المملكة والمادة الرابعة لصندوق النقد الدولي

12/08/2012 1
د.عبد الوهاب أبو داهش

مشاورات المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي مع الدول الأعضاء هي عادة روتينية سنوية تكتسب أهميتها من أن فريق الصندوق قد يعتبر محكما ومستشار خارجيا، بحيث يزود بكل المعلومات والإحصاءات الضرورية عن أنشطة الاقتصاد المتعددة، التي تساعده على إعداد رأي وإيضاح السلبيات والإيجابيات والمخاطر التي تواجه الاقتصاد، مع إعطاء التوصيات المناسبة. وتلك التوصيات غير ملزمة في حالة المملكة، وذلك لأنها لا تطلب أي مساعدات مالية. ويتضح أن تقرير الصندوق لم يخالف الرؤية الاقتصادية لمعظم المراقبين المحليين للاقتصاد السعودي، عطفا على تزايد إنتاج المملكة النفطي مع محافظة أسعاره على مستويات عالية طوال الأشهر السبعة الماضية. وأشار تقرير الصندوق إلى أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بلغ 7.1 في المائة في 2011، مع نمو بنسبة 8 في المائة للقطاع غير النفطي، الذي يعد الأعلى منذ 1981، ونسبة نمو القطاع الخاص بنسبة عالية أيضا بلغت 8.5 في المائة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يحافظ الاقتصاد السعودي على نمو بقوة بنسبة قد تصل إلى 6 في المائة في 2012، مع التوقع باستمرار الفائض في الموازنة الحكومية وميزان المدفوعات بنسب عالية تصل إلى 17 في المائة و27 في المائة من إجمالي الناتج المحلي على التوالي.

ورغم قوة الأرقام، فإن صندوق النقد الدولي لم ينشر كامل التقرير الذي يحتوي على تفاصيل مشاورات المادة الرابعة كما هو الحال لكثير من الدول الأعضاء في الصندوق. وأرى أن نشر كامل التقرير يعطي مزيدا من الثقة للاقتصاد السعودي ويساعد المراقبين المحليين على الاطلاع على معلومات أكثر تفصيلا ودقة عن الاقتصاد المحلي. ناهيك عن أن التقرير سيكون له دور تثقيفي لكثير من المراقبين السعوديين الذين لا يحصلون في الغالب على تقارير وافية من مصادر مستقلة، ما يجعل معظمهم يكتبون عن الاقتصاد السعودي بطريقة يتضح منها وجود نقص فادح في المعلومات وضعف قوي في قراءة الأرقام، لاعتمادهم على كتابات مبتورة لبعض المعلومات والإحصاءات الاقتصادية التي تنشر في الصحف. إن أهمية نشر تلك التقارير وفي وقتها المناسب يضيف للمراقبين مناقشة تلك الأرقام بالتفاصيل – كل في مجاله - معتمدين على أرقام وإحصاءات هي الأدق والأكثر حداثة عن الاقتصاد المحلي.

إن تلك المشارات انتهت في تموز (يوليو) من العام الحالي، ما أتاح للصندوق قراءة الأشهر الستة الأولى من 2012، التي شهد الاقتصاد السعودي فيها نموا قويا بقيادة القطاع النفطي الذي حافظ على مستويات قوية في إنتاج النفط السعودي، بحيث عوض التراجع في أسعار النفط خلال الربع الثاني من العام. ولم يكن بمقدور الصندوق نشر توقعاته في ''النشرة الصحفية القصيرة'' عن نمو القطاع الخاص لأسباب لا نعلمها. إلا أن أرباح الربع الثاني للشركات السعودية المدرجة في سوق الأسهم تشير إلى تراجع في نموها، ناهيك عن انخفاض المبيعات لبعض الشركات المهمة، مع تباطؤ واضح في نمو الودائع لدى البنوك. ويشير مؤشر مديري المشتريات لبنك HSBC عن السعودية الذي نشر أخيرا إلى تراجع توقعاتهم لأنشطتهم الاقتصادية. وأكد ذلك مؤشر تفاؤل الأعمال من البنك الأهلي، حيث سجل مستويات أدنى من التفاؤل للربع الثالث 2012 مقارنة بتلك المسجلة في ربع السنة السابق. وإذا أضيف إلى ذلك توقعاتنا بانخفاض نمو الإنفاق الحكومي عن سنة 2011، فإن ذلك سيسهم في تراجع النمو الاقتصادي عن 2011، وهو ما أشار إليه صندوق النقد الدولي بوضعه نمو الاقتصاد بنحو 6 في المائة خلال العام الحالي، وهو أقل من العام الماضي.

وأعتقد أنه من الأفضل لنا ولصندوق النقد الدولي التركيز والاهتمام والحديث بشكل أكبر عن الاختلالات الهيكلية في الصادرات غير النفطية المتواضعة، وزيادة فاتورة الواردات بشكل كبير، حيث بلغت صادرات المملكة غير النفطية 157 مليار ريال، والواردات نحو 495 مليار ريال، ما يشير إلى عجز ضخم رغم أن قطاع البتروكيمياويات يدخل في إجمالي الصادرات غير النفطية، ما يتطلب بذل جهود كبيرة في إيحاد حلول عملية لهذا الخلل الحاد، الذي سيكون أكبر في حال تراجع أسعار البتروكيمياويات. كما أن هناك خللا هيكليا كبيرا في اعتماد الموازنة عن النفط. فنحن في حاجة ماسة إلى معرفة أرقام الموازنة غير النفطية التي توضح الإيرادات غير النفطية التي تأتي من الرسوم الحكومية المتعددة، وعوائد الاستثمار والتعرفة الجمركية وغيرها من الإيرادات مقابل النفقات (التكاليف) لتلك الإيرادات، والحلول والتوصيات المقترحة حيالها. ويمكن لصندوق النقد تقديم دراسات مفصلة عن الخلل الهيكلي في سوق العمل، وفي استمرار انخفاض قيمة الريال، التي يحتاج كل منها إلى كثير من الإحصاءات والدراسات، التي أرى أن الأوان قد حان للاستفادة من الصندوق في تقديم دراسات متخصصة عنها. ونحن كمراقبين في حاجة ماسة إلى نشر الدراسات الموجودة لدى المؤسسات الحكومية والمؤسسات الدولية لسد جانب النقص الحاد لدى بعض المراقبين، وفي الوقت نفسه تمكين البعض من المشاركة في تقديم الرأي والمشورة، مع ما يضيف ذلك إلى زيادة الوعي المجتمعي عن القضايا الاقتصادية.