في عدد من مقالاتي السابقة تحدثت عن أهمية الادخار للنجاح المالي، وأنه ينبغي الالتفات له بالقدر نفسه الذي يوليه معظم الناس للاستثمار ومشاربه. ولكن كيف يمكن للشخص أن يخفض نفقاته بحيث يبقى له مبلغ أكبر للادخار ولتحقيق أهدافه المالية على المدى الطويل؟
بناء عليه فإني أورد لكم أعزائي القراء بعض النصائح التي أتمنى أن تساعدكم في حربكم الضروس على الثقافة الاستهلاكية.
أولاً: ابتعد عن التفكير النسبي والمقارنات. فلو افترضنا أنك دخلت إلى معرض إلكترونيات في يوم من الأيام لتشتري تلفازاً، فسترى عديدا من الموديلات والأحجام. وبالطبع فإن البائع سيحرص على أن تشتري أغلى موديل يمكنك شراؤه، وذلك بإظهار الميزات الإضافية للتلفاز الأغلى، كالشاشة التي تنقسم إلى نصفين، وقدرة الضبط التلقائي للصورة بـ12 نمطا مختلفا، وغيرها من الميزات التي قد لا نحتاج إليها ولا نفهمها بل لم نكن نظن أنها موجودة حتى حدثنا عنها البائع، ولكن عندما نسمعه يصفها يسيل لها لعابنا ونوقن أن هذا الموديل أفضل بكثير من الآخر (السكّة). ولكن في هذا الصدد ثق تماماً أن هذه آخر مرة ستجري فيها مقارنة على هذا الشكل بين تلفازك وتلفاز آخر، فإذا أخذت الجهاز الأغلى فإنك لن تتذكر كلما تشاهده الميزات الإضافية التي لديك بالمقارنة بغيرك، كما أنك لو أخذت الجهاز الأرخص فإنك لن تتحسر كل ما تنظر إليه على ما فات عليك من مواصفات. لذا فحاول قدر المستطاع أن تنظر لحاجاتك فحسب لا أن تقارن بين ما هو موجود، وكلما حددت حاجاتك قبل الذهاب للشراء والبحث بين البدائل المختلفة كلما كان ذلك أدعى لئلا تنغر بآخر المواصفات والتقليعات التسويقية التي تهدف لإقناعك بالتنازل عن مزيد من مالك.
ثانياً: لا تتسوق! أرجو من كل مرأة تقرأ هذا المقال أن تمهلني لحظة وتقرأ لآخر الفقرة قبل أن ترمي هذا المقال جانباً وتتحسر لحال زوجتي وتدعو لها بالصبر والاحتساب. فما أقصده هنا هو الفصل بين الجانب الترفيهي للتسوق والجانب العملي منه. فكثير من صرفنا ناتج عن استخدام التسوق كوسيلة للترفيه، بينما دواليبنا ممتلئة بملابس لم نلبسها قط، أو معدات لم نستخدمها بتاتاً. لذا من المفضل أن تفصل تسوقك إلى مرحلتين: المرحلة الأولى هي الترفيهية، ويمكنك فيها قضاء كل وقت تشاؤه في السوق والمرور على جميع المحال، ولكن دون أن تشتري شيئاً قط! فإن وجدت شيئاً يعجبك، تنتقل للمرحلة الثانية وهي مرحلة الشراء، وهذه المرحلة لا بد أن يفصلها عن مرحلة الترفيه مدة زمنية (لا تقل عن يوم ويفضل أن تزيد) وذلك لكي تترسخ الفكرة في ذهنك وتكون متيقناً بما تود شراءه وبحاجتك له. كما أن الأبحاث تشير إلى أن الترقب في حد ذاته يزيد من المنفعة والسعادة المتحققة من عملية الشراء والرضا عما اشتريت. ومن الجدير بالذكر أنه ينبغي في مرحلة الشراء قصر رحلتك على المحل والشيء الذي قررت شراءه وألا تدمجها مع رحلة تسوق أخرى. وذلك من باب التمييز بين رحلة الترفيه ورحلة الشراء.
ثالثاً: إذا كانت النصيحة السابقة المتعلقة بعدم التسوق تصعب عليك، فلعلك تعمل بقاعدة أخرى وهي أن الأصل هو عدم شراء شيء ولا بد من دليل مقنع للشراء. فكم مرة اشتريت شيئاً وأنت متردد في الأصل من شرائه؟ القاعدة في هذا الصدد هي أنه متى ما دخل التردد إلى قلبك أو ذهنك عليك أن ترجع لقاعدتك الأساسية وهي أن القاعدة هي عدم الشراء، وكونك متردداً يعني أن سبب الشراء غير مقنع تماماً لك.
رابعاً: عندما تفكر في تخفيض مصاريفك، ابدأ بالمصاريف الكبرى في حياتك فقد يفاجأ البعض بأن المبالغ التي يصرفونها خلال الشهر بصفة متكررة (كالفواتير الشهرية، والمشتريات اليومية والترفيه) عادة لا تتجاوز 30-40 في المائة من مجموع مصاريف المرء، بينما المصاريف الكبرى هي مصاريف غير اعتيادية أو غير متكررة (كإيجار المنزل، أو قيمة سيارة، أو مصاريف رحلة، أو سداد قرض، أو أقساط مدارس، أو قيمة أثاث أو ترميم...إلخ)، ولكن عند التفكير بتخفيض المصاريف فإن عديدا منا يركز على المصاريف اليومية دون أن يلتفت إلى المصاريف الكبرى بالقدر نفسه، فعادة ما يغني التوفير في مصرف كبير واحد عن البحث عن وفورات صغيرة في المصرف اليومي. ومن قبيل ذلك التأكد من أن سعر القرض ليس أعلى مما يمكنك الحصول عليه من مكان آخر.
خامساً (وهو الأهم): لا تدخر ما يتبقى بعد الإنفاق، بل أنفق ما يتبقى بعد الادخار. ويكون ذلك بإدخال برنامج اقتطاع تلقائي من المرتب الشهري بحيث يتم خصم قسط الادخار بالأولوية نفسها التي توليها لفاتورة الكهرباء. وقد تطرقت لهذه النصيحة في مقال سابق («مفتاح الادخار الناجح: ادفع لنفسك أولاً» الصادر في عدد 12/07/2009م) فمن شأن ذلك تقليل المبالغ المتوافرة للإنفاق الاستهلاكي في سبيل الأهداف الأكبر في حياتك، كما أن هذا الإجراء يعني أن ثمن الإمعان في الصرف في أحد الأشهر سيكون مقصوراً على الشهر ذاته، مما ينبهك لأن تغير عاداتك، دون أن يتعداه ليكون على حساب أهدافك طويلة المدى.
بيض الله وجهك . شيئ رائع