فى عام 1995 شاعت مقوله تحمل من الاستهزاء والسخريه المعانى الكثيره للدولار الكندى الذى انخفضت قيمته ، حيث اُطلق عليه لفظ "البيزو الشمالى"،ومن المعلوم ان عمله "البيزو" المكسيكيه كانت قد تدهورت قيمتها... فى وقت سابق فى اوائل التسعينيات من القرن الماضى بسبب هروب رؤوس اموال ضخمه الى خارج البلاد عندما اعلنت الحكومه المكسيكيه انها تنوى تخفيض قيمه عملتها. وكانت الحكومه الكنديه بصدد اجراء تعديلات فى الميزانيه من اجل تخفيض النفقات لمواجهه هروب الاموال الى خارج البلاد،الا ان هذا الاجراء قُوبل بهجوم قاسٍ من المعارضه انذاك والتى اتهمت الحكومه بفشل سياستها الماليه.
والذى حرك المعارضه لهذه الاتهامات لم تكن النزعه الوطنيه ولا المراجعه الدقيقه لقرارات الحكومه ،بل كانت تصريحات "موديز" التى ألمحت من بعيد بأن التخفيض الحكومى ليس بالقدر المطلوب وانها بصدد اعاده النظر فى التصنيف الائتمانى لسندات الحكومه الكنديه من( (Aaa الى Aa) ) فقط !!! ولان المعارضه عرفت تماما من اين يُؤكل الكتف فلقد استخدمت تهديد موديز وتلويحها بعصا العقاب خير استخدام واستطاعت فعلا ان تكسب الانتخابات دون تعب او اجهاد. والامر لا يخرج عن السياسه رغم انها ليست لعبه موديز المُعلنه،لانه ببساطه اذا قللت الحكومه الكنديه موازنتها عن الحد الذى حددته ،فان ذلك يعنى بالتبعيه تقليص حصه اقليم "كيوبك" الناطق بالفرنسيه وبالتالى فان خطر الانفصال وعدم الاستقرار سيخيم على كندا بأسرها، فما الذى سيحدث لو ظلت موديز صامته؟؟ كانت تلك الواقعه تكرارا لسيناريو حدث مع الحكومه الاستراليه فى منتصف ستينات القرن الماضى ايضا،ابان الانتخابات البرلمانيه الاستراليه ،والتى ذكرها ايضا بيتر مارتن وهارالد شومان فى كتابيهما "فخ العولمه" والتى صرحت حينها "موديز" انها بصدد مراجعه التصنيف المالى لاستراليا ، وكان هذا التصريح بمثابه القشه التى قصمت ظهر البعير لتخسر الحكومه الاستراليه صراعها الانتخابى امام المعارضه. ولان "موديز" لاتنسى ولا تغفر سريعا اخطاء الحكومات وكأنها تظن ان لوائحها ونظمها الشرائعيه هى وحى تستقيه من السماء ،فان الارجنتين كذلك لاتنسى ما فعلته بها عندما ارتفعت معدلات التضخم الى ارقام كبيره ،الامر الذى حذا بموديز الى منح السندات الارجنتينيه التصنيف المتدنى (B) وهو بالتبعيه يعنى ان قيمه الفوائد المستحقه على اوراق الدين الحكومى الارجنتينى ستكون باهظه الثمن، وهو ما قد كان فعلا. وفى مصر العام الماضى 2008قامت موديز بتخفيض توقعاتها بشأن العائد من سندات النقد الاجنبى لمصر من مستقر الى سالب بسبب ارتفاع مستوى التضخم الامر الذى اثر على خطط الحكومه المصريه ،والتى كانت قد نوت بيع سندات بقيمه 2 مليار يورو ، حيث اشارت المؤسسه الى ان التضخم هو تحدى الحكومه المصريه الاكبر والاول،وان مصر تعانى من عجز واضح بالميزانيه ومن تزايد عبء الدين المحلى، قد يكون الامر عند هذا الحد منطقيا، الا ان ما ارفقته موديز فى التقرير من تلميحات تاليه لايعد بريئا ولا مسالما كعادتها دائما ،حين قالت:ان الانفاق الحكومى بثلثيه تقريبا يذهب الى "الدعم" والباقى لدفع رواتب الموظفين،ولم تكتف بذلك بل اجهزت موديز على السندات الحكوميه المحليه وخفضت تصنيفها ايضا . ان المؤسسات الدوليه مثل موديز وصندوق النقد الدولى منذ فتره طويله ظلت تمارس ضغوطها فى ثوب الناصح الامين -كما يدعون دائما انه لا املاءات -حتى سحبت الحكومه المصريه يدها من الدعم الفعلى رويدا رويدا ، وصار المواطن يئن تحت كل خطوط الفقر الحمراء،ومابقى من هذا "الدعم" الا بعض السلع التموينيه و رغيف الخبز ،والذى فى احايين كثيره لا يرقى ان يكون غذاءا آدميا بسبب رداءه القمح المستخدم فيه. ولا تحتاج مويز او غيرها ان تصرح فيكفى التلميحات والاشارات،وقبلهما التجارب المريره السابقه للحكومات حول العالم حتى تأخذ اى حكومه ما تقوله فى الحسبان و بجديه تامه.
