مما لا شك فيه ان قراءة القوائم المالية بصورة جيدة يتوقف بصورة كبيرة على جودة التقارير المالية الصادرة من هذه الشركات ونختم فى هذه المقالة السلسلة التى بدأناها فى كيف تقرأ القوائم المالية للشركات ؟!! ونركز فيها حول مدى التزام هذه التقارير بالمعايير المحاسبية الدولية وقد تم اعداد دراسة ميدانية على عدد من الشركات بالمملكة العربية السعودية حول جودة التقارير المالية الصادرة من هذه الشركات حيث اعتبر الباحثون موضوع جودة التقارير المالية من القضايا الهامة والحيوية خلال السنوات العشر الاخيرة .
وكانت دراسات جودة التقارير المالية تهتم بقياس المتغيرات المحاسبية التى تعكس جودة التقارير ، كما تهتم أيضا بالعوامل المؤثرة فى الجودة. فالبحث المحاسبى اقترح العديد من المتغيرات المحاسبية التى تعتبر مؤشرات على الجودة ، من هذه المتغيرات ، مقدار الاستحقاق الاختيارى فى القوائم المالية ، اتباع الإدارة سياسات هجومية فى الاعتراف بالأرباح ، درجة الشفافية فى القوائم المالية ، وخاصية وقتية الربح المحاسبى.
فيما يتعلق بالعوامل المؤثرة فى جودة التقرير المالى ، فالبحث المحاسبى اختبر العديد من العوامل ، أهم هذه العوامل: اتباع الشركة لمجموعة عالية الجودة من معايير المحاسبة ، العوامل النظامية التى تخضع لها الشركة ، والعوامل المرتبطة بالشركة (Ball et al , 2000 , 2003). أما بالنسبة لمعايير المحاسبة ، فإن تطبيق معايير المحاسبة الدولية ، أو أى معيار منها لا يوجد له مقابل فى المعايير السعودية ، من شأنه أن يرفع من جودة التقارير المالية. من ناحية أخرى ، فإن خضوع الشركات لقواعد نظامية تعتبر من قواعد النظام العام بدرجة تساعد حملة الأسهم فى فرض آليات فاعلة للحوكمة يؤدى إلى تقارير مالية ذات جودة عالية (Bushman et al, 2004). وأخيرا فإن التزام الشركة بتحسين درجة الشفافية ، من خلال اتخاذ إجراءات إضافية بخلاف القواعد النظامية ، يؤدى أيضا إلى زيادة درجة الجودة التى يمكن أن تتصف بها التقارير المالية (Luez et al, 2003).
وتتمثل أهم الأهداف الأساسية للبحث فى تحليل جودة التقارير المالية فى المملكة العربية السعودية فى ظل تبنى المملكة لمجموعة ، غير مكتملة ، من معايير المحاسبة التى أعدت على المستوى المحلى مع السماح بتطبيق المعيار الدولى الذى لا يوجد ما يقابله فى المعايير السعودية. بعد تحليل مفهوم جودة التقارير المالية فى المملكة العربية السعودية ، فإن البحث يحاول تعيين وقياس العوامل المؤثرة فى الجودة ، واختبار أثر هذه العوامل ميدانيا.
وقد أعتمدت الدراسة على عدد من المتغيرات اهمها مقياس إدارة الربح باستخدام اختيار توقيت الاعتراف بالعناصر غير العادية فى التقرير المالى ، كمتغير يقيس جودة التقارير المالية. فالتوقيت الملائم للاعتراف بالأرباح والخسائر يعتبر مؤشر ملائم للجودة لأن اختلاف التوقيت الفعلى عن التوقيت الحقيقى يؤثر على عناصر قائمة المركز المالى وعناصر قائمة الدخل ، كما يجعل الربح الدفترى يختلف عن الربح الاقتصادى للشركة. اختيار الإدارة لتوقيت الاعتراف بالأرباح والخسائر بصورة تخالف توقعات المستثمرين يجعل التقرير المالى أقل منفعة ، كما يترتب عليه تقلبات حادة فى الأسعار السوقية للأسهم.
العوامل المؤثر فى جودة التقارير المالية ، وفقا للبيئة السعودية ، تشمل:
- عدد المعايير الدولية الضرورية التى تستخدمها الشركة إلى جانب المعايير السعودية. - القواعد النظامية التى حكمت نشأة الشركة (عام ، مساهمة ، عائلية). - نسبة الأسهم حرة التداول فى السوق. - وجود لجنة مراجعة. - عدد مراجعى الحسابات (واحد ، أكثر من واحد). - حجم الشركة
المتغير الأول يعبر عن تطبيق الشركة لمعايير المحاسبة الدولية التى تعد ضرورية لتوفير محاسبة سليمة عن نشاط الشركة. فمن المعروف أن المتوفر من معايير المحاسبة السعودية لا يشكل حاليا مجموعة متكاملة من المعايير بالدرجة التى تساعد فى إنتاج تقارير مالية عالية الجودة.
