استشارني صديق مواطن في عرض وصله من أحد الوافدين مفاده أن يفتح المواطن متجر منتجات كهرباء وسباكة باسمه ويدفع تكلفة الإيجار والتجهيز وسيارة التوزيع، فيما يتولى الوافد توفير البضاعة من تجار الجملة وإدارة المتجر، ويحصل المواطن على مبلغ مقطوع شهري يعيد له رأسماله في ثلاث سنوات. وللوهلة الأولى بدا أن العرض مغر وأن الرجل عزم أمره على قبول العرض.
ومن واقع التجربة ومن تقارير صحفية موثقة ومنها صحيفة ''الاقتصادية'' التي عملت تحقيقا وافيا عما سمته ''الاقتصاد الخفي'' فإن الشاب (أو الشابة) السعودي في قطاع التجزئة يواجه حربا شرسة مع تكتلات الوافدين والذين يمارسون أساليب غير مشروعة لإبعاد السعوديين عن القطاع. بعض هذه الوسائل حسبما أوضحته المصادر قيام تجار الجملة الوافدين بمنح أسعار خاصة لأبناء جلدتهم أو الأجانب بصفة عامة وأخرى مرتفعة للسعوديين الغرض منها تخفيض هامش ربح السعودي، وبالتالي إبعاده عن المنافسة.
ولطالما واجه الشاب السعودي انتقاداً ولوماً على عدم استغلاله الفرص في وطنه وتركها سائبة للوافد (مع احترامي للوافد وإنسانيته وحقوقه). ولطالما تعجبنا كيف أن الوافد يدخل للبلد دون مال ولا يعرف اللغة ولا الأنظمة، ومع ذلك ينجح في تكوين ثروة بعد سنوات قليلة. وفي رأيي أن هذا النقد لا يأخذ في الاعتبار ميزات تنافسية عديدة يتمتع بها الوافد على السعودي، ومن أهمها في رأيي ثلاث وهي (1) التمويل السهل، (2) ضآلة المخاطر، (3) الدعم الفني والمعرفي.
فالميزة الأولى وهي التمويل السهل تتضح في حالة الصديق الذي استشارني وهي التطبيق الأكثر انتشارا، حيث يجتمع المال السعودي المتستر مع الجهد الوافد في شراكة غير نظامية. فالوافد يحصل على تمويل من شريكه السعودي لفتح المحل وتجهيزه وتمويل مجاني من تجار الجملة الذين يزودونه بكامل بضاعة المحل (تحت التصريف) بناء على تزكية أو معرفتهم وثقتهم الشخصية به، وفي معظم الحالات، يتولى المواطن توفير كامل تكلفة التمويل بما فيها بضاعة أول المدة واستخراج التراخيص ودفع رسومها وإنهاء إجراءاتها. وبهذا أنشأ الوافد مشروعه دون المشاركة بأي نسبة في التمويل ودون تعبئة نماذج وتوفير ضمانات وغيرها من الإجراءات الطويلة للحصول على تمويل. في الجانب الآخر، لا يجد الشاب السعودي تمويلا بمثل هذا الكرم لبدء مشروعه. بل إنه في الواقع يواجه صعوبات قوية حتى في الحصول على تمويل تجاري من البنوك. ويفشل في منافسة الوافد لإقناع المواطن الممول الذي يفضل تمويل الوافد على السعودي رغم المخاطر المالية والنظامية التي يواجهها بتمويله مشروع الوافد. وينسحب الأثر نفسه على تجار الجملة الذين يرفضون توريد بضاعة على الحساب للشاب السعودي في بداية مشروعه. وحتى نتجنب الحكم بالنظريات أو الانطباعات الشخصية، أعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة ميدانية للبحث في أسباب هذا التفضيل.
