مع نهاية التقلبات الحادة الأفعوانية "الرول كوستر" التي شهدناها في عام 2011، أنهي سلسلة التقارير الأسبوعية حول آخر أخبار السلع لهذا العام باستعراض التأثيرات التي ألقت بثقلها على أداء مختلف القطاعات وبعض السلع الأساسية الفردية، ومن ثم النظر في كرة بلورية بحثاً عن أية علامات حول ما تخبئه لنا الفترة الأولى من عام 2012.
بعد الأداء القوي خلال أول أربعة أشهر، عادت من جديد أجواء الكراهية تجاه المخاطر، ممهدة الطريق لموجة من الضعف العام، كما اتجه مؤشر S & P GSCI للسلع نحو أول انخفاض سنوي (صغير) له منذ عام 2008. أنهت المؤشرات الرئيسية الأخرى مثل UBS DJ عامها بانخفاض تجاوز 13 بالمائة بسبب التعرض بنسبة أكبر بكثير لقطاعين رئيسيين عانى كل منهما من أكبر الخسائر: قطاع الزراعة وقطاع المعادن الصناعية. وفي غضون ذلك، أنهى مؤشر رويترز جيفريز CRB، وهو المؤشر الذي نميل بشكل أكبر إلى استخدامه في تقاريرنا الأسبوعية، عامه بانخفاض بلغ ما يقارب 8 بالمائة، وقد كان أداؤه متوافقاً بدرجة كبيرة مع مؤشر الأداء القياسي العالمي MSCI .
تخفي الخسائر الإجمالية بقيمة نقطة مئوية واحدة على مؤشر السلع S & P GSCI فروقاً كبيرة بين القطاعات الفرعية الأربعة. وقد شهدنا عوائد إيجابية في قطاعي الطاقة والمعادن الثمينة، في حين كانت أكثر القطاعات تضررا المعادن الصناعية تلتها الزراعة. ويمكن تفسير الأداء المُرضي نسبياً للمؤشر العام بحقيقة أن القطاعين الأكبر يشكلان 70 بالمائة من مكونات مؤشر S & P GSCI.
وعند إلقاء نظرة على السلع الفردية، سنرى اختلافات كبيرة في الأداء؛ فقد شهدت منتجات الطاقة ذات الصلة التي تمثل أكثر من نصف الأسواق المدرة للربح، وكذلك الذهب الذي احتل لفترة طويلة المركز الأول قبل تجدد عمليات البيع خلال شهر ديسمبر، أداءً متواضعاً بنسبة 10 بالمائة فقط. ونجد في أسفل القائمة بعض السلع التي كانت الأكثر تضرراً في السوق: إما بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي، مثل الكربون والقطن والنحاس، أو لكثافة العرض، وهو ما عانى منه الغاز الطبيعي والكاكاو.
الطاقة
اضطر المستهلك العالمي خلال عام 2011 إلى التعود على أسعار نفط فاقت 100 دولار. وقد بلغ متوسط سعر خام برنت 110 دولار خلال العام، وهو ما يزيد بنسبة 37 بالمائة عن متوسط السعر لعام 2010. وقد لعبت الزيادة "الضريبية" على المستهلك العالمي دوراً في تغيير النظرة العامة إلى عام 2011، كما منيت التوقعات المبكرة حول زيادة النمو الاقتصادي بالفشل وحلت محلها تجدد المخاوف بشأن حدوث الركود.
حقق سعر خام برنت ذروة بلغت 127 دولار للبرميل في ابريل عندما تركزت الأنظار بشكل رئيسي على المخاوف بشأن فقدان النفط الليبي. وقد تبع ذلك انخفاض مطرد لكنه بطيء للغاية، حيث تحول التركيز إلى قوة الدولار وأزمة الديون السيادية في أوروبا ، والتي لا تزال دون حل حتى بعد مرور عامين على نشوئها.
ومع انتقالنا إلى عام 2012، فإن المخاطر الجيوسياسية المتزايدة المتركزة بشكل رئيسي على كل من سوريا وإيران معاً، ومع وجود علامات تحسنٍ على الاقتصاد الأميركي، سوف تدعم الأسعار في حين أن المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي عموماً، والأزمة في منطقة اليورو سوف تسحب نحو الاتجاه الآخر. وسوف يواصل الدولار في لعب دور أساسي في تحديد الجهة التي ينبغي المراهنة عليها، حيث احتفظ المضاربون بالفعل بمراكز قصيرة لليورو وطويلة للدولار. إن أي تغيير يطرأ على الميول سوف يحفز من عمليات بيع الدولار الذي بدوره يدعم السلع، على الأقل على المدى القصير.
وقد استمر خام برنت عالقاً ضمن نطاق 100 و 115 دولار في الأشهر القادمةية، على اعتبار أن العوامل المعارضة المذكورة أعلاه سوف تبقيه في نطاق ضيق نسبياً.
