتفعة لنجاح التوقعات في مثل الظروف السائدة حالياً والمتغيرة باستمرار ، وتجدر الإشارة إلى أنه تم اعتبار التوقعات التي ارتفعت أو انخفضت عن النتائج الفعلية بنسبة 10% توقعات ناجحة ، كما تم استبعاد التوقعات التي تم اصدارها قبل صدور النتائج الفعلية بيوم أو يومين وكانت مطابقة لها ، وذلك نظراً لحضور شبهة التسريب .

تحليل صحة توقعات أكثر  ثلاث صحف انتشارا لنتائج الشركات لثلاثة أرباع العام 2009

تخمة السيولة … لماذا ؟ ارتفع عرض النقد ، أي الودائع لدى البنوك بمعدل 15.6% نهاية أكتوبر الماضي ليبلغ 24.75 مليار د.ك مقابل 21.41 مليار د.ك في نهاية أكتوبر 2008 ، ويعبر ذلك الارتفاع الملحوظ عن توفر السيولة بشكل عام وبشكل متزايد ، وذلك منذ بداية الأزمة حتى الآن ، وفي المقابل عدم وجود قنوات استثمارية مجدية وموثوقة لاستيعاب جزء يسير منها على الأقل ، حيث لجأ المستثمرون عموماً إلى وضع مدخراتهم في أدوات مضمونة كالودائع ، بالرغم من الانخفاض القياسي للعائد عليها الذي لا يتجاوز 1.5% سنوياً ، وذلك نظراً لأجواء عدم الثقة السائدة والمخاطرة المرتفعة والمرتبطة بالأدوات الاستثمارية الأخرى مثل الأسهم والعقار .

من جهة أخرى ، فإن حالة الشلل التي يعيشها الاقتصاد الوطني ، من حيث عدم إتاحة الفرص الاستثمارية المجزية للقطاع الخاص ، وأيضاً التأخير غير المبرر في طرح المشاريع التنموية الكبرى ، سيؤدي إلى تكدس المزيد من الأموال السائلة لدى البنوك ، والتي ستكون عبئًا عليها في نهاية المطاف ، نظراً لعدم وجود قنوات مقبولة المخاطر لاستثمار تلك الأرصدة النقدية المتعاظمة .

ولا شك بأن ذلك الوضع يؤثر سلباً على ربحية البنوك بكل تأكيد ، وهو الأمر الذي هي أحوج إليه في الوقت الحاضر ، حيث استنفذت المخصصات جانبا كبيرا من أرباح القطاع ، ناهيك عن استهلاكها لكامل أرباح بعض البنوك ، أي أن البنوك في مأزق يتمثل في وفرة السيولة ، لكن دون استخدام يحقق الأرباح والتنمية .

ولا شك بأنه لا يمكن لوم المودعين لعزوفهم عن ممارسة النشاط الاقتصادي المعتاد ، وذلك لندرة الفرص من جانب ، والمخاطرة المرتفعة للفرص الضيقة المتاحة ، وعلى سبيل المثال ، فإن حالة الفوضى السائدة في سوق الكويت للأوراق المالية والمتمثلة في شيوع الفساد وسوء الإدارة والتقصير الفاحش من جانب معظم الأطراف المرتبطة به ، جعل هذا السوق طارداً وبقوة للاستثمارات الجديدة ، حتى أن الشركات الكبرى والعريقة والمحترمة أيضاً ليست بمأمن تام من تيار الفساد الجارف ، وذلك من خلال التشجيع غير المعلن للمخربين ، حيث إنهم محصنون من المساءلة الجادة والحقيقية بسبب غياب الدور المطلوب من الأجهزة الرسمية سواء كانت تنظيمية أو رقابية ، وبالتالي ، فإن أيدي الفاسدين من الممكن أن تمتد إلى أكبر وأفضل الشركات المدرجة في أي لحظة ، مما يجعل عامل المخاطرة الكبير حاضراً على الدوام .  

أزمة دبي وبورصة الكويت اندلعت أزمة دبي المالية في 25/11/2009 بطلب شركات تابعة لحكومة دبي من دائنيها الانتظار  ستة أشهر على الأقل لسداد قروض تبلغ 59 مليار دولار أمريكي ، ولا شك بأننا نتمنى انتهاء هذه الأزمة بأقل الأضرار الممكنة لجميع الأطراف المرتبطة بها .

ولعل ما يهمنا هنا، هو مدى انعكاس هذه الأزمة على الاقتصاد الكويتي عموماً وعلى سوق الكويت للأوراق المالية خصوصاً ، ولا شك بأن الاقتصاد الكويتي عموماً بمنأى عن هذه الأزمة كون دولة الكويت - فيما نعلم - غير مقرضة بشكل كبير لحكومة دبي أو شركاتها التابعة، أما سوق الكويت للأوراق المالية ، فلا يستبعد تعرضه لانخفاض بدافع نفسي في الدرجة الأولى ، وهذا أمر طبيعي ، أما الشركات المدرجة في بورصة الكويت ، فربما تتعرض للضرر المادي المؤثر تلك الشركات التي لديها استثمارات هناك ، وهي محدودة العدد ، ولا تزيد عن أصابع اليد الواحدة ، أما الشركات الكويتية المدرجة في سوق دبي المالي وعددها 16 شركة تقريباً ، فليس لها علاقة بأزمة دبي مبدئياً ، إلا ما هو متخصص بالعمل هناك .

وبالتالي ، يمكن القول بعدم تأثر سوق المال الكويتي بأزمة دبي بشكل ملموس من الناحية الأساسية والجوهرية ، وذلك وفقاً للمعطيات الحالية والمعرضة للتغير بكل تأكيد ، وربما يفوق الأثر النفسي الأثر الحقيقي بمراحل كبيرة ، مما يدعو إلى عدم المبالغة بالتعاطي مع أزمة دبي بأكثر مما تستحق على الصعيد المحلي ، وربما يؤكد ذلك تصريح بنك الكويت المركزي بالانكشاف المحدود جداً للبنوك الكويتية على شركتي دبي العالمية ونخيل ، والذي نتمنى أن تسري محدودية الانكشاف الكويتي على باقي الشركات الناشطة في دبي .