قبل أسبوعين، افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قمة دول مجلس التعاون الثانية والثلاثين بكلمة تاريخية قال فيها: "لقد علّمنا التاريخ والتجارب ألا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك فسيجد نفسه في آخر القافلة ويواجه الضياع، وهذا أمر لا نقبله جميعا لأوطاننا واستقرارنا وأمننا، لذلك أطلب منكم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد".
الدول الخليجية تمتلك اليوم 44% من مخزون الطاقة العالمية، التي تفوق قيمتها 800 تريليون دولار لتعادل 60 ضعفا من قيمة التجارة العالمية. قيام الاتحاد الجمركي الخليجي في يناير 2003، والسوق الخليجية المشتركة في يناير 2008، انعكس إيجاباً على التجارة البينية لدول المجلس، حيث قفز حجمها من 15 مليارا في عام 2002 إلى حوالي 65 مليار دولار في عام 2010.
الاتحاد هو عقد بشراكة استراتيجية بين طرفين أو أكثر قائم على ثلاثة عناصر أساسية: سياسة خارجية موحدة، وملكية داخلية مشتركة، وأنظمة قانونية متطابقة. وطبقا لمدى مساهمة كل طرف في الاتحاد، يتقاسم الأطراف المنافع والأرباح التي سوف تتحقق بما يحفظ مصالحهم المشتركة. وتعتبر هذه الشراكـة الاستراتيجيـة نموذجاً مثالياً للتعاون والتكامل بين كافة الأطراف، التي تتحمل جميع الأعباء والمخاطر التي تنجم عن هذه الشراكة بصفة متعادلة.
بدأت فكرة الاتحادات في أوائل عام 1980م، حيث كانت تهدف لتمكين المؤسسات الاقتصادية داخل الاتحاد من مواجهة المنافسة العاتية في الأسواق العالمية من خلال استخدام مبادئ تخفيض التكلفة أو توليد المفاضلـة أو تعزيز الهيمنة. ونتيجة لبزوغ فجر العولمة في عام 1995م قامت الاتحادات على صياغة أنظمتها بما يتماشى مع استراجيات علاقاتها الدولية المترابطة مثل التحالف الدفاعي لدول "الناتو"، أو نتيجة مركزها القيادي في الإنتاج العالمي للموارد مثل التكتل النفطي لدول "أوبك"، أو لنجاحاتها في البحث والتطوير وسرعة تجاوبها مع التنافسية العالمية مثل الاتحاد الاقتصادي لدول "آسيان".
ليومنا هذا وصل عدد الاتحادات في العالم إلى 12 شراكة استراتيجية و42 وحدة اقتصادية و63 سوقا جمركية مشتركة، منها السوق الخليجية التي أقرتها الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون في عام 2001.
الدول الخليجية، التي بدأت أعمالها قبل 32 عاماً بالتعاون فيما بينها، حققت اليوم أهدافها. في مجال المعاملة الوطنية، وصل عدد الخليجيين العاملين في الدول الأعضاء الأخرى 37,000 خليجي في القطاعات الحكومية و22,000 خليجي في القطاعات الأهلية. وتمثل دولة الكويت الجهة الأكثر استقطاباً لمواطني دول المجلس للعمل فيها، حيث بلغ عددهم 19,000 خليجي في القطاع الأهلي، وحوالي 11,000 في القطاع الحكومي.
في القطاع العقاري، وصل عدد حالات تملك مواطني دول المجلس إلى 87,000 عقار سكني وتجاري، حيث حققت الإمارات المركز الأول في استقطاب مواطني دول المجلس للتملك فيها بنسبة فاقت 43%، وجاءت سلطنة عمان في المرتبة الثانية، وحلّت السـعودية في المرتبة الثالثة تلتها البحرين والكويت وقطر.
في مجال تنقل وإقامة المواطنين الخليجيين، فقد تضاعف تنقلهم باستخدام البطاقة الذكية، حيث فاق عدد من تنقلوا بين الدول الأعضاء 16 مليون خليجي في عام 2010.
في مجال التعليم، وافق المجلس الأعلى في عام 1985 على معاملة الطلبة في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية معاملة الطلبة أبناء دول المجلس في الدولة التي يدرسون فيها. كما وافق على معاملة الشهادات الدراسية الصادرة من دول المجلس معاملة الدولة التي تتم فيها المعاملة، مما رفع عدد الطلبة الخليجيين المسجلين في الدول الأعضاء الأخرى إلى 38000 طالب وطالبة، منهم 16600 في المرحلة الابتدائية، و13000 في المرحلة المتوسطة و8400 في المرحلة الثانوية.
في مجال مزاولة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، تم في عام 2000 السماح بممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية والمهن باستثناء 17 نشاطاً، تم تقليصها تدريجياً حتى أصبحت محصورة في أربعة أنشطة هي خدمات الحج والعمرة ومكاتب استقدام العمالة الأجنبية، ودور الطباعة والنشر، والوكالات التجارية. في العام الماضي بلغ العدد التراكمي للتراخيص الممنوحة لمواطني دول المجلس لممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية أكثر من 32 ألف رخصة، حيث تمثل الإمارات الدولة الأكثر منحاً لهذه التراخيص وبمجموع تجاوز 26 ألف رخصة.
في مجال تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات المساهمة، فقد بلغ عدد الشركات المساهمة المسموح تداول أسهمها لمواطني دول المجلس 652 شركة مساهمة في 2010، وبرأسمال يصل إلى حوالي 213 مليار دولار. أما عدد المساهمين من مواطني دول المجلس في هذه الشركات فقد بلغ حوالي 527 ألف مساهم في عام 2010. وتظهر البيانات الإحصائية ارتفاع نسبة الشركات المسموح تداول أسهمها لمواطني دول المجلس من إجمالي الشركات المساهمة من 20% في عام 1985 إلى 96% في عام 2010، حيث حلت دولة الكويت في المرتبة الأولى في عدد الشركات المساهمة المسموح تداول أسهمها لمواطني الدول الخليجية الأخرى.
في العام الماضي أخذت السوق الخليجية المشتركة موقعها المتقدم بين التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم. بارتكازها على قاعدة سكانية بحجم 45 مليون نسمة، وناتج قومي تجاوز 1200 مليار دولار في عام 2010، وتجارة خارجية اقتربت من 1000 مليار دولار في العام الماضي، حققت الدول الخليجية المركز الرابع كأكبر تكتل اقتصادي في العالم بعد الاتحاد الأوروبي ودول "نافتا" لشمال أميركا واتحاد "آسيان" في جنوب شرق آسيا.
يبدو أن إعلان الملك عبد الله – وفقه الله – تحقيق رؤية الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله وهي التجمع في كيانات كبيرة ومحترمة مع المحافظة على سيادة الأقاليم. نسأل الله أن يرحم القادة مؤسسي المجلس ويحفظ من بقي ومن لحق. كنت كمواطن أتذمر من بيانات المجلس: “تأكيد – إدانة – ترحيب – استناكار…” وكلها دون قرارات جوهرية تمس حياة المواطن. لكن تبين فيما بعد أن مجرد الحفاظ على كينونة المجلس انجاز للدول الأعضاء. لاحظنا أن مجلس التعاون قام على التعاون والمعاونة ولم يحاول سحب البساط من تحت أقدام المنظمات الإقليمية الأخرى، بل عزز وجودها واحترامها.
ردد يا ليل ما اطولك اذا جف النفط ,, بنصير التكتل رقم 1