انطلق أول صندوق مؤشرات متداول في سوق الأسهم السعودية قبل عامين ونصف، وأطلق الصندوق الثاني في نهاية 2011، ومع الأسف لم يحقق أي من هذين الصندوقين النجاح المأمول منهما. وتعريف الفشل هنا يقاس بضعف الإقبال على هذه الصناديق، حيث نجد أن التداول اليومي لهذين الصندوقين يكون شبه معدوم في بعض الأيام ونادراً ما تتجاوز القيمة المتداولة اليومية نصف مليون ريال. ومن أجل المقارنة، نجد أن صناديق المؤشرات في البورصات الدولية تعد ناجحة بكل المقاييس، حيث يوجد هناك أكثر من ألف صندوق مؤشرات متداولة في الولايات المتحدة وحدها، ونجد على سبيل المثال أن صندوق مؤشر إس آند بي 500 يتجاوز تداوله اليومي 70 مليار ريال سعودي، متجاوزاً التداول اليومي لأسهم كبريات الشركات مثل مايكروسوفت وجنرال إلكتريك وإكسون وغيرها. فما سبب فشل كل من صندوق فالكوم وصندوق إتش إس بي سي أمانة، وما سبب عزوف المستثمرين والمضاربين عنها؟
كتعريف سريع لهذا النوع من الصناديق فهو عبارة عن صندوق استثماري يحتوي على مجموعة من الأسهم بنسب مختلفة، بحيث يتماشى أداء الصندوق مع أداء المؤشر الذي يحاكيه. فعلى سبيل المثال نجد أن صندوق فالكوم المتداول يحاكي أداء مؤشر خاص يسمى فالكوم 30، يحتوي على أسهم 30 شركة من الشركات المدرجة في السوق السعودية، بنسب متفاوتة لأسهم كل شركة، الذي بدوره يحاكي حركة المؤشر العام للأسهم. فعندما يقوم الشخص بشراء سهم واحد من أسهم صندوق فالكوم مباشرة من خلال نظام تداول، فهو في الواقع يمتلك جزءا من أسهم 30 شركة مختلفة. وهذا يختلف عن صناديق الاستثمار التقليدية، التي يتم تداولها خارج سوق الأسهم بتكلفة أعلى ومن خلال آلية تداول بطيئة. وعلى الرغم من أن فكرة إيجاد أسهم لصناديق استثمارية قابلة للتداول مثلها مثل الأسهم العادية لها جاذبية عالية، كونها تسمح بتداول مجموعة كبيرة من الأسهم في سهم واحد، وبذلك تقل المخاطرة على المتداول، إلا أن المتداولين لم ينجذبوا إليها، وذلك لأسباب عدة أوجزها فيما يلي:
1. من الواضح أن هذه الصناديق أدرجت في السوق بشروط وضوابط تخدم القائمين على الصندوق على حساب المتداولين، لذلك كان رد المتداولين واضحاً جداً، وهو ما ينطبق عليه المثل الشعبي "انحش عن الداب وشجرته".
2. هناك تضارب صارخ في تركيبة الصندوق ليس له مثيل في صناديق المؤشرات العالمية، وهي أن مدير الصندوق وإداري الصندوق وصانع السوق (الوحيد) وأمين الحفظ والقائم على المؤشر الذي يحاكيه الصندوق، هم موظفون في جهة واحدة، وربما هناك شخص واحد يقوم بأكثر من دور فيها، ما يفقد الصندوق المصداقية اللازمة لدى المتداول.
3. تتبع صناديق المؤشرات الدولية مؤشرات معروفة لعامة الناس مثل مؤشر داو جونز ومؤشر إس آند بي ومؤشر ناسداك، ومؤشر نيكاي 225 في اليابان، وغيرها من المؤشرات التي تمثل قطاعات معينة وتدار من قبل جهات مختصة، وليست تدار من قبل الجهة المنشئة للصندوق كما في صناديق المؤشرات السعودية، حيث كل شيء يقدم من الجهة نفسها.
