يواصل الجو الاستثماري تراجعه مع وجود العديد من الشكوك التي أطلق شعوراً عاماً متجدداً بتجنب المخاطر في الأسواق المالية وأسواق السلع. من جملة المحركات التي تقف وراء ذلك التباطؤ الحالي الذي تشهده الأسواق الصينية والركود الذي يسود أوروبا والتأمل بشأن الوضع في اليونان وتخمين ما غذا كان سينتهي بتركها منطقة اليورو. في ظل عمليات بيع بسعر التصفية التي شهدتها أسواق السلع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وصلت بعض السلع الفردية الآن إلى مستويات يمكن أن تنطلق عندها من جديد، شريطة توفر تراجع ورود الأخبار السلبية.
مع استمرار تطلع السلع المدورة مثل المعادن الصناعية والطاقة إلى مزيد من الدعم خلال الأسبوع الماضي، استعادت المعادن الثمينة بعض القوة التي كانت قد خسرتها أثناء المخاوف المتعلقة بالمناخ والتي تسبب بها النشاط الكبير الذي شهدته قطاعي الذرة والقمح بعد ركودهما. انهى مؤشر داو جونز يو بي أس للسلع جلسته على ارتفاع للأسبوع الأول خلال ثلاثة أسابيع بعد أن وصل إلى أدنى مستوى له منذ سبتمبر 2009.
الذهب يحصل على الدعم والمناطق الآمنة تحركه من جديد
كما شهدنا خلال عمليتي التصحيح السابقتين فقد حافظ الدعم عند مستوى من 1,535 إلى 1,520 دولار أمريكي على ثباته مانحاً مدراء المال الثقة والفرصة لإعادة الدخول في السوق بعد أشهر من تراجع الفائدة من الفئات المدعومة بصورة خاصة مثل صناديق التحوط.
أما الآن فإن الزخم يقود إلى عودة الأسعار إلى مستوى 1,600 مع انكسار يتجاوز 1,612، وهو ما يشير ضمناً إلى نهاية البيع بسعر التصفية الذي تلى محاولة فاشلة لكسر حاجز فوق 1,800 والعودة إلى ما كان الوضع عليه في مرحلة متأخرة من فبراير. إن الحديث الدائر عن خروج اليونان من منطقة اليورو وتباطؤ منتصف الدورة الذي شهدته الولايات المتحدة ساهم من جديد في زيادة التخمينات بشأن الحافز الإضافي الذي قدمه الاحتياطي الفدرالي الأمريكي. نتوقع حالياً أن يكون التباطؤ الذي تشهده الولايات المتحدة أن يكون مؤقتاً ما لم نشهد استمراراً لضعف بيانات العمل والأسهم الأمريكية، مع عدم احتمالية استمرار التسهيل الكمي لجولة ثالثة.
ولذلك سيضطر الذهب للاعتماد بشكل أكبر على الزخم بالنظر للإحباط الذي تسبب به الحديث عن استمرار أو عدم استمرار التسهيل الكمي الثالث خلال 2012 والذي تسبب بزيادة التقلبات في الأسواق. ولذلك فإن حدوث أي انكسار فني واضح بالعودة إلى مستوى أعلى من 1,600 من شأنه أن يساعد في إقناع اللاعبين المقدمين للدعم بالعودة، حيث أنهم يتخذون قراراتهم الاستثمارية استناداً إلى التحليل الفني أكثر من استناده إلى الأساسيات. ليس هناك ما سبق وأن حافظ على استقامة مساره بشكل دائم؛ ومع ذلك، فإن التطلع لمزيد من الدعم دون 1,565 مع العودة إلى ما دون 1,550 يطرح مخاطر طول فترة التوتر.
كما يمكن تقديم الدعم للذهب بالنظر إلى أوضاع المستثمرين المضاربين. تُظهر البيانات التي تشمل الأسبوع المنتهي في 15 مايو أن أوضاع الذهب طويلة الأجل في أدنى مستوى لها منذ ديسمبر 2008، عندما تسببت أزمة ليمان بالهروب من غالبية السلع. وبنفس درجة الأهمية، فإن مستوى الأوضاع قصيرة الأجل كما في 15 مايو ارتفع إلى 5.2 مليون أونصة. إن مثل هذا المستوى من المشاركة قصيرة الأجل سبق وحدث في ست مناسبات خلال العقد الماضي ودائماً ما كان يتبعه تراجع حاد (انتعاش الذهب)، وهو ما قد يساعد في إذكاء الزخم المشار إليه أعلاه.
استقرار النفط الخام قبل بدء المحادثات الإيرانية
شهد خام برنت وغرب تكساس الوسيط تراجعاً للأسبوع الثالث مع بطء رفع الأساسيات المتغيرة للمخاوف بشأن الطلب الذي يمكن أن يشكل تحدياً لمستوى التوريد المتوفر. مع حدوث تصحيح بنسبة 17 بالمائة من أعلى لأسفل بالنسبة لمجموعات خام برنت وغرب تكساس الوسطين، والتي أدت خلال العملية إلى خفض حاد في الأوضاع طويلة الأجل للمضاربين، مع عودة الاهتمام الآن للتركيز على إيران ونواياها النووية. قبيل انعقاد الاجتماع في بغداد بين إيران والدول الغربية زائد الصين في 23 مايو، أعادت مجموعة الثمانية في عطلة نهاية الأسبوع التأكيد على إصرارها على الاستمرار في عقوباتها الحالية، والتي أدت إلى خفض حاد في مخزونات النفط الإيراني في السوق العالمية.
إن هذا التصريح يفتح المجال أمام تحرير الاحتياطيات الإستراتيجية إذا ما هددت العقوبات بتشديد الخناق على المخزونات، الأمر الذي لا يُنظر إليه حالياً على أنه يوفر مستويات إنتاج قوية من العراق والعربية السعودية في وقت يشهد فيه الاقتطاع العالمي تباطؤاً من جديد. أما بالنسبة للمخاطرة الجيوسياسية فقد تم استبعادها من المشهد، بالنظر إلى السعر الحالي لخام برنت ثلاثة بالمائة دون متوسط سعر 2011. وعلى هذا الأساس وبالنظر إلى خفض المشاركة الطويلة من التجار المضاربين، يبدو أن حدوث مزيد من الانخفاض أمراً محدوداً وبالإمكان توقع بعض الاندماج قبل الاجتماع مع إيران، حيث أن أي فشل يُحتمل أن يؤثر على زيادة المخاطرة مجدداً.
نشاط القمح لتوفير الطلب على المدى القصير
ارتفع سعر قمح مجلس التداول في شيكاغو إلى أعلى مستوى له في أكثر من ثمانية أشهر مع تمحور التركيز السنوي على التطورات المناخية التي سببت توتراً بشأن مستويات الإنتاج في الولايات المتحدة وروسيا. إن جفاف المناخ في مناطق الزراعة الرئيسية في هاتين الدولتين يمكن أن يُهدد المحاصيل في اثنين من مصدِّري القمح الرئيسيين في العالم. إن زخم النشاط الذي حققه القمح وجد مساعدة من الحجم الكبير للتغطية قصيرة الأجل المتوقعة بعد احتلال مدراء المال لأقوى الأوضاع قصيرة الأجل بالنسبة لكافة السلع في ظل التوقعات التي تفيد بأن يسجل المحصول رقماً قياسياً هذا العام.