قلق أوبك من ضعف الدولار متأخر

13/09/2009 0
محمد العنقري

صرح عبدالله البدري أمين عام منظمة أوبك أن دول المنظمة قلقة بشأن ضعف الدولار في دليل واضح على أن المرحلة القادمة ستكون صعبة على الاقتصاد العالمي بشأن عملة الاحتياط. إن قلق أوبك يأتي من جانبين؛ تسعير النفط وكذلك الاحتياطيات لدول المنظمة كلها مقومة بالدولار. وناشد البدري الرئيس الأمريكي لحل مشكلة ضعف العملة الأمريكية .

حقيقة إن أهم ما تقرؤه بهذا التصريح أن هناك مشكلة كبيرة تقلق دول أوبك وقد تكبلها عن التفكير بمزيد من الإنفاق سواء على الاستثمار بمجال زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط أو حتى تطوير دولها بمزيد من الإنفاق المحلي الاستثماري ويبدو أن هذه التصريحات لن تلقى آذانا صاغية؛ فأمريكا اليوم تحتاج إلى دولار ضعيف لمزيد المنافسة العالمية بالتصدير وتنشيط اقتصادها وبالتالي لن تحرص كثيراً على مساندة أحد بالوقت الراهن بل هي تحتاج إلى مزيد من الاستثمار لديها وهو أولى أولوياتها.

ويتضح ذلك من خلال وصول معدل الفائدة إلى قرابة الصفر على الدولار حتى لا تربط الأموال بودائع وتتجه لسوق الإقراض والاستثمار المباشر بالأصول الحقيقية والورقية حتى تتغلب على ارتفاع معدلات البطالة لديها وبالتالي تستطيع تحفيز اقتصادها من جهة ووقاية منشآتها من الإفلاس وزيادة الفرص الوظيفية لإحياء آمال عودة النمو الاقتصادي من جديد بوتيرة أفضل لأنها تعتمد على الإنفاق المحلي بنسبة 70 بالمائة وهي غير قلقلة كثيراً حيال التضخم لأنه ليس ذو أولوية بالنسبة لها حالياً ولا تمانع به ما دام مترافقاً مع نمو اقتصادي وخروج من حالة الكساد حالياً. وبهذه الحالة تظهر دول أوبك الآن مرتبكة حيال وضع الدولار خصوصاً إذا علمنا أن الحديث عن انتعاش اقتصادي يعني مزيداً من ضعف الدولار فالآن الجميع سيتجه إلى شراء الأصول بعد أن كدسوا الدولارات بوقت سابق مما أسهم بتحسن سعره عندما كان الفيدرالي الأمريكي يضخ الدولارات بالأسواق وإذا ما تم تحويل هذه الاحتياطات النقدية إلى أصول فإن ذلك سيزيد من المعروض النقدي للدولار وبالتالي سيؤدي إلى انخفاضه بشكل حاد خصوصاً أن العائد ضعيف جداً فلا فائدة من الاحتفاظ به ويلاحظ أن الذهب قد تحرك بشكل سريع من باب تنويع الاحتياطات لدى بعض الدول خصوصاً الصين والهند وغيرها بخلاف الأصول والاستثمارات التي يتم ضخ احتياطات الدولارات فيها.

إن قلق أوبك الآن أن تتآكل احتياطياتها جراء انخفاض قيمة الدولار مما يعني عدم القدرة على الاستثمار مستقبلاً بزيادة الإنتاج جراء ارتفاع تكاليفه تبعاً لقيمة الدولار فما يكلف الآن دولاراً سيزيد إلى دولارين مستقبلاً خصوصاً أن الإنفاق العالمي الكبير سيرفع من معدلات التضخم بشكل كبير كما هو متوقع أما على الجانب الآخر فإن احتياطي دول أوبك بالدولار سيقلل من قيمة الموجودات وسيرفع تكاليف تقديم استيراداتها من جهة لأن أغلبها دول مستهلكة بامتياز وتعتمد على استيراد السلع من منطقة اليورو وآسيا بخلاف أن العديد من دول أوبك تربط عملتها بالدولار وهذا سيخفض من القوى الشرائية لعملاتها بخلاف عدم قدرة بنوكها المركزية على التحرك بسياستها النقدية كما تتطلب الأحوال الاقتصادية.

حقيقة يبدو أن دول أوبك في موقف لا تحسد عليه؛ فالنفط لا يسعر إلا بالدولار وهو عملة الاحتياط الأولى عالمياً بخلاف بناء أغلب قراراتها النقدية على الدولار فيبدو أن الخلل الذي غفلت عنه دول المنظمة منذ عقود أن تحاول إيجاد آلية لتسعير النفط وتعدد العملات التي يتم سداد قيمته بها يتم دفع ثمنه الآن أكثر من أي وقت مضى لأن الأزمة العالمية الحالية كشفت عن واقع قادم سيتغير معه حجم القوى الاقتصادية العالمية وأيضاً اللاعبين الرئيسين فيه وخصوصاً عملة الاحتياط لأنها أصبحت تشكل ضغطاً على الاقتصاد العالمي بل تعتبر من أسباب وقوعه بالأزمة فما ضرب أمريكا أصاب العالم بسبب ارتباطه بعملتها الخضراء التي تعيش خريف عمرها الآن.

وإذا كانت الكثير من الدراسات تقول إن التخلي عن الدولار كعملة احتياط قد يأخذ عشر سنوات مع المطالبات العديدة به الآن من الصين وروسيا وغيرها فما هي خطط دول أوبك ليس لاحتياطاتها واستثمارتها وحجم الثروة التي ستتآكل إذا بقيت كأموال سائلة أو أصول مقيمة بالدولار بل ما هو مصير سلعتها التي تعتبر عصب الحياة هل ستبقيها رهينة لعملات جديدة أم ستفرض هي أسلوب البيع والشراء لها بما يصب بمصلحتها فالنفط اليوم يساوي 70 دولاراً ولكن هل دولار اليوم هو دولار الأمس فبمقارنة بسيطة مع العام 1980 نجد أن سعر البرميل يجب أن يكون عند قرابة 200 دولار حتى يساويه من حيث القوة الشرائية لأن الدولار كان يساوي ثلاثة أضعاف قيمته الحالية فنستنتج أن أوبك تبيع نفطاً رخيصاً جداً وبالتالي لا بد من تحرك حقيقي لوضع قيم عادلة له فهو سلعة ناضبة ويحتاج إلى استثمارات بمئات المليارات حتى يستخرج بعكس الذهب الذي لا يحقق عائداً ولا يحتاج إلى مبالغ كبيرة ولا يحقق أي فائدة للاقتصاد العالمي قياساً بالنفط فمتى سنرى أوبك تبحث في مؤتمراتها مواضيع أهم من الإنتاج كالتسعير العادل وحرية السداد بأي عملة.