كانت الأسابيع القليلة الأخيرة في غاية الإثارة على الساحة السلعية في ضوء حدوث ارتفاعات في الأسعار في جميع القطاعات مدفوعة بجدار السيولة والقوة في أسواق الأسهم وضعف سعر صرف الدولار الأمريكي.
فالنطاق الذي استمر على مدى خمسة أشهر في النفط الخام انكسر أخيرا يوم الخميس الماضي سيرا على خطى تحرك مماثل في أسعار الذهب خلال الأسبوع الماضي. وقد تراكم الزخم طيلة الأسبوع الفائت بأكمله، حيث واصلت أسواق الأسهم القوية، المدفوعة بأرباح الشركات خلال الربع الثالث والتي جاءت أقوى من المتوقع، دفع سعر صرف الدولار الأمريكي إلى الانخفاض ومن ثم وفّرت الدعم للتحرك الصعودي في سوق الطاقة.
وقد جاء تجاوز الأسعار لنطاق التعاملات في الوقت الذي أظهرت فيه بيانات التخزين الصادرة عن وزارة الطاقة الأمريكية اتجاها صعوديا شاملا، حيث أعطى هذا الدعم الأساسي المتعاملين التأكيد الذي كانوا يبحثون عنه، كما أدت موجة من البيع لوقف الخسارة من جانب المتعاملين الذين نجحوا في التعامل ضمن هذا النطاق لمدة طويلة إلى بلوغ عقد نوفمبر للنفط الخام وسيط غرب تكساس مستوى 78.17 دولارا أمريكيا للبرميل يوم الجمعة، وهو ما يمثل ارتفاعا قياسيا جديدا لسنة 2009.
وكان التراجع الكبير في مخزونات البنزين، بانخفاض قدره 5.2 مليون برميل في مقابل ارتفاع متوقع مقداره 0.8 مليون برميل، الحافز الرئيس وراء ذلك. والمثير جدا للاهتمام أن بعض الأسباب وراء هذا الانخفاض مردّه إلى حدوث انخفاض كبير في نشاط المصافي نتيجة لضعف الطلب وضآلة هوامش الربح. بعبارة أخرى نقول إن البيانات التي تصدر خلال الأسابيع التالية سيتم ترقبها عن كثب.
ثمة شيء آخر بسيط مثار قلق وهو أن مخزونات نواتج التقطير تزيد حاليا بنسبة 40 في المائة عن مستواها العام الماضي، مما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها أن تتحمل شتاءً أمريكيا شديد البرودة يستمر حتى شهر يونية.
ولا شك أن الأسابيع القليلة المقبلة سوف تحدد الاتجاه خلال الفترة المتبقية من هذا العام، وسوف يجادل كثيرون - وهم على حق - بأن النطاق قد انكسر وبأن الاتجاه الصعودي الذي رأيناه في شهر مارس الماضي ربما يكون على وشك الاستئناف من جديد. ويتمثل المستوى التقني الكبير التالي في حركة تصحيحية (retracement) بنسبة 50 في المائة من البيع المكثف الذي شهدناه العام الماضي عند مستوى 90 دولارا أمريكيا للبرميل.
ما قد نحتاج إليه في البداية هو تأكيد لانكسار النطاق، لذا ننصح بأن تبحثوا عن فرصة شراء نحو 76.30 دولارا أمريكيا للبرميل مع التوقف تحت الذروة السابقة عند 75 دولارا أمريكيا للبرميل لعقد النفط الخام وسيط غرب تكساس تسليم شهر نوفمبر. وخلال الأسبوع القادم سوف يصبح عقد شهر ديسمبر شهر التسليم الفوري الجديد، ولكن المستويات سوف تظل سارية؛ لأنها تستند إلى عقد الشهر الفوري المستمر.
لقد فقد الذهب الزخم على المدى القصير بعد أن حقق رقما قياسيا جديدا عند مستوى 1072 دولارا أمريكيا للأوقية الأسبوع الماضي. ومثلما هو الحال مع النفط الخام، توجه الاهتمام حاليا إلى استدامة هذا الإفلات من النطاق، وهو الشيء الذي لا يمكن أن يتأكد فعلا إلا بتجربة القوة الأساسية عند حدوث أي انتكاسة.