المعادن الثمينة
ساهمت مجموعة من الأسس القوية والمشاركة من جانب المستثمرين في تحريك الذهب نحو مستويات اسمية قياسية جديدة في سبتمبر. إلا أن اندفاع الدولار والاستثمارات القائمة على الإقراض زادت من تكلفة امتلاك المعدن، وقد رضخ في النهاية إلى تصحيح كبير كافح منذ ذلك الحين للتعافي منه.
العوامل الداعمة التي تشمل الشراء من البنوك المركزية- وخصوصاً في آسيا والشرق الأوسط- و احتمال استمرار انخفاض أو سلبية أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة، إلى جانب احتمال حدوث مزيد من التدهور في الأزمة الأوروبية، سوف تستمر، وينبغي أن يساعد ذلك الذهب ليتفوق على الدولار في عام 2012.
في الوقت الراهن، يعتمد الأداء بشكل رئيسي على توقيت وإمكانية دخول الأموال الساخنة من المضاربين و "الأموال الحقيقية" المقدمة من مديري الصناديق مرة أخرى إلى السوق. وقد قلص اكبر مستهلكين في العالم: الصين والهند، مرة أخرى مشترياتهما، حيث حددت الصين مؤخراً تداولات العقود الآنية و العقود الآجلة في سوقي الصرافة الرئيسيين في شنغهاي فقط من أجل تضييق الخناق على عمليات بيع وشراء السلع غير المشروع . وقد واجهت واردات الهند صعوبات بسبب هبوط أسعار صرف الروبية مما أدى إلى ارتفاع سعر الذهب بالعملة المحلية بمقدار الثلث خلال العام.
قد يشير الفشل خلال الأسبوعين الماضيين في التحرك مرة أخرى إلى ما يفوق المتوسط على مدى 200 يوم ، والذي يبلغ حالياً 1,628 إلى وجود حاجة لمزيد من التراجع أمام المشترين المذكورين لمساعدتهم على العودة إلى السوق. وسوف أراقب عن كثب الصعود من أدنى مستوى تم تحقيقه في عام 2008 مع إغلاق أسبوعي يقل عن 1,540 دولار، مما يشير إلى خطر تحقيق مزيد من الخسائر قبل ظهور الدعم المناسب. يتزامن ذلك مع كون مستوى 1,537 يقل عن المستوى الذي يشكل مؤشراً على أن الذهب قد دخل في سوق هابطة تقنياً والمحدد بنسبة 20 بالمائة من أعلى مستوى تمكن من تحقيقه في الآونة الأخيرة.
لا تزال الفضة السلعة المتقلبة والمزاجية وعلى هذا النحو لا يمكن أن تنافس باعتبارها الملاذ الآمن. ولكن بعد تصحيح بنسبة 50 بالمائة من الارتفاع الذي بدأ في 2008 واستمر لغاية 2011، انتقلت الفضة مرة أخرى إلى متوسط سعرها مقابل الذهب المستمر على مدى خمس سنوات. وعلى هذا الأساس ستصبح سلعة جيدة للتداول نسبياً حالما يبدأ النشاط الاقتصادي في إظهار إشارات نحو الانخفاض أو الارتفاع.
المعادن الصناعية
بدأت التوقعات الاقتصادية العالمية في التدهور خلال النصف الثاني من عام 2011 وهي ذات التوقعات التي طالت المعادن الصناعية. انخفض مؤشر بورصة LME لستة معادن صناعية بنسبة 23 بالمائة، متأثراً بانخفاض النيكل والقصدير والزنك. وقد شهد سعر النحاس الذي تضاعف مسبقاً بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ 2009 توجهاً معاكساً، على خلفية شكوك بدأت تطفو على السطح بشأن توقعات النمو في الصين خصيصاً. تستهلك الصين 40 بالمائة تقريباً من المعادن الصناعية وسوف يؤدي التباطؤ إلى حدوث ضرر أكبر في القطاع يزيد عما سببته أسعار النفط السابقة (الصين تستهلك نحو 10 بالمائة فقط من الإنتاج العالمي للنفط).
إلا أن الانهيار الذي شهدناه خلال عام 2008 يبدو بعيداً عن الأنظار، وخصوصاً مع استمرار مشاكل الإمدادات، واستمرار القلق من حيث أنه حالما يتمكن النشاط الاقتصادي من النمو مرة أخرى سيتم دعم الأسعار، مما يحول التركيز مجدداً وبسرعة إلى العرض. التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة، وهي ثاني أكبر مستهلك في العالم ، بدأت بإظهار علامات تحسن، وينبغي أن يساعد ذلك أيضاً في التخفيف من حدة أي ضعف إضافي. تأثر الأداء الضعيف للنحاس بشكل كبير هذا العام بسبب غياب المشتريات الصينية نتيجة لارتفاع الأسعار وتشديد السياسة النقدية والسحب من المخزونات الفائضة التي كانت قد تراكمت على مدى العامين الماضيين. إن الانتقال من عملية السحب من المخزون إلى إعادة بنائه سوف يدعم الأسعار، لذلك فإن التوقعات الخاصة بالنحاس تبدو أفضل من غيرها مقارنة بالمعادن الصناعية الأخرى بالنظر إلى ندرة المعروض منه.
