لقد تعقدت الحياة الاقتصادية ، وطرأ عليها توسع كبير ، وأصبح اقتصاد التكتلات الكبرى هو السائد ما أدى إلى تعدد التخصصات وصار التسويق العمل الأهم وعين لذلك أشخاص مختصون بتسويق المنتجات والخدمات ، ولكن نتيجة لضعف الالتزام الديني والأخلاقي عند البعض ورغبة في تحقيق الربح بأي وسيلة كانت . وتحت ضغط المنافسة وتحقيق الأهداف ، ظهرت انحرافات وممارسات غير مشروعة في عملية التسويق مما جعل التسويق محل نظر وبحث لتنقيته من الشوائب وليكون أداة نفع للسوق والمستهلك .
إن ابسط تعريف للأخلاق هو التصرف بشكل منضبط مع ما هو جيد وما هو سيء أو ما هو صحيح وما هو غير صحيح ، وفق الالتزامات والواجبات المحددة سلفاً . وهذا التعريف يركز على وجود فرق بين ما هو صحيح وما هو غير صحيح أو ما هو نافع وما هو ضار ليتحدد في ضوئها معنى الأخلاق المرتبطة مع القواعد الواجبة للسلوك .
هذا التعريف وغيره يستمد مفاهيمه من المنابع الشخصية والمصادر الذاتية أو البيئة المحيطة بالفرد ، وأبرزها :
1- القران الكريم والسنة النبوية المطهرة
2- الضمير الإنساني الخيًر 3- النصائح المقدمة من الآخرين والسلوك الجيد المحتذى به 4- القواعد الأخلاقية المتفق عليها من قبل المجتمع والتي أصبحت بمثابة أعراف 5- وأخيرا القوانين والتشريعات التي تسنها الدولة للحفاظ على ما هو صحيح وتطويره نحو الأفضلإذا لماذا نحن بحاجة إلى الأخلاقيات في ظل وجود القوانين والتشريعات ؟
إن الإجابة على هذا السؤال تمتد إلى نقاط عديدة ومتغيرات كثيرة ، يمكن حصرها بما يلي :
• شيوع بعض الأعمال المضادة وغير المرغوب فيها وبما لا يتفق مع سياسة المنظمة كالرشوة مثلا ً والتي تعد ابرز الافعال اللاخلاقية التي يواجهها العاملون بالمنظمات .
• حاجة المجتمع لوضع قواعد اخلاقية لعمل المنظمات .
• سلوك الافراد او التجمعات البشرية لا يمكن ضبطه من خلال التشريعات القانوينة فقط ، لذلك تكون الحاجة لمعايير أخلاقية تحدد النمط السلوكي للافراد وبما يتفق مع القيم المجتمعية السائدة وبذلك يمكن القول ان المسؤولية الاجتماعية والدينية معبر عنها من خلال الاخلاقيات التي هي اكثر شمولية من المسؤولية القانوينة .
إن اخلاقيات التسويق تمتاز بخصوصية تبرز في جوانب من هذا النشاط وقد يفوق بتفاصيلة بقية الانشطة المصرفية الاخرى . لسبب جوهري ، وهو أن التسويق ما هو إلا الوجه الواضح من عمل المصرف في البيئة التي يتفاعل معها . وبالتالي فإن الكثير من القرارات التسويقية يمكن الحكم عليها فيما إذا كانت صحيحة او غير صحيحة اخلاقية او غير اخلاقية من قبل المجتمع بما يمتلكونه من افكار مختلفة وخبرة متراكمة .
فعندما يكون الحكم على الأنشطة التسويقية المقدمة من قبل البنوك بأنها لا أخلاقية ، فإن لهذه النظرة نتائج سلبية مباشرة تنعكس على قدرة المنظمة في إنجاز اهدافها . و فضلا عن قيام البنك بأنشطة تسويقية لا تتسم بالأخلاق والمهنية ، لا يعني فقدانا لمعدلات كبيرة من المبيعات فحسب ، بل أن المتعاملين سيرفضون التعامل معها مستقبلا ، ومن المحتمل ان تتعرض للمساءلة القانونية .
" إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ".
وعليه كان لابد من وجود الاخلاقيات في النشاط التسويقي لما تمثلة في حقيقة الامر من قدرة لإحداث التغيير في السلوك الانساني ، وبالتالي يمكن تحديد اخلاقيات التسويق بأنها : المعايير التي تحكم تصرفات المسوقين وبما يحملونه من قيم خلقية ترتبط عادة بتحديد ما هو صحيح بحيث تتجلى هذه القيم بشكل واضح بالنشاط التسويقي .حيث تكون مرشدا في تحديد إيجابيات وسلبيات المنتج أو الخدمه ، نوعية المنتج او الخدمة ، مضمون الاعلان ، إختيار منافذ التوزيع ، خدمة العملاء ، وجميع هذه المفردات تمثل في حقيقتها القيم التي يمكن ان تكون معايير للتأكد من صحة الاداء .