المتغير الثانى يعتبر بديلا للعوامل النظامية التى يتم تصنيف الدول على أساسها إلى دول تتبع قواعد النظام العام ، ودول تتبع قواعد النظام المحدد. فالدراسة يتم إعدادها فى المملكة فقط ولا يتم مقارنتها بدول أخرى ، وبالتالى لجأ الباحث إلى العوامل النظامية التى نشأة فى ظلها الشركة كبديل للعوامل النظامية المرتبة بنوع النظام القانونى السائد فى الدولة.
المتغيرات الثلاثة الأخيرة تمثل عوامل مرتبطة بكل شركة على حده وتحاول أن تستكشف ارتباط إدارة الشركة بتحقيق درجة عالية من الجودة. أما متغير الحجم فإنه يعكس درجة تعرض الشركة للرقابة العامة ، من جميع الفئات المهتمة بالشركة بخلاف المساهمين.
وقد أعتمدت الدراسة على المنهج الإيجابى فى تحليل جودة التقارير المالية واستخلاص المتغيرات المؤثرة فيها. ويعتبر الاختبار الميدانى جزءا أساسيا من منهج الدراسة لأنه يقدم الدليل الميدانى على صحة النظرية التى تم تقديمها فى الدراسة التحليلية لاستخدام المتغيرات المستقلة فى تفسير ظاهرة البحث المتمثلة فى جودة التقارير المالية ، والتنبؤ بتلك الظاهرة.
وتتوقع الدراسة أن المتغيرات المستقلة تؤثر سلبا فى فرص إدارة الربح باستخدام الحرية المتاحة للإدارة فى الاعتراف بالأرباح والخسائر ، وبالتالى يعنى ذلك ارتفاع جودة التقارير المالية. فالشركات التى تطبق معايير محاسبة دولية بالإضافة إلى معايير المحاسبة السعودية تقدم تقارير ذات جودة أعلى من تلك التى تكتفى بإعداد التقرير المالى وفقا لمجموعة معايير المحاسبة السعودية. كما تتوقع الدراسة أن الشركات التى تخضع لقواعد نظامية مرنة ولديها نظم محاسبية متطورة ومرنة سوف تنتج تقارير مالية أعلى جودة من تلك التقارير التى تنتجها الشركات التى نشأت فى ظل قواعد محددة لا تسمح بتطوير النظم التى تعمل فى ظلها الشركة.
وأخيرا فإن العوامل المرتبطة بالشركة سوف تؤثر بصورة إيجابية فى جودة التقارير المالية ، فالتقارير المالية للشركة التى شكلت لجنة للمراجعة أجود من التقارير المالية التى لم تشكل لجنة للمراجعة ، والشركة ذات نسبة تداول حر عالية تنتج تقارير مالية أعلى جودة من الشركة التى تكون نسبة التداول الحر فيها أقل ، كما أن الشركة التى يراجع قوائمها المالية إثنين من مكاتب المراجعة يفترض أن تنتج تقارير مالية ذات جودة أعلى ، وأخيرا فإن الشركات الأكبر حجما تنتج تقارير مالية ذات جودة أعلى.
وقد تم اختبار فروض الدراسة باستخدام عينة من الشركات السعودية (عينة متاحة) حققت بعض الشروط التى تجعل الاختبار عمليا ولا تجعل النتائج متحيزة. أهم هذه الشروط ما يأتى:
- ألا تكون الشركة أحد البنوك أو شركات التامين. - أن تكون الشركة ، فى 1/1/2007، مقيدة فى السوق المالية منذ خمس سنوات أو أكثر. - أن يتوفر للشركة البيانات المالية لفترة القيد فى السوق كاملة. - ألا تكون الشركة قد حققت صافى خسائر فى فترة الاختبار.
