الشركات المالية أمام سور الأنظمة العظيم

21/11/2009 1
محمد العنقري

قامت هيئة السوق المالية قبل أيام قليلة بسحب وإلغاء تراخيص لشركات مالية كانت قد وافقت لهم على ممارسة نشاطهم بالسوق المالية، وهي ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها هيئة السوق مثل هذه الاجراءات بل سبقها قرارات مماثلة لشركات أخرى سابقاً، وإذا كان سبب هذه الاجراءات معلناً بعدم استيفاء تلك الشركات لشروط مزاولة النشاط ضمن مدة زمنية محددة إلا أن الأمر برمته يحتاج إلى وقفة يتم فيها كشف جوانب وأسباب القصور التي تفرض على تلك الشركات واقعاً مغايراً لما رسمته لنفسها عند القيام بدراسة الجدوى الاقتصادية.

فأول ما سيتبادر للأذهان هو فشل تلك الشركات بدخول السوق نتيجة عوامل داخلية كافتقار دراسة الجدوى لعوامل المخاطرة المتوقعة، خصوصاً أن أحوال السوق غير مشجعة بسبب التراجع الكبير منذ فبراير 2006 لأسباب عديدة كان آخرها الأزمة المالية العالمية، مما أدى لضعف الإقبال على الاستثمار والتعامل مع السوق نتيجة خسارة كبيرة لحقت بعموم المتداولين أو عدم القدرة على توفير كوادر مؤهلة والعديد من الجوانب التي قد تواجه أي مشروع لأسباب تتعلق بالمنشأة نفسها.

ولكن بالمقابل فإن هناك أسباباً أخرى تتعلق بآلية العمل والتنظيمات المشرعة له قد تكون سبباً أكثر تأثيراً على الشركات الجديدة أضعفت قدرتها على المنافسة، وبالتالي أدت لانسحابها من السوق مبكراً.

إن هيئة السوق عندما شرعت بالترخيص لتلك الشركات كانت تهدف لكسر الاحتكار الذي مارسته البنوك المحلية خلال عقدين تقريباً بإدارتها لتعاملات السوق فقامت بفصل نشاط الاستثمار والتعامل بالسوق المحلي عنها من خلال فرض تأسيس البنوك لشركات استثمار مستقلة تماماً عن البنوك، وبالتزامن فتحت باب الترخيص لمن يرغب بتأسيس شركات مالية تنافس القديمة حتى يتم الارتقاء بالدور المؤسسي لمرحلة يكون أكثر تأثيراً على تعاملات السوق، لما له من ميزة إيجابية كما يحدث بكل أسواق العالم وكذلك لخدمة الفرد بجودة ومعايير أفضل من السابق.

ولكن هل وفرت الهيئة كل الأجواء المناسبة لكي تكون تلك الشركات فاعلة وقادرة على المنافسة مع المؤسسات التي استقلت عن البنوك والتي يراها البعض شكلية فقط على الأقل إلى الآن وأن ارتباطها بالبنوك الأم مازال قائماً وقوياً.

فمن بين الأسباب التي يمكن تقديرها على أنها عوامل تلغي جوانب المنافسة بالسوق بين الجدد والقدامى عدم إمكانية الشركات الجديدة على التمويل والإقراض لأن النظام لا يتيح لها ذلك، بخلاف أن تسويات عملائها المالية تتم بنهاية المطاف عبر حسابات عملائها بالبنوك حيث لايسمح لهم بفتح حسابات مصرفية مما يعطي البنوك القدرة على كشف أوضاع عملائها ومعرفة نوعية وحجم المتعاملين مع تلك الشركات، وهذا يعطينا ظاهرياً أن المؤسسات التابعة للبنوك تملك ميزة نسبية كون حسابات عملائها موجودة بنفس البنك الذي تتبع له فيلتغي جانب السرية تماما بهذه النقطة وبالتالي لابد من وجود جهة مستقلة تشرف على تلك التسويات كإنشاء بنك تسويات يتيح للشركات الجديدة الحفاظ على سرية عملائها وهذا ما يفترض دراسته بين الهيئة ومؤسسة النقد المشرفة على القطاع المالي لإيجاد صيغة تخدم هذا الجانب لصالح الوسطاء الجدد

