لدينا مشكلة في الدول النامية، تتمثل في عدم ربط دراسات المشاريع التنموية بالقيمة الاقتصادية المضافة؛ ولذلك تجد في بعض الحالات أن يتم إعطاء أهمية لمشروع على حساب مشروع أهم منه بكثير، ويتأخر مشروع هام لتعطى الأولوية لآخر أقل منه أهمية! والسبب ليس بالضرورة عدم رغبة في سرعة التطوير والنماء من أي طرف، بقدر ما هي الاجتهادات غير المبنية على أسس علمية... والتي من أهمها غياب ربط كل مشروع بالقيمة الاقتصادية المضافة له.
فعلى سبيل المثال.. مدينة الرياض التي يعيش فيها أكثر من تسعة ملايين نسمة وبمساحة أكثر من 5300 كلم مربع. والتي يبلغ نسبة السيارات إلى السكان فيها 1 إلى 3، أي أن هناك سيارة خاصة لكل ثلاثة مواطنين! مع ما تشهده من النمو المطرد، الذي لم يواكبه نمو في النقل العام! حيث تشير الإحصائيات إلى أن الرياض مقبلة على أزمة مرور، تبدو طلائعها اليوم. ولمعالجة هذه المشكلة، فقد عقدت عدة ندوات ومؤتمرات وقدم عدد من الأوراق لبحث مشكلة الزحام المروري بمدينة الرياض وما هي أنسب المعالجات لها. والحل المتفق عليه وجد أنه يكمن في توفير خدمات النقل العام.
ولا ننسى أن مسألة تسريع المشاريع وإعطاءها الأولوية تحدده الدراسات التي ترفع بمعيتها؛ فكلما كانت الدراسات مؤسسة على اعتبارات مدعمة بالأرقام والإحصائيات، كان ذلك أدعى لسرعة التنفيذ وزيادة حجم الاعتمادات المالية المخصصة لهذا المشروع؛ ففي دراسة قدمت في منتدى الرياض الاقتصادي في دورته الخامسة بعنوان «النقل داخل المدن» بهدف إيجاد حلول لمشكلة النقل داخل المدن الرئيسية، لم أجد دراسة واحدة ربطت المقترحات بالتكاليف الزمنية للتأخر في تنفيذها.. لكي يتضح لأصحاب القرار تكلفة الوقت الضائع جراء انتظار تنفيذ هذه المشاريع. ويحدد بشكل جلي فرق التكلفة بين استخدام الحافلات الكبيرة داخل المدن، مقارنة بالحافلات الصغيرة أو ما يعرف بالكروساتو التي لا تسع أكثر من 15 راكبا. وكم هي تكلفة الوقود التي سيتم توفيرها، مع تنفيذ مشروع النقل العام الشامل (على الوجه المطلوب)، وكم سنوفر جراء التخفيف من الزحام المروري، وهذا الوقت الذي نخسره والمجهود الذي نبذله والتكاليف التي نخسرها للتنقل داخل الرياض، وكيف أن مشروع النقل العام سيستحدث إجراءات موازية تقلل نسبة التلوث وما تسببه من أمراض. وما لهذه الظواهر من تكاليف اقتصادية يجب أن تقاس وتعرض في دراسة مشروع النقل العام... على أساس أن هذه المشاكل يجب أن تعالج من منظار اقتصادي قبل أي شيء. وهذا ما نتحدث عنه بأنه القيمة المضافة للمشاريع الحيوية المقترحة.
وختاما.. فلن نسبق الأحداث أو ندعي علم الغيب لنحكم على نجاح مشاريع النقل العام، لكن الواقع المشاهد والأيام ستثبت أن أزمة النقل في الرياض ستتفاقم، وأن مدة السنوات الأربع المحددة للمعالجة (على ما نشاهده من خطوات) لن تحقق الهدف.
مقال رائع جدا مع تحفظي على هذه الجملة " تشير الإحصائيات إلى أن الرياض مقبلة على أزمة مرور" اعتقد اننا في الازمة و ليس قبل الازمة