البيروقراطيون لا يحسنون الصيد!

06/09/2009 2
سليمان المنديل

في عام 1980، أسست شركة الأسماك السعودية، برأسمال قدره مائة مليون ريال، للحكومة نسبة 40%، ولكن نسبة التمثيل الحكومي في مجلس الإدارة كانت 60%، بما فيها رئاسة المجلس. ومنحت الشركة امتيازاً حصرياً للصيد التجاري في كل بحار المملكة.   ولأن أسعار وقود السفن مخفضة للاستهلاك المحلي، فإن ذلك كان كافياً لجذب أساطيل صيد مجهزة بالكامل من تايوان، وتايلاند، لتأتي إلى المملكة، ومقابل الحصول على الوقود، فقد قامت تلك الأساطيل بالصيد في الخليج، والبحر الأحمر، وفي بحر العرب، وسلمت صيدها إلى شركة الأسماك في الموانئ السعودية، مقابل مبلغ 4 ريالات للكيلو، وكانت الشركة تبيع الكيلو بواقع 28 ريالا.   كان الجميع راضياً، خصوصاً شركة الأسماك، لأنها كانت مخدومة، ومحشومة، وتحقق أعلى الفوائد، بأقل التكاليف، والمخاطر.

ولكن الفكر الحكومي لم يقبل ذلك الأسلوب الذي اعتبره "كسولاً"، حتى ولو كان مربحاً، وأصر مجلس الإدارة على بناء اسطول صيد خاص بالشركة، بكل ما يتطلبه ذلك من تجهيزات، وعمالة وإدارة متخصصة... إلخ. ومنذ ذلك التاريخ بدأ مسلسل الخسائر، واستمر حتى يومنا هذا. ومن حق أي مساهم أن يسأل:- كيف تخسر شركة تعمل في قطاع الغذاء، خصوصاً إذا كان لديها امتياز حصري لكامل شواطئ المملكة؟ وكيف إذا كان الغذاء صيداً بحرياً ينجذب له المزيد من السعوديين، الذين بدأوا يقدرون الأهمية الصحية للمأكولات البحرية، ناهيك عن ملايين الوافدين، وكثير منهم يمثل الأكل البحري غذاؤه الرئيسي؟ وكيف تخسر الشركة، ورأسمالها هو الأصغر بين الشركات المساهمة، مما يعني سهولة تحقيق عائد عليه؟

أنا لا أعني محاكمة حقبة تاريخية سابقة، أو انتقاد شخصيات بعينها، ولكنني، وكعضو مجلس إدارة سابق في أول مجلس إدارة للشركة، أشعر بالأسى، كلما أعلنت الشركة عن خسائرها.   كما يقود ذلك إلى التساؤل الكبير، عندما يتضح أن هناك توجهاً حكومياً جديداً، لتأسيس المزيد من الشركات المملوكة للحكومة، ومنها شركة لتأمين الدواء، وأخرى للتعليم، وأخرى للتقنية، وواحدة للاستثمار الخارجي في القطاع الزراعي، وأتعجب، كيف يمكن لمسؤولين حكوميين مثقلين بمشاغلهم التنفيذية اليومية، أن يديروا شركات متنوعة من مواقعهم في مجالس الإدارات؟ ولماذا تنافس الحكومة القطاع الخاص؟!