ومن المعروف أيضا أن الشركات الجديدة لا يحق لعملائها الاكتتاب من خلالها بينما يتاح ذلك للقديم منها حيث إن فتح باب الاكتتاب المباشر للأفراد من خلال أي شركة مالية مرخصة لخدمة الوساطة يسمح لها بجذب العملاء وفتح محافظ لهم وبالتالي بقاء الوضع على ما هو عليه الآن يفرض على عموم المتعاملين البقاء ضمن المؤسسات التابعة للبنوك لأنها تقدم لهم خدمات لا يجدونها لدى الآخرين، وإذا كانت الهيئة ترى أن باب المنافسة بالاكتتابات متاح لهم من خلال الصناديق فإن ميزة المؤسسات القديمة أن عدد المشتركين بصناديقها أكبر، وهذا سبب كاف لاستئثارها بنصيب الأسد عند أي طرح فمن الضروري إعادة صياغة مبدأ الاكتتابات عبر السماح للشركات الجديدة حسب نوعية تراخيصها بتسويق كميات يتم حجزها لصالحهم إلى عملائهم حتى تتوطد العلاقة، ولا يكون ميزة لغيرهم تفرض واقعاً يشل من قدراتهم التنافسية.

كما أن معاملتهم كحال المؤسسات التابعة للبنوك من حيث الرسوم التي تدفع لشركة تداول وغيرها من الالتزامات المالية الثابتة يعجل بتآكل رؤوس أموالها، فمن المفترض أن يكون هناك فترة إعفاء كما يحدث للرخص التي أعطيت بقطاع الاتصالات حيث تصل فترة الإعفاء للسنوات الخمس الأولى فتخفيف الضغط المالي عليهم يعطيهم القدرة على التنافس بشكل أفضل لأنهم يلتزمون مالياً كحال غيرهم رغم حداثة عهدهم بالسوق ومحاولتهم بناء قاعدة عملاء تتيح لهم الاستمرار، ففشل الشركات وانسحابها من السوق هو خسارة بنهاية الأمر للاقتصاد وتقليل لجاذبية الاستثمار بمجالات تخدم السوق المالي السعودي، وبالتالي الاقتصاد ككل من خلال فتح فرص وظيفية للشباب وكذلك المساهمة بتنظيم تدفق النقد للسوق المالي.

كما يلعب منح الرخص الخمسة دوراً سلبياً ببعض الأحيان فكيف يحق لمؤسسة أن تصدر توصيات على شركات وبنفس الوقت تتمتع برخصة إدارة الأصول مما يؤدي لالتقاء المصالح والأمثلة كثيرة حتى بأسواق عالمية على سلبية هذه العوامل، فمن الضروري إعادة صياغة طرق الترخيص بما يكفل منع بناء أي مصالح داخل السوق.

قد تكون تلك الملاحظات بعض ما قد يكون سبباً لمعاناة الشركات الجديدة وبالتأكيد هناك نقاط أخرى لا تقل أهمية، نأمل أن تدرسها هيئة السوق بعناية ومراجعتها لما فيه خدمة السوق والمتعاملين فيه، وكذلك توفير الأسباب المشجعة على الاستثمار بجانب مهم بالاقتصاد الوطني وتقليل الآثار السلبية على تدفق رؤوس الأموال ونعلم أن الهيئة بذلت وتبذل جهوداً كبيرة لتطوير السوق، ويبقى لجانب الاستثمار بتأسيس المؤسسات والشركات المالية الدور الأبرز بتحويل السوق للعمل المؤسسي وتقليل جوانب المخاطرة فيه على المستثمرين، إلا أن وجود قصور تنظيمي وتشريعي يبقيهم خارج أسوار السوق وسيزيد من عدد المنسحبين مستقبلاً.