لغز زيادة الاحتياطيات رغم الاستنزاف

14/07/2012 5
د. أنور أبو العلا

لقد ختمت زاوية السبت الماضي بالقول إنني سأناقش مدى دقّة المعلومات الواردة في تقرير شركة البترول البريطانية BP ودلالاتها على أرض الواقع.

البترول في بطن أمه الارض تماما كالجنين في بطن أمه الأنثى، فقد يستطيع الوالدان ان يتعرفا على جنس الجنين وتحديد يوم ومكان ولادته لكن يستحيل ان يعرفا متى وفي اي ارض يموت ولا عدد ذريّته قبل موته.

كذلك البترول في جوف الارض قد يستطيع الانسان ان يقدّر بالتقريب مبدئيا حجم ونوعية البترول في حقل معين لكن من المستحيل ان يعرف مقدار الكمية الكلية التي خلقها الله في بطن الارض، ولا مقدار الكمية التي سيتمكّن الانسان من اكتشافها، ولا معدل الكمية الكلية النهائية التي يستطيع الانسان ان يستخرجها من بطن الارض.

يوجد شيء واحد مؤكد لا يمكن المجادلة فيه هو ان الله لم يخلق البترول جميعه في نفس المستوى فهناك الخلاص الحساوي كبترول الغوار (وهو نادر أكثر من ندرة الذهب) وهناك الحشف كبترول البرتا وارينوكو والروكي وكل ما أصبح منذ مطلع هذا القرن يقال بأنها اكتشافات جديدة (وهي في الواقع قديمة ومنتشرة في جميع القارات) يتم اضافتها سنويا -تجاوزا- الى بترول العالم.

من سنن الله في خلق غرائز البشر انه جعل الانسان في كفاحه من اجل العيش ان يختار أطيب الطيبات للاستفادة منها فإذا أحس بدنو انقراضها سيندفع بغريزة رغبة استمرار الحياة الى البحث عما يسد الرمق بمعنى ان الانسان سيفضّل دائما ان يأكل الخلاص لكن بانعدام الخلاص سيضطره الجوع الى اكل الحشف والضبان.

هكذا عندما احس الانسان بأن البترول النظيف يشرف على النضوب ويستحيل ان يفي باشباع رغباته بدأ مضطرا في التخلي عنه للمحافظة على تسيير عجلة الاقتصاد والاستفادة من ما يسميه (البترول القذر).

العالم الصناعي هو الآن في حالة صراع مع نفسه، هل يقدم على تطوير البترول القذر ويعرّض حياته للخطر؟ أو يستسلم للأمر الواقع ويتخلى عن نموه الاقتصادي بنضوب البترول النظيف؟.

مثال: للصراع مع الذات تردد امريكا في الموافقة على مد انبوب نقل بترول البرتا القذر. لا شك ان الانسان بعد ان تأكد ان البترول النظيف لا محالة ناضب وأعيته الحيل في ايجاد بديل نظيف سيرضخ رغم انفه لتطوير البترول القذر مؤقتا الى ان يفتح الله بصيرته لمصادر نظيفة.

لكن ماذا عن الشعوب التي وهبها الله البترول النظيف؟ بعد ان تبين ان غرضي من السرد اعلاه هو توضيح انه لا خوف على بترولها من ان يتخلى العالم عنه لكن الخوف كل الخوف هو نضوبه بسبب زيادة انتاجها بحجة تفادي خرافة الاستغناء عنه أو حرصها على سلامة اقتصاد العالم وكلا الحجتين أشبه بتصرفات طيّبة الذّكر مغمّضة العينين النعامة.

في خمس صفحات من رسالتي للدكتوراه قدّرت ان أقصى متوسط انتاج يكفي لتغطية احتياجات المملكة المالية لتمويل خطة تنمية مستدامة هو 5 ملايين برميل في اليوم وان اي زيادة يتم انتاجها تعتبر طاقة انتاجية فائضة لا تحتاجها خطط تنمية اقتصاد المملكة.

زاوية السبت القادم - ان شاء الله - ستناقش مصداقية ان لدى المملكة 38.7% من احتياطي العالم بمقدار 264 مليار برميل.