والميزة التنافسية الثانية للوافد هي ضآلة المخاطر التي يواجهها فيما لو فشل المشروع. وبالتطبيق على حالة صديقنا، نجد أن الوافد لم يدفع شيئا في رأسمال المشروع، والتزامه بالمبلغ المقطوع الشهري للمواطن هو التزام نسبي ويمكنه المفاوضة لتخفيض حجم المبلغ حسب نجاح المشروع. والبضاعة التي وفرها له الموردون تعاد لهم، وفي حالة وجود نقص أو التزامات أو جزاءات على المتجر فيتحملها المتجر وصاحبه بصفته النظامية، ولا يستطيع المواطن العودة على الوافد بتحمل مسؤوليته عن فشل المشروع لأن في ذلك اعترافا منه بالتستر مما يعرضه لغرامات وعقوبات. وهكذا يتضح أن الوافد لا يتحمل أية مخاطر مالية أو نظامية تترتب على فشل المشروع. في الجانب الآخر، نجد أن الشاب السعودي يخاطر في مشروعه بمدخراته وقروض من أسرته وأصدقائه، والتي قد لا تكفي لتسديد التزامات المشروع ويمكن أن تمتد إلى حجز ممتلكاته خارج المشروع ويمكن أيضا أن تفضي إلى سجنه.
أما الميزة التنافسية الثالثة وهي مهمة جدا فهي الدعم الفني والمعرفي Know how الذي يحصل عليه الوافد من بني جلدته في الشبكة الملائكية Angel Networks التي ينخرط بها مع أبناء جلدته. فيحصل على خريطة طريق واضحة مرفقا بها الدعم الفني والاستشارات والتوجيه بما يشبه ''كول سنتر'' يجيبه عن كل سؤال يواجهه في عمله. ويمتد هذا الدعم إلى فتح حساب ائتماني مع متاجر الجملة كما في حالة صاحبنا والمشاركة في تمويل التوسع في النشاط، ويحظى بصفقات وعقود يتم احتكارها لشبكته يتبادلون معلوماتها غير المعلنة ويتشاركون في تنفيذها. وهذا النوع من الشبكات الاحتكارية معمول به في معظم الدول التي تأتي منها العمالة الوافدة، والنسخة المحلية هنا هي امتداد لتلك الدول بما في ذلك أنظمتها العرفية وحقوق وواجبات أعضائها. هذه الميزة التنافسية يستحيل على السعودي الحصول عليها من هذه الشبكات الوافدة ولا يستطيع اختراقها. بل إنه يتعرض لمخاطر المواجهة معها إذا بدأت على مشروعه علامات النجاح. فهو يبدأ مشروعه ويديره بمنهجية التجربة والخطأ، فيتعلم من أخطائه التي تكلفه الكثير وقد تطيح به. ولم أسمع عن شبكة سعودية يستطيع الشاب السعودي اللجوء إليها لتقدم له العون والاستشارة الفنية والتسويقية والإدارية.
هذه الميزات التنافسية الثلاث التي يتمتع بها الوافد المتستر في مشروعه الصغير الناشئ هي في الوقت نفسه عقبات صعبة تواجه المبادر السعودي وترفع نسب فشل مشروعه بمعدلات عالية. ولذلك أعتقد أن المبادر السعودي وبالتالي الاقتصاد الوطني في حاجة ماسة إلى تفعيل وتطبيق نظام مكافحة التستر الذي نصت المادة الثانية منه على أن وزارة التجارة والصناعة هي المختصة في ''تنفيذ أحكام هذا النظام بالتفتيش والتحري عن المخالفات وتلقي البلاغات وضبط المخالفات'' والنظام شمل العديد من المواد التي تمنحه أرضية صلبة للتطبيق. والسؤال هنا لوزارة التجارة عن مدى ما وصلت له في تطبيق هذا النظام والعقبات التي تواجهها بهذا الخصوص، وهل تمتد حماسة وطاقة وزيرها الشاب لهذا الجانب المهم كما فعل مع بعض مهام الوزارة الأخرى؟
أعود لصديقي حيث شرحت له مخاطر قبوله العرض وافترقنا على أنه سيرفض العرض ولم يصلني منه تأكيد بذلك إلى حينه.