بعد تحرير قطاع الاتصالات اللاسلكية أمام المستثمرين الأجانب بالمشاركة مع القطاع الخاص، وبدء شركة موبايلي نشاطاتها التشغيلية قبل نحو أربعة أعوام، وبدء شركة زين السعودية نشاطاتها التشغيلية في العام الماضي، إلا أنه إلى الآن لم يتم تقديم الكثير من الخدمات الأساسية فيما بين عملاء الشركات الثلاث المشغلة لخدمة الاتصالات اللاسلكية، التي تمثل من وجهة نظري أبسط حقوق العملاء أسوة بما معمول به في الدول الأخرى.
فعلى سبيل المثال، على الرغم من وجود اتفاقيات ملزمة فيما بين الشركات الثلاث إلا أنه إلى الآن لا يحق إرسال رسالة وسائط من رقم صادر من شركة إلى رقم آخر صادر من شركة منافسة!!! بل ولا يحق للعملاء نقل الخط من شركة إلى شركة منافسة حتى لو، علما أن عدد الطلبات المعلقة لدى إحدى الشركات الجديدة بلغ نحو 150 ألف طلب معلق، وإن سمح ذلك للعميل نقل الخط فيجب عليه إجراء مخالصة نهائية مع الشركة الأولى ثم تقديم طلب للشركة الثانية، مما يعني ضرورة أن يتقبل العميل فكرة انقطاع الخط لفترة زمنية طويلة (قد تصل إلى شهور) وهو إجراء لا يختلف كثيراً عما كان يحدث في أوروبا في عصور ما قبل التاريخ!!!
الغريب في الموضوع أنه في الوقت الذي نرى فيه وجود معايير للإفصاح عن القوائم المالية والتزام شركتين بهذه المعايير، إلا أننا نجد إحدى الشركات لا تلتزم حتى الآن بهذه المعايير ولا تعيرها أي اهتمام فمثلاُ، بدلا من إظهار تكلفة الإيرادات (كما هو الحال في الشركات الأخرى) نجدها تخلط هذه التكلفة ضمن بنود المصروفات المختلفة، ما جعل معرفة هوامش الربح الإجمالية مهمة مستحيلة، بل وقامت اعتبارا من 2009م بدمج إيراداتها من الخدمات اللاسلكية مع إيراداتها من الخدمات السلكية في رقم واحد، وبالتالي أصبحت معرفة حصتها السوقية من كل نشاط (كما كان معمولا به سابقاً) مهمة مستحيلة أيضاً!!!
لا أملك حقيقة تفسيراً لكل ذلك، لكن من حقنا أن نتساءل: ما دور هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في كل ذلك؟ ولماذا لم تتطور الخدمات البينية لهذه الشركات؟ وماذا استفاد المواطن من هذه المنافسة غير الصحية؟ والأهم لماذا نحرر هذا القطاع الحيوي إذا كنا في الأساس غير مؤهلين لذلك؟ ثم من سيصدقنا مستقبلاً إذا قررنا تحرير قطاعات اقتصادية أخرى؟
مهما كانت المبررات، يجب أن نضع في اعتبارنا الخدمات الفنية التي وافقت عليها هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات عند منحها للرخص وأيضاً يجب أن نضع في اعتبارنا قيمة الرخص التي دفعتها الشركات الجديدة «مقدماً» عند الترسية، وخصوصا قيمة الرخصة الثانية التي دفعت فيها شركة زين السعودية نحو 22,9 مليار ريال والتي دخلت في حينها خزانة الدولة في صفقة هي الأكبر من نوعها في تاريخ الخصخصة في المملكة.
ولذلك نقول: إما أن تسمح هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بتقديم الخدمات الفنية كاملة وإلا فعليها أن تعيد قيمة الرخصة كاملة لمن دفعها (إن استطاعت)، لكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه فبالتأكيد أن هناك مشكلة كبيرة!!!
أتمنى ان نصل في هيئاتنا الحكومية "الرقابية " برقي التفكير بحيث نرى ونتصرف ونضع حدا لمثل هذه الفجوات القاتلة ؛ والظلم للشركات الطموحة ...