الزراعة
قوبلت الأسعار القياسية للمنتجات الزراعية في 2010/2011 باستجابة هائلة من قبل المزارعين في مختلف أنحاء العالم الذين تمكنوا من زراعة كميات قياسية من المحاصيل الزراعية بدعم من الظروف الجوية المواتية، مما أدى بدوره إلى رفع مستويات المخزون وانخفاض الأسعار لاحقاً. وساعد ارتفاع تكلفة المواد الغذائية الذي شهد بدوره ارتفاعاً في مؤشر أسعار الغذاء الخاص بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بنسبة 68 بالمائة في 2009 إلى مستوى الذروة في فبراير 2011، في تحريك انتفاضة الربيع العربي قبل أن تبدأ الاستجابة المذكورة أعلاه من جانب المزارعين بخفض الأسعار.
تمكنت الذرة فقط من إظهار عائد إيجابي خلال السنة، حيث تضرر كل من الكاكاو والسكر بشكل كبير بسبب فشل زيادة الإنتاج في تحقيق ارتفاع في الطلب، بعد تحرك أوروبا بشكل خاص نحو الركود وبسبب قوة الدولار.
وأصيب المضاربون ذوي المراكز الطويلة بخيبة أمل ويقول المحللون أن أي تغيير طفيف في المعنويات قد يساهم بسهولة في عودة المشترين. ويتعرض هذا القطاع لتوقعات النشاط الاقتصادي ولكن ستتركز الأنظار على حالة الطقس في الأشهر المقبلة. ومن المتوقع أن تكون دورة «لا نينا» الإعصارية التي أثرت على المحاصيل في أمريكا الجنوبية خلال ديسمبر بمثابة مؤشر مبكر على احتمال أن تتعرض المحاصيل لسلسلة أخرى من المتاعب مما يدعم المحاصيل الأساسية الأخرى مثل الذرة وفول الصويا. وتجدر الإشارة إلى أن محاصيل القمح تتوفر بكثرة لا سيما بعد تحسن الطقس في الاتحاد السوفيتي السابق وتحوله نحو السوق العالمية وأصبح بعدما كان يعاني من عجز في الإنتاج يمتلك فائضاً كبيرا.
على هذا الأساس، فإن أسعار القمح للعقود الآجلة التي يتم تداولها بمعدل يزيد بنسبة 25 بالمائة مقابل الذرة، مقارنة مع 1 بالمائة فقط في البيوع الآنية تبدو مكلفة نسبًيا بالنظر إلى التوقعات بالنسبة للمحصولين، ويجب مراقبته عن كثب في الأشهر المقبلة.
مخاطر ارتداد قوي للمؤشر في المدى القريب في ظل انخفاض المضاربات
خفضت صناديق التحوط وكبار المستثمرين من مستويات تعرضهم الطويل في السلع الأساسية الأمريكية إلى أدنى مستوى لها منذ مارس 2009. وحدث ذلك في الوقت الذي بدأت فيه الأسواق تستعيد نشاطها بوتيرة بطيئة في أعقاب أزمة ليمان. وتظهر أحدث البيانات انخفاض مراكز العقود الآجلة وعقود الخيار بنسبة 12 في المئة لتصل إلى 656,000 عقد وتسجل بذلك انخفاضاً بقيمة إسمية مقدارها 9 مليارات دولار أمريكي ليصل إلى 60 مليار دولار.
ومع اقتراب شهر يناير يسود الحذر في أوساط المستثمرين حيال أداء السلع الأساسية في مطلع عام 2012. ومن المتوقع أن تشهد الأسواق انخفاضاً حاداً في عمليات المضاربة وسيكون للمضاربة في المراكز الطويلة أثره الكبير على الأسعار.
وموسمياً، خلال الأعوام العشر الماضية، أظهر مؤشر S&P GSCI حركة سلبية في سبعة أعوام من أصل عشرة أعوام في أعقاب استقرار الأداء في فبراير ليرتفع ارتفاعاً كبيراً في مارس فقط. وإذا ما تكرر الوضع ستظل الأسواق حذرة عند حدوث أي أمور سلبية في القطاع نظراً لانخفاض المضاربة في صناديق التحوط.
وبذلك اختم تقريري بتمنياتي لكم جميعاً بعام سعيد ومزدهر، وبتداول آمن.