هناك فرق بين الاستثمار والتنجيم .. فكن مستثمراً لا منجّماً

23/08/2009 7
محمد القويز

كثيراً ما تردني أسئلة (وخصوصاً في الآونة الأخيرة) عن التوقيت الأنسب للدخول في السوق أو الخروج منه خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة. فدائماً ما أسمع السؤال: «هل أدخل الآن في سوق الأسهم السعودي؟ أم هل أضع كل مدخراتي في المرابحات الأقل مخاطرة والأقل عائداً؟». أو السؤال الآخر: «هل تتوقع أن يصعد السوق أو ينخفض هذا الأسبوع؟». وأكثر ما يروق لي في تلك الأسئلة هو تعجّب السائلين من جوابي المعتاد عليها، وهو: «لا أعلم!».

ففي هذا الصدد يعتقد كثير من المستثمرين والمحللين بأنهم يستطيعون التكهن بحركات الأسواق على المدى القصير؛ بمعنى أنهم يظنون أن بإمكانهم أن يتكهنوا بوقت قرب انتعاش السوق ووقت قرب هبوطه. ونتيجة لذلك فإنهم يوصون بالخروج من السوق عندما يقترب من وضع الهبوط، والدخول مرة أخرى عندما يقترب السوق من حالة الانتعاش. ولهؤلاء أقول: «كذب المنجّمون ولو صدقوا!».

فالحقيقة أن التكهّن بحركة الأسواق على مدى يوم، وأسبوع، بل شهر هو أقرب ما يكون للتنجيم. وأثبت عديد من الدراسات العلمية أن حركة الاستثمارات والأسواق المختلفة على المدى القصير أقرب ما تكون للعشوائية. لذا ابتدع المفكرون في العلوم المالية مفهوم: «الممشى العشوائي» لوصف حركة الاستثمارات والأسواق المختلفة من يوم إلى يوم. أما على المدى الطويل، فعديد من الدراسات، بل البيانات الإحصائية التجريبية حددت ورصدت العوائد المتوقعة من الفئات الاستثمارية والأسواق المختلفة على المدى الطويل (وبما يتناسب مع نسبة المخاطرة المرتبطة بالاستثمار فيها). فعلى المدى القصير يكون هناك فارق كبير بين العائد المتوقع والعائد الفعلي نتيجة تذبذب الأسواق العشوائي من يوم إلى يوم، وكلما طالت الفترة الاستثمارية، اقترب العائد الفعلي من العائد المتوقع.   ولو كان التكهن بحركات الأسواق والاستثمارات بهذه السهولة, فإن الأشخاص الذين لديهم هذه القدرة الخارقة على استشراف المستقبل سيفضّلون استغلال ملكتهم تلك لنفسهم من قصورهم الصيفية في الشاطئ الفرنسي ومن طائراتهم الخاصة (نظراً لأنهم سيصبحون فاحشي الثراء) ولن يرغبوا في أي حال من الأحوال انتشار هذه المعلومات المربحة، فما بالك بنشرها على الملأ في الصحف ووسائل الإعلام أو بيعها بحفنة من الدراهم.

ولإيضاح هذه النقطة نورد المثال الواقعي التالي الذي يدور حول ثلاثة أشخاص: عبيّد (مُلاحق الأداء)، وصويلح (الانتهازي)، وأحمد (المنوّع). حيث كان كل واحد منهم يدّخر 10000 ريال في بداية كل سنة ابتداءً من عام 1986م وحتى نهاية عام 2006م (أي لمدة 20 عاما). ولكن الفرق الأساسي كان في السياسة الاستثمارية لكل منهم. فعبيّد كان كل سنة ينظر لأداء الفئات الاستثمارية المختلفة في العام الماضي فيصب كل مدخراته في الاستثمار ذي الأداء الأفضل خلال العام الماضي (ولذا سمّيناه «مُلاحق الأداء»)، وهذه بالمناسبة هي أكثر السياسات انتشاراً بين عموم المستثمرين (أي الاستثمار في الفئة التي كانت الأفضل أداءً عبر العام الماضي على افتراض استمرار الأداء العام الحالي). أما صويلح فقد كان أكثر دهاءً، إذ كان وبعكس عبيّد يركز استثماره كل سنة في الاستثمار الأسوأ أداءً خلال العام الماضي (على افتراض أن الفئة التي تمر بأداء سيئ في عام ما، من المرجح أن ينقلب أداؤها في العام التالي فيتحسن، لذا سمّيناه «الانتهازي»). بينما المستثمر الأخير أحمد فقد كان يستثمر كل سنة في محفظة منوعة بقدر متساوٍ كل عام على مختلف الفئات الاستثمارية، بغض النظر عن أداء كل فئة في السنة السابقة (وذلك إيماناً منه بصعوبة التكهن بالفئات التي يُتوقع لها الأداء الأفضل على المدى القصير، ولذا سميناه «المنوِّع»). وإذا أخذنا أداء المستثمرين الثلاثة بنهاية العشرين عاما فسنجد أن المنوِّع (أحمد) يكون قد حقق أفضل النتائج (674267 ريالا) ثم (عبيّد) مُلاحق الأداء (594041 ريالا) ثم (صويلح) الانتهازي (516187 ريالا). وهذا المثال يوضح صعوبة انتقاء الوقت المناسب للدخول والخروج من الاستثمارات المختلفة، الأمر الذي يزيد أهمية انتهاج استراتيجية ثابتة في تنويع الأصول.