ونظرا لأن المسئولين في المستويات الادارية المختلفة لا يملكون الدرجة ذاتها من الحس الاخلاقي في التفاعل مع الحالات التي يتعاملون معها ، فقد وضعت قواعد و معايير مرشدة لتغطي المجالات المختلفة في النشاط التسويقي . منها :
- الاعتراف بمسئولية الفرد تجاه المجتمع ككل وحيثما تعمل المنظمة التي ينتسب اليها .
- التعهد بتقديم المنتجات والخدمات التي يتعامل بها بشكل دقيق وسليم
- التعهد بتقديم المعرفة التسويقية وبما يساهم في خدمة المجتمع وبشكل افضل
- دعم حرية العميل في اختيار ما يحتاجه من سلع وخدمات وفق المعايير النوعية المحددة لها .
- اختيار الافراد التي تناط بهم هذه الاعمال وبدقة ، وبما يعزز القدرة التنافسية للمنظمة .
- وضع نظام للحوافز، والمتابعة، والعقوبات لما له من أثر في تعزيز الموظف وإعانته على الالتزام بأخلاقيات المهنة.
وبافتراض أن قسم البحوث وتطوير الأعمال في البنك قدم منتجا جديدا ، وتم إدارجه في السوق ، ومن ثم قام البنك بحملة تسويقية نجم عنها زيادة المبيعات ، ولكن الادارة تعرف حقيقة بأنه ليس بذلك المنتج الجيد ، فما هو الموقف الاخلاقي والعمل الذي سيقوم به المدير حيال ذلك ؟
فبالرغم من كون المدراء يساهمون بطرق شتى في تجسيد اخلاقيات التسويق وعبر الانشطة المتعددة التي تؤديها إدارتهم بهدف خلق التأثير الموجب على العملاء ولرفع كفاءة الاداء التسويقي ، إلا انهم وبنفس الوقت يواجهون كما كبيرا من المشكلات الاخلاقية التي تعترض عملهم . ويمكن تصنيف هذه المشكلات الى :
- الخداع والتضليل الذي يمارسه البائع تجاه العميل .
- الضغط الذي يمارسه المدراء على المسوقين لتحقيق الأهداف البيعية بغض النظر عن مدى ملائمة المنتج او الخدمة لاحتياجات العميل .
- العمل على تحقيق الاهداف الربحية للبنك ، دون الاخذ بعين الاعتبار مصلحة العميل
- مدى الالتزام بعرض المعلومات الصحيحة والبيانات الدقيقة التي تمثل حقيقة المنتج او الخدمة ( الشفافية ).
وإزاء هذه المشاكل وغيرها فإن التساؤل هو في كيفية مواجهتها ؟
فالقول بأن القوانين والانظمة واللوائح وميثاقيات الاخلاق ... تعد مصدرا أوليا في اتخاذ القرارات الأخلاقية لمعالجة هذه المشكلات ،قد يكون مقبولا عندما تكون القوانين والانظمة واضحة وبالتالي لا توجد مشكلة في جانب المعالجة ، ولكن في الغالب يواجه مدير التسويق حالات مختلفة يكون القانون والنظام فيها موضع إجتهاد وتفسير لجوانب مختلفة . وهنا تكمن المشكلة الحقيقية في التعامل مع القانون وتفسيراته . لذلك يمكن القول بضرورة وجود أحكام اخلاقية في التسويق تبحث وتمتد الى ما هو ابعد من القانون وسياسة المنظمة ، بل حتى ابعد من ضمير الفرد او الجماعة إن لم نكن مبالغين في ذلك .
وخلاصة القول ، إن اخلاقيات التسويق وإن كانت ترتبط بالقرارات الفردية ، إلا انها تتصل بالمسئولية الاجتماعية وبمدى تأثير تلك القرارت في المنظمة أو في المجتمع . ولكون المسئولية الاجتماعية الدينية تتمثل بالتزامات المنظمة لتعظيم إيجابياتها وتقليص سلبياتها تجاه المجتمع وفي تعزيز القيم الاخلاقية بداخل المنظمة او خارجها وأعتبارها مرشدا ودليلا في السلوك والتعامل الانساني للقرارات المتخذه على مختلف الاصعدة نحو تحقيق السعادة الحقيقية لافراد المجتمع .