تكلفة العمولة في سوق الأسهم غير منطقية

02/07/2012 19
د. فهد الحويماني

 من المعروف أن سعر أي منتج أو خدمة مرتبط بتكلفة المنتج أو الخدمة، وهذا هو الوضع الطبيعي في أي سوق تجارية في أي مكان في العالم، إلا إن تم وضع السعر بطريقة عشوائية أو لأسباب احتكارية أو في ظل غياب الأنظمة والعدالة القانونية. فعلى سبيل المثال، عندما تجد أن سعر جالون الحليب يباع بسعر سبعة ريالات فإن السبب هو أن تكلفة الإنتاج قد تكون ثلاثة ريالات، زائد ريال واحد للتوزيع وريال كربح للمنتج، وأخيراً ريالان للبائع، فيكون سعر البيع النهائي سبعة ريالات. لكن بالنظر إلى تكلفة عمولة تداول الأسهم في سوق الأسهم السعودية نجد أنها تمت بطريقة غير صحيحة وليس لها علاقة بالتكلفة الفعلية لعملية البيع والشراء التي يقوم بها أي من أطراف العملية كالبنوك والوسطاء وشركة تداول وهيئة السوق المالية. بل إن التكلفة الفعلية لعملية التداول ضئيلة جداً، حيث إنها تتم بطريقة آلية بحتة وإن ما تم استثماره في المعدات والبرامج والأجهزة اللازمة للقيام بذلك لا يتجاوز تكلفة عمولة شهر واحد من أيام التداول في سوق الأسهم السعودية. وأستغرب بقاء العمولة بهذا الشكل المضر بالمتداولين وبالسوق ككل، وأستغرب من عدم سماع أصوات كافية لتغيير ذلك، وسأوضح التناقضات وعدم منطقية ذلك فيما يلي:

 منذ أن أوكل لمؤسسة النقد العربي السعودي تنظيم تداول الأسهم وقصر تداولها في البنوك السعودية عام 1984، كانت تكلفة العمولة بحد أدنى 25 ريالا وبنسب عمولة مختلفة حسب حجم التداول، إلا أنها بشكل عام كانت ضعف ما هي عليه اليوم، وكانت البنوك تستقطع 95 في المائة من العمولة والـ 5 في المائة المتبقية تذهب لمصلحة الشركة السعودية لتسجيل الأسهم. وتغيرت فيما بعد إلى 15 ريالا كحد أدنى و15 ريالا عن كل عشرة آلاف ريال، شراء أو بيعا، وفي عام 2006 خفضت بنسبة 20 في المائة عما كانت عليه لتصبح 12 ريالا كحد أدنى، ومن ثم 12 ريالا عن كل عشرة آلاف، ريال شراء أو بيعا. ولا تزال الجهة التي تقوم بالعبء الكبير في عملية التداول هي التي تحصل على الحصة القليلة من عمولة التداول، حيث تستقطع الهيئة نسبة 15 في المائة من العمولة لمصلحتها، على الرغم من أن أصعب مكونات التداول تقوم بها شركة تداول والجهات التابعة لها مثل مركز الإيداع وتسجيل الأسهم والتداول والتسوية والمقاصة ونشر المعلومات، وهو أمر مستغرب ودليل على طول يد البنوك وسيطرتها على عملية التداول. وحقيقة سعر العمولة في السوق السعودية لا يختلف كثيراً عنه في دول الخليج وبعض الدول العربية، لكن الاختلاف ومصدر التناقض هو أن المبالغ الإجمالية للعمولات تعتبر أعلى بكثير مما هو في جميع دول الخليج والدول العربية جميعها، وهذا هو السبب في عدم منطقية بقاء تكلفة العمولة بهذا الشكل المخل.

 وللمقارنة، فإن مقدار القيمة المتداولة السنوية في السوق السعودية عام 2006 كانت نحو 5.2 تريليون ريال، وانخفضت إلى 1.1 تريليون ريال في عام 2011، فيمكننا أن نقدر المتوسط السنوي بنحو ثلاثة تريليونات ريال. وإذا احتسبنا تكلفة العمولة بعد خصم 25 في المائة كمتوسط تخفيضات قدمتها البنوك لعملائها، فنستطيع القول إن مقدار العمولة السنوية المتحقق هو 2.7 مليار ريال سنوياً، يذهب منها 15 في المائة لهيئة السوق المالية والباقي نحو 2.3 مليار ريال تذهب للبنوك والوسطاء. إذاً من الواضح جداً أن مثل هذه الرسوم المستقطعة من المتداولين غير طبيعية وغير منطقية ويجب ألا تستمر بهذا الشكل المجحف، خصوصاً إذا ما تمت مقارنتها بالتكلفة الفعلية التي يقوم بها الوسطاء والبنوك من أجل تنفيذ عمليات البيع والشراء. فنحن نعرف أن التجهيزات الفنية المقدمة متواضعة جداً، حيث تشمل عددا من أجهزة السيرفرات والبرامج الحاسوبية التي لا يمكن أن تتجاوز تكلفتها للوسيط الواحد مبلغ 50 مليون ريال تدفع مرة واحدة، وذلك كتقدير شخصي مني بحكم التخصص في مجال الحاسب الآلي، مع تضخيم التكلفة منعاً للوقوع في خطأ بحق الوسطاء والبنوك. ويمكن إضافة مبلغ عشرة ملايين ريال سنوياً للتشغيل والصيانة، لنجد أن حصول البنوك والوسطاء على مبلغ 2.3 مليار ريال سنوياً أمر غير سليم. ولو سألت أيا من المتداولين عن جودة الخدمة ونوعية البرامج الحاسوبية المقدمة فلن تسمع ما يسر على الإطلاق، لأن ما يقدم في الواقع برامج بدائية غير مرنة وغير مصحوبة بأساليب التحليل المتعارف عليها ولا أي نوع من التقارير التحليلية والدراسات ولا الرسوم البيانية الحديثة، ناهيك عن ضعف خدمات العملاء والانقطاعات المتكررة.