ولنا أيضاً أن نضرب مثالاً آخر: فلو نظرنا لأداء الأسهم السعودية على وجه الخصوص عبر الأعوام العشرين الماضية (أي منذ بداية 1989م) لوجدنا أن متوسط أدائها كان نحو 12.9 في المائة سنوياً (مما يعتبر أداء جيدا، لو أخذنا في الحسبان الانخفاضات الكبيرة في 2006م و2008م). ولكن لو استبعدنا أفضل 10 أشهر أداءً خلال تلك الفترة (والتي تمثّل مدة قصيرة مقارنة بفترة العشرين عاما) لانخفض الأداء خلال الفترة ككل من 12.9 في المائة سنوياً إلى 5.9 في المائة سنوياً (أي أقل من النصف). هذا يعني أن المستثمر النشط الذي كتب الله عليه أن يكون خارج السوق خلال الأشهر العشرة تلك، وعلى الرغم من استثماره خلال بقية السنوات العشرين كلها، فإنه سيكون قد حقق عائداً يقل بمقدار النصف عن الذي استثمر خلال الفترة كلها. والعسير في الأمر أنه يصعب التكهن أي الأشهر سيكون صاعداً وأيها سيكون منخفضاً. بل إن أحد أفضل الأشهر العشرة التي تحدثنا عنها سلفاً كان في هذه السنة (أبريل 2009م)، بالرغم من انسحاب عديد من المستثمرين من السوق وقتئذٍ. لذا فإن الخروج من سوق لمجرد أن أداءه لم يكن جيداً خلال الأشهر (أو حتى العام أو العامين) الماضية لا يعتبر مبرراً جيداً.

ومن هذا المنطلق، فإني أنصح المستثمرين بالتالي:

- لا تحاول الإمعان في توقيت الدخول للسوق والخروج منه على المدى القصير، فمعرفة وقت الصعود, والنزول على وجه التحديد, من الغيبيات. ومن ادعى معرفته فهو إما جاهل وإما كاذب. والدخول والخروج باستمرار يجعلك عرضة لتذبذب الأسواق من يومٍ إلى يوم دون أن تستفيد من تيارها الصاعد على المدى الطويل.

- لمساعدتك على النقطة السابقة، لا تمعن في مراقبة الأسواق من يوم إلى يوم. فمراقبة الأسواق تخلق الرغبة لديك في الدخول أو الخروج (ولو لا شعورياً). بل إن من الملاحظ أن الأشخاص الذين لا يراقبون الأسواق يقل تأثرهم بالخسارة من نظرائهم المداومين أمام الشاشات.

- احرص على التنويع في أوراق مالية مختلفة، وفي أسواق مختلفة، بل في فئات استثمارية مختلفة أيضاً (كالأسهم والعقارات والسلع والمعادن والصكوك والمرابحات.. إلخ). فإنّك لا تعلم الفئة أو السوق الذي سيكتب له الرواج والصعود في الفترة القصيرة المقبلة. وفي هذا الصدد من الطبيعي إجراء بعض التعديلات التكتيكية من وقت لآخر بتخفيف السوق الذي ترى أن قيمته مرتفعة وتتوقع له الانخفاض، والزيادة في السوق الذي ترى أنه أكثر جاذبية. ولكن لا تسمح لهذه التعديلات بأن تطغى على المفهوم الأساسي، وهو التنويع، ولا تجريها بتكرار شديد، بحيث لا تزيد على مرة كل ثلاثة أشهر.