هناك اعتقاد شائع بأن الذهب ينبغي أن يكون وعاء تحوط من التضخم. وفي رأيي أن هذا الكلام غير دقيق؛ فالذهب وعاء تحوط من عدم الاستقرار؛ فهو يميل إلى الارتفاع في أوقات التضخم غير المتوقع كما في أوقات الانكماش (أو انخفاض حدة التضخم) غير المتوقع. وهذا هو السبب في ارتفاع أسعار الذهب في سنة 1982 وفي الفترة ما بين عامي 1985 و1987. وهو أيضا السبب في أن الذهب يحقق أداء متميزا للغاية في البيئة الحالية التي تشهد فيها الولايات المتحدة الأمريكية أول انكماش فيها منذ سنة 1955.
ومن هذا المنطلق فإننا نرى أن تجاوز الأسعار لمستوى 1000 دولار أمريكي للأوقية قد فتح الباب أمام إمكانية حدوث ارتفاع مستدام في الأسعار، بحيث يكون ذلك في البداية في اتجاه 1100 دولار أمريكي للأوقية وعلى المدى الطويل في اتجاه 1300 دولار أمريكي للأوقية. وسوف يكون الطريق كثير المطبات ويتضمن انتكاسات كبيرة على امتداده. وبالنسبة إلى المدى القصير، يكابد المتفائلون بالسوق مع مركز طويل مضاربي ضخم، وهناك حاجة إلى فترة من التماسك (consolidation) من أجل استدامة هذا الارتفاع.
من الناحية التقنية، نحن نتوقع حدوث انتكاسة في الأسعار في اتجاه ذروة الأسعار في 2008 عند مستوى 1032.70 دولارا أمريكيا للأوقية، وسوف نشتري قرب هذا المستوى. وعلى المدى القصير، فإن أحد المحركات الرئيسية، وهو تحديدا الدولار الأمريكي الضعيف، وجد بعض الدعم قبل مستوى 1.5000 أمام اليورو، ويبدو أننا في حاجة إلى بعض التماسك قبل إطلاق محاولة أخرى لإضعاف الدولار بدرجة أكبر. أما مستويات الدعم الأخرى التي نبحث عنها فهي 1024 دولارا أمريكيا للأوقية والأهم من ذلك 985 دولارا أمريكيا للأوقية.
قد بدأ خلال الأسابيع القليلة الماضية التحرك الصعودي الذي طال انتظاره بالنسبة للحبوب الأمريكية وفول الصويا، مع عوامل عدة تساعد الأسعار على طول الطريق. فقبل كل شيء، أدى ضعف سعر صرف الدولار الأمريكي إلى زيادة التنافس بين المزارعين الأمريكيين على السوق الدولية، ولكن الشيء المهم الثاني هو أن الطقس بدأ يبرز إلى الواجهة حيث أدى الصقيع والمطر إلى إبعاد الحصّادات عن الحقول.
وغطت درجات الحرارة المنخفضة إلى درجة التجمد مناطق الغرب الأوسط خلال الأسبوع الماضي، وانخفضت درجة الحرارة دون المستويات التي يتوقع عندها أن نتوقع حدوث بعض الخسائر في المحاصيل. أما حجم الضرر الذي لحق بالمحصول الذي كان يتوقع أن يكون قياسيا فمازال الحدث عنه أمراً سابقاً لأوانه.
ونحن نرى أن الاتجاه النزولي قد توقف، وسوف نتطلع إلى فرص شراء في عقد الذرة تسليم شهر ديسمبر عند مستوى 350 دولارا أمريكيا للطن المتري، والذرة تسليم شهر ديسمبر عند مستوى 480 دولارا أمريكيا للطن المتري، وفول الصويا تسليم شهر ديسمبر عند مستوى 945 دولارا أمريكيا للطن المتري.
وأما السكر، الذي زادت أسعاره بأكثر من الضعف خلال العام الماضي، فقد شهد ارتفاعا خلال هذا الأسبوع، وسوف يكون ارتفاع الأسعار فوق 24.90 دولارا أمريكيا للعقد تسليم شهر مارس في بورصة (ICE NYBOT) إشارة على استئناف الاتجاه الصعودي مع بعض الحديث عن مستوى الـ40 دولارا أمريكيا كهدف ممكن.
ومن المتوقع أن يفوق الاستهلاكُ العالمي المعروضَ بمقدار يقارب 7 مليون طن متري في العام المقبل بعد أن ألحق الطقس السيئ أضرارا بالمحاصيل في كل من الهند والبرازيل.