ان موديز لا تحب الدعم ولا تحب العداله الاجتماعيه،وليس لها هم سوى التطبيق الصارم -كما يدعون للنظم التى وضعت له والتى تخدم المستثمر اولا واخيرا-ولقد اعلنت هذا صراحه هذه المره وبوجه قبيح وصريح فى عام 1996 للحكومه السويديه، ان برامجها الاصلاحيه ليست كافيه وان على الحكومه ان"تضع مزيدا من تقليص برامج الرعايه الاجتماعيه فى حسبانها"، وقد كانت الحكومه السويديه قد اعلنت عن رغبتها فى زياده ما يحصل عليه المرضى والعاطلين عن العمل من تعويضات ماليه تصل الى 80% من اصل مرتباتهم السابقه، فلوحت موديز بعصاتها الغليظه فى التصريح المذكور ،والذى كان أثره مباشرا وسريعا فى انخفاض اسعار السندات والاسهم السويديه وصار سعر صرف الكرونه متذبذبا بشكل سىء ،مهددا استقرار بلد بأكمله يريد ان يضفى مزيدا من العدل الاجتماعى لمواطنيه. ولن تكون قصه مجموعه سعد بمنأى عن تداعيات الاحداث ،وربما يكون ارتباط الجموعه بثروات فى جزر الكايمن فى البحر الكاريبى هى احد الدوافع غير المعلنه وليس كلها كى تطاردها موديز ، وتخفَض بشكل مستمر تقييمها الائتمانى للمجموعه من Baa1 الى B1 فى اوائل يونيو 2009 ،وهو تصنيف غير استثمارى ويعنى ببساطه ان المجموعه ستتعثر بالايفاء بشروط قروض مستحقه على شركات تابعه لها،وخصوصا شركة السعد للإستثمارات؛ التي تبلغ التسهيلات الائتمانية عليها حوالي 2.75 مليار دولار و2.8 مليار دولار على التوالي علما بأنه تم سحب هذه التسهيلات بالكامل تقريبا بحسب ما ذكرت كثير من الصحف والمواقع الاخباريه. ولم تكتف موديز بذلك بل مازالت تلوح بعصى العقاب الاشد عن طريق مزيد من خفض التصنيف الائتمانى للمجموعه اذا ما اقتضى الامر ،رغم كل الحراك السياسى داخل الدول الخليجيه لاحتواء الموقف المـتأزم ولتضع المجموعه فى موقف اضعف مما هى عليه اصلا امام البنوك الدائنه وقبلها الحكومات لتزيد الامر تعقيدا ولتثبت لنا الشكوك الكثيره فى اهدافها الخارجه عن اُطر التصنيف الائتمانى الذى تعمل من اجله كما يقول تاريخها القريب والبعيد.
ورغم ان رجالات موديز انفسهم يؤكدون على ان المؤسسه لا تُقيم الامم على اطلاق الكلمه ولا تعطى نصائحا ، ولا تضغط على احدٍ فى اتجاه محدد، وانهم ملتزمون بمعايير اخلاقيه تحول بينهم وبين الافصاح عن القيم الحقيقيه للبلدان، الا ان هذا الكلام يُعد نوعا من البراءه الزائفه التى تغطى الوجه القمىء لمعظم المؤسسات الدوليه المشابهه والتى تخدم مصالحا رأسماليه فى المقام الاول، ودليل ذلك الامثله المذكوره آنفا.