 ومن المتناقضات العجيبة أنه بقدرة قادر تم ربط تكلفة العمولة بحجم الصفقة المنفذة التي ينفذها العميل، على الرغم من أن التكلفة الفعلية لبيع مليون سهم لا تختلف عن تكلفة بيع 100 سهم، فكلتاهما تتمان بطريقة آلية لا ترهق جهاز الحاسب إن زادت أو نقصت! وهذا الأمر تم تداركه في البورصات العالمية منذ زمن طويل فتم تحديد تكلفة العمولة بمبلغ ثابت ليس له علاقة بحجم الصفقة. على سبيل المثال، نجد أن تكلفة العمولة في الولايات المتحدة تراوح بين 30 ريالا و50 ريالا للصفقة الواحدة بغض النظر عن قيمة التداول، بينما نجدها في السوق السعودية تصل إلى عدة آلاف من الريالات.

 إذاً من حق أي متداول في سوق الأسهم توجيه السؤال المستحق لهيئة السوق المالية عن سبب سماحها للبنوك والوسطاء باستقطاع 2.3 مليار ريال سنوياً من أموال المتداولين، وبأي وجه حق؟ هل هي ضريبة على المواطن؟ وإذا كانت كذلك، هل تم إقرار هذه الضريبة بقرار مستقل من مقام مجلس الوزراء؟ وإن كانت ضريبة فمن أعطى البنوك والوسطاء حق الحصول على أموال هذه الضريبة، بدلاً من ذهابها لخزانة الدولة؟ أم هل هي دعم حكومي للبنوك والوسطاء؟ أستبعد ذلك كثيراً لأن الحكومة لا تقدم دعماً بهذا الشكل لجهات تجارية، حتى إن تم ذلك فالحكومة لا تقدم الدعم من أموال المواطنين. إذاً هل هي رسوم حكومية مثل رسوم الاستقدام والجوازات والمرور؟ لا أعتقد ذلك، لأن الرسوم الحكومية تدفع من المواطنين لصالح الدولة، لا أن تدفع من المواطنين للقطاع الخاص مروراً بجهة حكومية. أكرر مرة أخرى، وأنا أعي تماماً ما أقول، إن بقاء هذه الضريبة بهذا الرقم المهول وعطفاً على أحجام التداول في السوق السعودية وسكوت هيئة السوق المالية عنها لهو أمر مستغرب ومن الواجب مساءلة الهيئة عن هذا الخلل والعمل على إيقاف العمل بهذا الأسلوب بشكل عاجل.

 لقد ائتمنت الحكومة هيئة السوق المالية باتخاذ اللازم لحماية السوق المالية وتحقيق العدالة في كل ما يخص تداول الأوراق المالية، وكون الهيئة تتحصل على نحو 400 مليون ريال سنوياً من هذه العمولات، فإن هذا لا يعني السكوت عن هذا الموضوع الخطير، ويجب ألا يكون سبباً في استمرار سكوت الهيئة عنه. وما يزيد الطين بلة أن حجم عمليات التداول بدأ يزداد منذ بداية عام 2012م بشكل كبير، ما يعني وقوع المزيد من الضرر بحق المتداولين ولمصلحة البنوك التجارية والوسطاء في الفترات القادمة. ولا يساورني أدنى شك أن وصول هذه المعلومة إلى مسامع الجهات المعنية ومن يهمه أمر الوطن والمواطن لن يمر مرور الكرام، وكلي أمل أن يكون هناك تغيير في تكلفة العمولة لتكون ثابتة لا تعتمد على حجم الصفقة، وربما من المناسب أن تكون بحد أدنى عشرة ريالات وحد أعلى 100 ريال، ومن ثم يترك للبنوك والوسطاء حسب التنافس فيما بينها تحديد السعر النهائي على العميل.