بدأ صدور الكتب التي تحاول تحليل، ورصد ما تسبب في الأزمة المالية التي تعصف بالعالم، منذ النصف الثاني من عام 2008، وبشكل عام أوصي بالحذر من الموجة الأولى من تلك الكتب، لأنها، ولغرض تحقيق السبق الصحفي، فقد لا تقوم بالجهد المهني الكافي، لتحليل قضية معقدة كهذه، وهي التي لا تحدث إلا مرة واحدة كل قرن من الزمن.
ولكن هناك كتباً محددة تتطرق إلى قضايا محددة، ومنها كتاب قرأته مؤخراً، وهو يلخص ماذا حدث لبنك ليمان برذرز الاستثماري، والذي أدى تخلي إدارة بوش عن محاولة إنقاذه، إلى إفلاسه، وهو كان بمثابة إعلان بداية الأزمة العالمية.
الكتاب يؤكد دور قروض الرهن العقاري في خلق الأزمة، ولكنه يوضح أيضاً دور العامل البشري، في تجاهل حقائق أساسية، حول كل المؤشرات المتعلقة بالفقاعة المتكونة، والقابلة للانفجار في أي لحظة، ولكنه الطمع البشري، بسبب الحوافز المالية الكبيرة، التي جعلت كل مسؤول يتمادى في منح القروض، طالما أنها تترجم مباشرة، بصفة حوافز مالية له.
ولم يساعد البنك أنه كان يرأسه شخصية، السيد (Dick Fuld)، والذي كان مشهوراً بعناده، وغروره، وهو ما ساهم في سقوط البنك، عندما دخل في صراع مع وزير الخزانة الأمريكي، وهو ما جعل وزير الخزانة يتصلب معه في موقف شخصي، أضر بالبنك. ولكن يمكنني أن ألخص أن أهم معلومتين وفرهما الكتاب هما:
1- أننا جميعاً قد أُقنعنا أن سبب الأزمة هو تساهل كل من إدارة الرئيس ريجان، ورئيسة الوزراء البريطانية تاتشر، مع القطاع الخاص، من خلال دعوتهما بأن يترك القطاع الخاص، لينظم نفسه بنفسه، وبأن بوش الابن هو من أكمل عملية رفع الرقابة عن القطاع الخاص، خصوصا القطاع المصرفي، ولكن الواقع أن لإدارة الرئيس كلينتون دورا أساسيا، من خلال إجراءين قامت بهما:
أولا: إلغاء القانون الذي فصل بين العمليات المصرفية، والاستثمار (Glass & Steagal)، وقد وضع ذلك القانون بعد الانهيار الكبير في عام 1929، وخدم الاقتصاد الأمريكي لمدة ستين سنة، وجاء إلغاء القانون بسبب ضغوط البنوك، وهو ما سمح لها بالدخول في عمليات الاستثمار بشكل مباشر، وهو ما ساهم في الكارثة التي حدثت.
ثانياً: حرصاً من إدارة كلينتون على إتاحة فرصة الاقتراض لاقتناء مسكن، خصوصاً من قبل الشرائح التي لا تمتلك الحد الأدنى، وهم الجاليات السوداء و"الهسبانيين"، فقد ضغطت إدارة كلينتون على القطاع المصرفي، للتساهل في شروط الإقراض، لغرض الإسكان.
2 – تؤكد حالة إفلاس بنك ليمان، وقبلها حالة إفلاس شركة إنرون، أن المجتمع الأمريكي، الذي يفتخر بأنه يرضع أطفاله الديموقراطية، مع حليب أمهاتهم، إلا أنه يسمح بدكتاتورية رؤساء مجالس إدارات شركاتهـم، إلى الحد الذي يقودونها إلى الإفلاس، تحت عين، ونظر السلطات الرقابية!
حكم التاريخ حول الأطراف التي خلقت الأزمة المالية العالمية، بما فيها نظرية المؤامرة، وغيرها من النظريات، لم يصدر بعد، ولكن المؤكد هو أننا قد عشنا، ورأينا عجباً!!