ان لدى موديز المقدره ان تفعل ما تريد وقتما تريد ورغم التأكيد المستمر بحياديه مايربو على 300 محلل وموظف داخل اروقتها ، والتى تلزمهم شهريا بتقديم ما يفيد عن حساباتهم وممتلكاتهم حتى لايستخدموا ما بحوزتهم من تقارير واحصائيات ضد دولا او حكومات كهدف للتربح -غير المشروع-،الا ان الامر اكبر من محلليها وما يمتلكوه فى حساباتهم الخاصه، لان الامر يتعلق بما يمتلكه الاسم الذى يعملون تحت لوائه، انه يتعلق بموذيز ذاتها واخواتها من امثال ستاندر اند بورز وميرلنش وان كان التوجه واحد دائما. ان موديز هى افراز طبيعى للسوق المفتوحه وللرأسماليه ،وفلسفتها واضحه وصريحه ،حيث كُتب على اعلى بوابتها الاماميه ما يفيد بان:
"القرض الاستثمارى هو ابتكار جديد لا تستحقه الا الامم الذكيه ، وبأقل التكاليف ،ويمثل هذا القرض العصب الرئيسى لنظام التجاره الحره المفتوحه،حيث ان مشاركته فى تعظيم ثروات الامم قد فاقت امتلاك مناجم الذهب بألف مره" بالطبع يتضح لنا دون عناء المرجو من المؤسسه ودورها واهميتها ، فالقروض لاتستحقها الا الامم الذكيه لا الغبيه، التى فتحت ابوابها مسرعه لقاطره العولمه التى تقودها الرأسماليه الجشعه، والتى اعطتها نظريه ميلتون فريدمان الحريه بسخاء كى تنتقل من مكان الى اخر دون عناء ، فلها ان تتحرك -رؤؤس الاموال -من البلدان التى مازالت تضع القيود والعراقيل البيروقراطيه امام الطامحين والشجعان ممن يريدون تعظيم ثرواتهم على حساب المطحونين والمقهورين، دافعه الحكومات وضاغطه عليها فى الاجهاز على بقايا العداله الاجتماعيه وروح التكافل. عن طريق افساح المجال للسوق فى كل قول كلمته،فى كل شىء دون استثناء،ورغم ان الدول الرأسماليه الكبرى تتخلى الان عن رأسماليتها دون اعلان رسمى ، الا ان الآت موديز واخواتها لا تزال جاهزه لانزال اشد العقاب بمن تسول له نفسه ان يعارض الرأسماليه ودعاتها فى اى مكان او زمان. بقى سؤال أراه منطقيا ،اتركه لموديز وربما اعفيها من الاجابه عليه لانه خاص بالدوله التى نشأت بها وهى الولايات المتحده الامريكيه، فموديزولت فى قلب نيويورك وتحديدا فى شارع Church Street فى البنايه رقم 99 ،ونحن فى الذكرى الاولى والتى لا ادرى التوصيف الدقيق لها،أتكون ذكرى مأسويه ام هزليًه كانت!!! والتى بدأت بسقوط اقدم بنوك امريكا وهو ليمان براذرز ،وتبعته مؤسسات ماليه ضخمه امثال فنميه وفريدى ماك وايه اى جى وغيرها ، وبقيه مازالت تتداعى حتى يومنا هذا -كما يقولون-... والسؤال الذى اتركه لموديز بعد هذه الهزات العنيفه: هل ظل تقييمها للولايات المتحده الامريكيه كما هو؟؟هل ظل نفس التقييم للسندات الامريكيه بنفس الجداره الائتمانى بعد كل ما حدث؟؟؟ هل بقى تقييم المملكه المتحده ايضا كما هو؟؟ لا ننتظر الاجابه على السؤال الساذج من موديز التى لا تحابى ولا تجامل احدا بالتأكيد.
مشكور كاتبنا على ماقدمته لنا . لكن الا تلاحظون ان موديز لاتتدخل الا بعد وقوع الكوارث وبعدما تمتص الثروات تبدأ موديز بالتقييمات والظغط على صانع القرار حتى يكون القرار رأسمالي بحت لماذا موديز لم تقدم النصيحه لامريكا والعالم قبل هذه الازمه الكارثيه؟