كثيرًا ما ينظر للعمل على أنه وسيلة لكسب الرزق ومواجهة متطلبات الحياة فقط فيما بالحقيقة واجب ديني ووطني تتساوى فيه الحقوق والواجبات على الدَّولة والمواطن، فكما يقع الواجب على الدول أن توفر الفرص الوظيفية للمواطنين وتسن القوانين والتشريعات وتقدم التسهيلات وتنفق في ميزانياتها دائمًا لتأمين فرص العمل فإن واجب المواطن أن يبحث ويقبل بفرص العمل المتاحة وفق إمكاناته وقدراته فإن من حق الدَّولة على المواطن عندما يجد فرصة العمل أن يلتزم بها ويؤدي عمله بكلِّ أمانة واقتدار وبنفس الوقت فإن من حقه على الدَّولة أن تحفظ له حقوقه وما يحقِّق الأمان الوظيفي له
لكن تهيئة الفرد للعمل يجب ألا تكون مقصورة على توفير الفرص من قبل الدَّولة، بل تسبقها مراحل أكثر أهمية وهي التأهيل من خلال التَّعليم والتدريب وهذا ما انصبت جهود الحكومة بالمملكة عليه منذ سنوات من خلال التوسع بالقاعدة التَّعليمية والتدريبية، فمخصصات التَّعليم تصل لربع الميزانية العامَّة سنويًّا.
لكن هذه التهيئة العقلية والمهارية تحتاج أيضًا إلى تكريس جهد أكبر على الجانب النفسي والتثقيفي لأهمية العمل وتوسيع المفاهيم لدى الفرد حول قيمة العمل وهذا الدور لا بد أن توضع له برامج خاصة بالمناهج التَّعليمية من الصفوف الدراسية الأولى ومن خلال برنامج نظري وعملي يؤصل ثقافة العمل لدى الفرد حتَّى يبدأ تدريجيًّا بتنمية مهاراته ويحدد خياراته بالمستقبل لوجهته التَّعليمية أو التدريبية التي تؤهله بصورة نهائية لسوق العمل.
فما يحدث أن كثيرًا من الطلبة بعد المرحلة الثانوية لا يستطيعون بسهولة اختيار تخصصاتهم وغالبًا تتم وفق ثقافة قديمة سائدة عن مسميات التخصصات فتكون اختيارات غالبها تقليدي بينما سوق العمل يتوسع في طلباته للتخصصات والمهن كل عام وبالتالي يزداد الطلب على العمالة الوافدة بالرغم من أن الجامعات والكليات والمعاهد التقنية والفنية توفر الكثير من التخصصات الحديثة ولكن بذات الوقت فإن على الجهات التَّعليمية أن تثقف الطلبة بمعلومات عن كل تخصص وتوضح حجم الطلب عليه وأي القطاعات الاقتصادية تحتاجه وهذا بالتأكيد يحتاج لجهد جبار لكنه سيوفر للاقتصاد مزيدًا من التقدم والنمو لأنّه يساعد بتوظيف رأس المال البشري بشكل جيد وكفؤ.
وبالمقابل فإن هذا الشاب أو الشابة بحاجة للمساعدة من قبل أسرهم أولاً ومن أنفسهم ثانيًّا بأن يبدؤوا التحضير المبكر لسوق العمل والاستفادة من كل ما تتيحه الدَّولة من تعليم وتدريب وتسهيلات لكي يأخذ فرصته بقناعة تامة واستعداد ذهني مبكر فثقافة العمل ليست وصفة سريعة بل هي جرعات طويلة الأمد لكنها تصبح جزءًا من تركيبة الفرد وفكره ويصبح قادرًا على اتخاذ قراراته بمسئولية ووعي أكبر.
فمثلاً شكَّل صدور الكثير من الأوامر والقرارات فرص عمل هائلة من دعم للمشروعات الصغيرة وتمويلها إلى قوانين ذات بعد إستراتيجي كالرهن والتمويل العقاري، فهل تم توضيح أهمية التوجه للتعليم أو التأهيل على ما ستوفره هذه القوانين من فرص عمل كبيرة ونوعية وجديدة كمتخصصين بالتثمين العقاري أو التسويق أو التأمين أو غيرها من منظومة العمل الاقتصادي التي ستضاف أو تتوسع مستقبلاً.
أمية العمل واقع موجود بكلِّ المجتمعات يبدأ محوها حسب ثقافة وتركيز كل مجتمع عليها وتسير عملية إزالتها لدى الفرد منذ طفولته بالتوازي مع دخوله للحياة العلمية في الصف الأول مدرسيًا لكي تنمو مع توسع مداركه العلمية فتصل به لمرحلة متقدمة من التأهيل الثقافي والنفسي للعمل يدعمها تخصصه وتأهيله فيصبح عنصرًا فاعلاً ويعطي عمله حقه الذي سينعكس على محيطه ومجتمعه واقتصاد الوطن بإيجابية كبيرة.
أخي الكريم محمد العنقري شكراً على هذا الطرح الرائع .... نعم هناك الكثير من القطاعات الاقتصادية القادمة بقوة والتي ستدعم وتعزز مكانة المملكة على الخارطة الاقتصادية العالمية .... لكن ... نحن كأفراد بسطاء هل نستوعب ذلك ... !!!! إن هذا يحتم علينا التخطيط للتكيف مع هذه التطورات المرتقبه سواء على الصعيد الاستثماري أو على صعيد التخطيط لتأهيل وتدريب أبنائنا كي نضمن تحقيقهم لندرة معرفية تؤهلهم للمنافسة في مجالات العمل المستقبلية ... مرة أخرى شكراً على هذا الطرح الرائع.
شكرا اخي سلمان اتفق معك التخطيط والتهيئة يجب ان يكونان مبكرين ومن الجميع
شكرا أستاذ محمد على المقال,,فقليل من الكتاب السعوديين تجراء بالاعتراف بأن لدينا أمية في العمل,,فاليت الكتاب يسلطون الضوء على هذه الاميه, ويضيفون لها قلة الجديه لدى بعض السعودين
أحسنت في الصميم