هذه الشروط ترتب عليها إتاحة عينة مكونة من 30 شركة لها بيانات قابلة للتحليل الإحصائى. تم الحصول على البيانات من موقع “تداول” ومن التقارير المالية المنشورة للشركات فى الصحف وفى المكتبات العامة. وقد أظهرت نتائج الدراسة أن استخدام الشركة لمعايير محاسبة إضافية إلى جانب المعايير السعودية يحسن جودة التقرير المالى مقارنة باكتفاء الشركات بالمعايير السعودية فى إعداد التقرير المالى لها. من ناحية أخرى فإن التقارير المالية للشركات الفردية وشركات الأشخاص ذات الطابع العائلى ، التى طرحت أسهمها للاكتتاب العام بعد تحويلها لشركات مساهمة ، كانت أقل جودة من التقارير المالية للشركات التى كانت مملوكة للدولة وتلك التى بدأت مساهمة. وأرجع الباحث هذه النتيجة إلى طبيعة النظم والسياسات المتبعة فى هذه الشركات ، حيث بدأت نظم هذه الشركات بسيطة وأقل تطورا بما يتفق مع طبيعة هذه الشركات فى ذلك الوقت ، ثم أدخل عليها تعديلات لتتوائم مع متطلبات التقرير المالي للشركات المقيدة فى السوق. أما الشركات الأخرى فبدأت بنظم عريضة ومتطورة وفقا لحاجات التقرير المالى التى تتفق مع أحجام تلك الشركات.
وفيما يتعلق بالمتغيرات المرتبطة بالشركة فإن الحجم ووجود لجنة المراجعة أظهرا تأثيرا معنويا على مؤشر جودة التقارير المالية ، وذلك بعكس المتغيرات الأخرى ، نسبة التداول الحر وتعدد المراجعين. وأرجع الباحث أهمية الحجم إلى وجود نوعا من الرقابة العامة على الشركات الكبيرة مثل سابك والاتصالات الأمر الذى ينشأ معه طلب على تقارير مالية عالية الجودة. كما أرجع الباحث أهمية دور لجنة المراجعة إلى اختصاص اللجنة بالمسائل المرتبطة بمراجعة التقارير المالية يحدث نوعا من الطلب على وفرة الإفصاح والشفافية فى التقارير المالية.
أما عدم معنوية تعدد المراجعين فأرجعها الباحث إلى أن تعدد المراجعين لم ينشأ بسبب رغبة فى انتاج تقارير مالية عالية الجودة ، لكنه نشأ بسبب رغبة الشركة فى الاستفادة ، أطول مدة ممكنة ، من المراجعين أو أحدهما ، لأن القواعد النظامية تقضى بتغيير المراجع الفرد بعد ثلاث سنوات. وأخيرا فإن نسبة التداول الحر لم تثبت معنوية فى التأثير على جودة الأرباح ، وربما يرجع ذلك إلى ضعف نسبة الاستثمارات طويلة الأجل فى السوق السعودى وأن الغالبية العظمى منها عبارة عن مضاربات ، وبالتالى فإن الطبيعة قصيرة الأجل لا تجعل المستثمر يطلب جودة عالية فى التقارير المالية المنشورة.
وانتهت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات أهمها ، ضرورة استكمال معايير المحاسبة السعودية حتى تكون مجموعة متكاملة تمكن من إعداد تقارير مالية عالية الجودة. ولا يفوتنا هنا أن نركز على ضرورة توجيه الأولوية فى هذه النقطة إلى معايير العصب أو العمود الفقرى لإعداد التقارير المالية ، مثل الأجور والمعاشات ، الاندماج والاستحواذ ، الأصول والالتزامات المحتملة وغيرها من المعايير الأساسية لإعداد تقارير مالية عالية الجودة.
كما توصى الدراسة بتكثيف جهود التحقق من سلامة النظم المحاسبية للشركات التى ترغب فى طرح حصص من أسهمها فى السوق وعدم الاكتفاء بمراجعة التقييم واستيفاء بعض المتطبات النظامية. وأخيرا توصى الدراسة بأن تسرع الشركات فى تأسيس لجان للمراجعة ، ولا يسمح لأى شركة أن تطرح أسهمها فى السوق قبل أن تؤسس هذه اللجنة. وتطالب الدراسة بإعادة النظر فى آليات تغيير المراجعين بحيث تسمح بتمديد مدة استمرار المراجع مع الشركة لخمس سنوات على الأقل.
وأخيرا فإن مزيدا من البحوث المحاسبية فى جودة التقارير المالية يعد مطلبا أساسيا لاستكمال هذه النتائج بحيث تتطرق دراسات إضافية إلى مؤشرات أخرى لجودة التقارير المالية غير إدارة الربح .
هذا كان الجزء الخامس والاخير لكيفية قراءة القو ائم المالية للشركات احببت ان اضيفه لهذه السلسلة من المقالات لبيان اهمية جودة التقارير المالية وتأثيرها فى قراءة القوائم المالية ... ارجو من الله ان اكون قد وفقت فى هذا العرض مع تمنياتى لكل الاخوة القراء والمهتمين بموضوعات القوائم المالية والتحليل المالى والمستثمرين مزيدا من الاستفادة والتوفيق على أمل اللقاء فى سلسلة موضوعات اخرى تفيد القارىء العربى فى كل مكان .