الرياضيات والرسوم البيانية في علم الاقتصاد

25/08/2012 4
د. أنور أبو العلا

«خادم القوم سيّدهم»، يقال إنه حديث أو قول مأثور. كذلك الرياضيات رغم أنها ليست علم، إلا أنها بحق سيّدة العلوم، لأنه لا يمكن أن يسمى العلم علماً دقيقاً Exact science إلا إذا استطاع أن يستخدم الرياضيات كأداة خادمة (أو لغة) للتعبير عن مكنوناته وحل مشاكله وإثبات نظرياته.

علم الاقتصاد علم حديث ظهر كعلم مستقل مع بداية الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر وكان في البداية يسمى الاقتصاد السياسي يعتمد على الوصف ويستعين بالرسوم البيانية لشرح نظرياته وكانت الرسوم البيانية في البداية تؤدي - إلى حد ما - الغرض. ثم كنتيجة لتضخم النشاط الاقتصادي وتعقد العلاقات الاقتصادية أصبح حتمياً على الرواد في علم الاقتصاد (كي يتفادوا التناقض في نتائج دراساتهم) أن يلجأوا إلى الرياضيات كلغة دقيقة Consistent للتعبير عن نظرياتهم.

اليوم لا يكاد يوجد شيء مستقل اسمه الاقتصاد الرياضي بل أصبح علم الاقتصاد الحديث كله يكتب بلغة الرياضيات فلا يستطيع المتخصص الأكاديمي (كأساتذة الجامعات) الذي يفرض عليه تخصصه متابعة ما تنشره الدوريات الأكاديمية ما لم يكن ملما بالرياضيات المستخدمة كلغة في علم الاقتصاد.

هكذا أصبحت جميع الجامعات الرائدة والدوريات الأكاديمية المرموقة وجميع الاقتصاديين البارزين (كالذين يرشحون لجائزة نوبل مؤخرا) هم الذين يستخدمون الرياضيات كلغة في كتاباتهم.

من أوائل الرواد في إدخال الرياضيات إلى علم الاقتصاد هو هارولد هوتلنق واضع نظرية الموارد الناضبة التي حتى الآن لم يستوعبها كثير من الذين يكتبون عن اقتصاديات الطاقة فعلى سبيل المثال اّدلمان (الذي استشهد به ووصفه أخي ابن جمعة في مقاله «لا تقلق» بأنه اقتصادي شهير) هو مجرد مؤرخ مزيّف لتاريخ البترول يزعم أن اوبك محتكرة تبتز العالم ويقول إن سعر البترول يجب أن يتساوى مع التكلفة الحدية لاستخراج بترول حقل الغوار (أي إنه يجهل كليا ندرة البترول) وهذا للأسف دليل على أن بعض الكتاب لدينا (مع الاعتذار لهم) هم مجرد متلقّين يتأثرون بما يكتبه الآخرون.

بقدر ما يفرحنا انفتاح بعض المراكز والكتاب لدينا للكتابة عن الشؤون الاقتصادية التي تهم المملكة لا سيما البترول الا انه ليس في صالح المملكة ان تدفع العاطفة (ولو بحسن النية) بعض ما يسمى مراكز دراسات استراتيجية وبعض الكتاب بنشر دراسات ومقالات متناقضة تضر ولا تنفع كالدراسة التي تقول إن لدى المملكة 38.7% من احتياطي العالم من البترول، وكذلك أعتب على زميلي الدكتور ابن جمعة الذي يؤسفني أن اقول إن مقاله المعنون «لا تقلق عمر النفط طويل» لا يمكن ان يصدر من متخصص لأنه يتناقض مع بعضه فيخرج القارىء الذكي منه بالسخرية من الكاتب.

كذلك كعينة لبعض الدراسات الخنفشارية المنسوبة لأحد المختصين في إحدى صحفنا الاقتصادية مؤخرا يقول فيها: «أثبتت الدراسات.. أن آخر قطرة نفط في العالم ستستخرج من المملكة».

نعم من حق الجميع ان يعبروا عن رايهم ولكن يجب عليهم ان يتقبلوا بصدر رحب التصحيح لأخطائهم. هذا لا يعني ان جميع الكتاب لدينا تنقصهم الدراية او تغلب عليهم العاطفة فأنا شخصيا أستفيد من كتابات الأستاذ عثمان الخويطر عندما يكتب عن البترول.