سأتحدث اليوم عن هذه الأنشطة الثلاثة لأنها تمر بأوضاع متشابهة ، وهي وليدة متطلبات منظمة التجارة العالمية، بأن تفتح المملكة أسواقها :-
أولاً : شركات التأمين: بعد احتكار بدأ في عام 1986م للشركة الوطنية للتأمين التعاوني، فتح الباب على مصراعيه بحيث بلغ عدد شركات التأمين المرخصة اليوم (25) شركة، والمشكلة التي تكونت، هي أن الصيغة التي قدمت إلى مجلس الوزراء للموافقة على تلك الشركات ، قد اشترطت طرح نسبة 30% للجمهور، مباشرة بعد الموافقة الرسمية، وتم ذلك بكل سهولة لكل شركة، ولكن مرت، وتمر سنوات قبل أن تتمكن أغلب تلك الشركات من ممارسة نشاطها بانتظار موافقة مؤسسة النقد على برامج ومنتجات كل شركة !! ناهيك عن كون الأسهم المطروحة لكل شركة، محدودة العدد إلى الحد الذي جعل أسهم تلك الشركات أدوات للمضاربة، وبالرغم من اكتشاف تلك الأخطاء مبكراً ، إلا أن أحداً لم يرغب في تغيير المسار، وما زالت شركات تأمين جديدة تؤسس، وتطرح.
ثانياً: فروع البنوك الأجنبية: بالنسبة للبنوك الأجنبية فالسوق السعودية تبدو من أكثر الأسواق جاذبية في العالم، بسبب محدودية عدد البنوك بها، ولكن بسبب عدم وجود نظام قضائي يحمي القطاع المصرفي، فقد أحجمت تلك البنوك عن الإقراض، كما لم يسمح لتلك البنوك الأجنبية المؤسسة في المملكة، العمل في مجال التجزئة (Retail)، وهو ما يتيح فرصة الحصول على الودائع غير المكلفة. النتيجة هي أن فروع البنوك الأجنبية اليوم، تنزف مصاريف، لأنها لا ترغب الإقراض ، والودائع بالنسبة لها مكلفة ، ونشاط الاستشارات المالية ، والتي كانت تأمل في تحقيق إيرادات لها من خلاله، قد اختفى مع الأزمة المالية.
ثالثاً: شركات الاستثمار والوساطة المالية: توسعت هيئة السوق المالية في الترخيص لهذا النوع من الشركات، وجاوز عددها مئة شركة. وسمح للبنوك السعودية بتكوين شركات مماثلة.
ولفترة كان ذلك النشاط ، ومثله نشاط التأمين، وفروع البنوك الأجنبية، سوقاً رائجة لخطف الشباب السعودي المدرب جيداً في مجال المال، والأعمال، والمصرفية... إلخ وذلك من خلال إغراءات مالية عالية.
ولكن بسبب انهيار سوق الأسهم السعودية أولاً، ولأن شركات الوساطة اكتشفت سريعاً أنها في وضع تنافسي غير عادل، مع شركات الوساطة والاستثمار المملوكة للبنوك السعودية ، لأنه تبين أن الفصل الذي يفترض أن يكون قائماً بين كل بنك ، وشركته الاستثمارية، هو في الواقع فصل شكلي، ولذلك يكتشف العميل أن فرص نجاحه أفضل، إذا ارتبط بإحدى شركات الاستثمار، والوساطة، المملوكة لأحد البنوك، لأن عمق الخدمات التي يمكن تقديمها هي أفضل من الارتباط بشركة وساطة يتيمة، لا أب لها، ولا أم!!
كلنا سعدنا بعملية الانفتاح، والمنافسة التي مثلتها هذه الأنشطة الثلاثة، ولكن تبين أن فرص فشلها، كانت مزروعة داخل كل منها ، ولست متهماً أحداً بسوء النية، ولكن الواقع هو ما نراه، ولذلك فإنني أتوقع أن يخضع قطاع التأمين إلى اندماجات، وأن تقلص البنوك الأجنبية فروعها إلى مكاتب تمثيل، حتى تتغير البيئة المصرفية المحلية، أما شركات الاستثمار، والاستشارات، والوساطة المالية، فسيغلق الجزء الأكبر منها، تحت وطأة الخسائر المالية، وسيبقى عدد لا يتجاوز أصابع اليد، لعله يتمكن من منافسة شركات الاستثمار المملوكة للبنوك.
اشتراط طرح 30% للاكتتاب العام لشركات التامين كان خطأ كبيرا خاصة لشركات ورقية لاتمارس اى نشاط وليس لها تاريخ ولاتتوافر لها عوامل النجاح فضلا عن صغر راس المال .. كان الاولى ان يتم اشتراط ان تكون مساهمة مقفلة كشكل قانونى ... اما طرح نسبة للاكتتاب العام فلابد من توافر شروط اخرى غير كونها شركة تامين .. وبهذا راينا ضعف قطاع التامين بسوق الاوراق المالية وسيطرة المضاربة عليه ويجر السوق للهبوط والارتفاع العشوائى دون وجود اسباب حقيقية مما اثر على السوق ككل وجعل السوق ذات مخاطرة عالية وضاعت اموال الكثيرين من صغار المتعاملين لقلة خبرتهم ... د . جمال شحات
بالنسبة لشركات الاستثمار فقد وجدت ضالتها في العمل المؤسسي والتنموي الذي نافست من خلاله البنوك بل تفوقت عليها من خلال صناديق الطروحات الأولية ، والصناديق العقارية المقفلة متوسطة الآجل متوسطة الحجم وبالتالي سجلت تفوق نوعي واجتذبت وخلال فترة قصيرة مليارات الريالات وهي مقبلة على صناديق أقراض وتمويل واستشارات أقتصادية حرة ستتفوق بلا شك على البنوك نظراً لصعوبة التحرك وتحريك رؤوس الأموال الكبيرة ولعدم رغبة البنوك في المخاطرة..