4. في الصناديق السعودية لا يوجد إلا صانع سوق وحيد (أخيرا منحت فالكوم جهة أخرى حق العمل كصانع سوق لها)، وهذا لا يكفي لرفع مستوى الكفاءة والتنافسية والشفافية فيما يتم تداوله من أسهم. وزيادة على ذلك، فقد سمحت هيئة السوق المالية لصانع السوق بأن يجعل الفرق بين العرض والطلب يصل إلى 2 في المائة، أي أن بإمكانه إدخال طلب على الصندوق بسعر 20.00 ريال وعرضه بسعر 20.40 ريال، بينما كان المفروض أن يخضع فارق السعر للوحدات السعرية المتبعة، التي في هذه الحالة خمس هللات فقط، ما يجعل تداول الصندوق مجديا أكثر وبأقل تكلفة على المتداول.
5. إن وجود صناع سوق آخرين سيقلص فارق السعر بين العرض والطلب، ويمنع انحراف سعر الصندوق عن قيمة المؤشر بشكل كبير، حيث - مع الأسف - إن هيئة السوق المالية وافقت لهذه الصناديق بممارسة انحراف يصل إلى 1 في المائة، وهذا خطأ كبير فيه ضرر للمتداولين. هذا يعني أن المتداولين قد يبيعون ويشترون أسهم الصندوق على الرغم من أن سعر الصندوق يفوق قيمته الحقيقية بمقدار 1 في المائة، والمفروض ألا يسمح بانحراف كبير بهذا الشكل.
6. على الرغم من أن عمولة الصندوق السنوية 1 في المائة، وهي نسبة معقولة، إلا أن الصندوق لا يعتمد على هذه النسبة في تحقيق أرباحه، بل يستفيد من فارق 2 في المائة بين العرض والطلب واستغلال الانحراف بنسبة 1 في المائة لمصلحته، إضافة إلى ما لديه من امتيازات تتمثل في قيامه بالعمل كصانع سوق وحيد ومدير للصندوق ومشرف عليه وأمين حفظ لمحتويات الصندوق، ومتحكم في تعديل مكونات الصندوق بطرق خاصة يمكن أن تستخدم في الإضرار بالمتداولين، إن لم تكن هناك مراقبة لصيقة لعمل الصندوق.
7. يستطيع صانع السوق بيع وشراء الأسهم المكونة للصندوق من مال الصندوق، لا من ماله هو، وهذا يعني أن تكلفة عمليات الآربتراج (البيع والشراء للتحكم بانحراف السعر) التي يقوم بها الصندوق تدفع من أموال ملاك الصندوق، فهي في الواقع مضاربة مجانية على حساب ملاك الصندوق.
وبالنظر للنتائج المالية لصندوق فالكوم، على سبيل المثال، نجد أن الصندوق حقق في عام 2011 خسارة تتجاوز ثلاثة ملايين ريال من أصول قدرها نحو 80 مليون ريال، على الرغم من أن الصندوق تسلم توزيعات أرباح الشركات المدرجة فيه البالغة أكثر من مليونين ونصف مليون ريال. وإن هذه الخسائر تخصم من ملاك الأسهم بعد استقطاع أتعاب الصندوق، وهي ليست فقط بسبب انخفاض الأسهم في عام 2011، بل إن جزءا كبيرا منها بسبب خسائر من عمليات التداول التي يقوم بها الصندوق. وختاماً، إذا كان الهدف من إنشاء هذه الصناديق لمد السوق السعودية بآلية منظمة لتداول أسهم صناديق المؤشرات وحث الناس على تداولها، فلا بد لهيئة سوق المال من تعديل ضوابط عمل هذه الصناديق لتلافي نقاط الخلل المذكورة أعلاه.
المهم هل لدى الجهة النظاميه القدرة على متابعه و تحليل اعمال هذا الصندوق. و الاجابه لا. لان هناك الكثير من الامور التى لا يعرفها الا مدير الصندوق و هو المتحكم و الامر الناهي.