الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام , وهي عبادة من العبادات الأربع كالصلاة والصيام والحج , وقد قرنت بالصلاة في القرآن الكريم في اثنتين وثمانين آية , وجاء فرضها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .
الزكاة من هذه الوجهة العبادية تم تناولها بالتفصيل والشرح في قسم العبادات بكتب الفقه وتأتي في الغالب بعد الصلاة , و في هذه المقالة لن يتم تناول الزكاة من ناحية كونها عبادة محضة , وسيكون الحديث عن الزكاة باعتبار أن :
1- الزكاة مورد أساسي من الموارد المالية للدولة في النظام الاقتصادي الإسلامي , وهي تفرض على جميع أموال الثروة النامية , وبالتالي فهي تأتي بحصيلة وفيرة من الأموال يمكن للدولة الاعتماد عليها في تمويل التنمية الاقتصادية .
2- الزكاة هي المؤسسة الأولى للضمان الاجتماعي لكل مواطن في الدولة أياً كانت جنسيته وديانته , وهي شركة التأمين الكبرى لنجدة المنكوبين بدون سداد أقساط اشتراك .
أهمية بيان علاقة الزكاة بالاقتصاد
تبرز أهمية بيان علاقة الزكاة بالاقتصاد بعد خروج ملايين المتظاهرين في أكثر من ألف مدينة في 85 دولة حول العالم فيما يعرف إعلامياً بـ " سبت الغضب العالمي " مطالبين بإسقاط الرأسمالية , ووضع حد لاستيلاء البنوك على أموال الناس عن طريق الفوائد , والقضاء على بورصات القمار قبل أن تقضي على اقتصاد العالم , وتطبيق المعاملات المالية الإسلامية في البنوك , وتبني نظام اقتصادي عالمي جديد وعادل يعتمد على قواعد ومبادئ أخلاقية تهتم بإعلاء القيم الإنسانية والاجتماعية في توزيع الثروة والدخل قبل اهتمامها بالدولار .
كما أن ثورات الربيع العربي المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية أفرزت تحولات سياسية في العديد من البلدان العربية نتج عنها ظهور بعض الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية , من ضمن برامجها الانتخابية رؤية لعلاج المشكلات الاقتصادية تعتمد فيها على الأدوات المالية للنظام الاقتصادي الإسلامي ومن أهمها : الزكاة , والوقف , والعشور , وذلك بعد أن ثبت فشل أدوات الأنظمة الاقتصادية الوضعية سواء أكانت شيوعية أو رأسمالية أو التي تدور في فلكهما في منع حدوث الأزمات الاقتصادية المتكررة أو في إيجاد حلول لها .
الرد على الشبهة الموجهة لأدوات الاقتصاد الإسلامي
المجتمعات الإسلامية مثل كل المجتمعات تعاني من كثير من المشكلات الاقتصادية التي تسبب اضطرابات وتخلفاً وهو واقع لا سبيل لإنكاره ولا حل لهذا الواقع إلا باستخدام أدوات النظام الاقتصادي الإسلامي .
الذين يعارضون حل مشاكلنا الاقتصادية باستخدام أدوات النظام الاقتصادي الإسلامي لديهم شبهة أساسها مفهوم خاطئ , مفاده أن النظام الاقتصادي الإسلامي مؤسس بالكامل على الصدقات التطوعية والتبرع بما تحمله لهم هذه الكلمات من معاني الاختيار والدونية .
بمعنى أنهم لا يتصورون كيف يتم حل المشاكل الاقتصادية في الدولة الحديثة بالاعتماد على أدوات غير ملزمة وسدادها قائم على التبرع والشفقة من المعطي وفيه إذلال للآخذ .
الرد على هذه الشبهة يكمن في أن للنظام الاقتصادي الإسلامي أدوات كثيرة أولها وأهمها الزكاة , وهي إلزامية وليست مجرد إحسان فردي حسب رغبة الإنسان , والدولة مسئولة عن جمعها وإنفاقها في مصارفها , وتتجلى هذه المسئولية في الأمر الموجه من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم باعتباره قائد الدولة الإسلامية الأولى فى قوله تعالى : " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " التوبة 103 .
والزكاة متكررة كلما حال الحول , وأوعيتها تتميز بالتنوع مما يجعلها تغطي كافة عناصر الثروة والدخل فنجدها تشمل النقدين الذهب والفضة وما في حكمهما من أثمان ونقود سائلة , وعروض التجارة , والزروع والثمار , والثروة الحيوانية , والركاز كالمعادن والكنوز والبترول وكل ما يستخرج من باطن الأرض , والثروة البحرية كاللؤلؤ والمرجان , وكل ما يجد في كل عصر مما يعتبر ثروة ودخل .
معدلات الزكاة مختلفة فتفرض بمعدل 2,5% , 5% , 10% , 20% والاختلاف في معدلاتها يرجع إلي مراعاة تكاليف الإنتاج والجهد البشري المبذول في الحصول على الثروة أو الدخل , ليس هذا فحسب بل أن الثروة إذا تحولت إلى أصل رأسمالي منتج يتم فرض الزكاة على الناتج وليس على الأصل الرأسمالي , وفي ذلك إعجاز تشريعي واقتصادي فيه حفاظ على الأصول الرأسمالية التي يقوم عليها الإنتاج بما يضمن الاستقرار والتقدم الاقتصادي المضطرد , وهذا يؤدي بدوره إلى تراكم رأسمالي جديد يساهم في توفير فرص عمل جديده في المجتمع .
معلوم أن الزكاة حق لكل فرد في المجتمع ألجأته الظروف للاحتياج إليها , وللفرد أن يطالب بحقه لدى المجتمع ولا يكون ذلك من قبيل الإحسان ولا أدل على ذلك من قول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه " عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه " .
بعد هذا العرض الموجز عن الزكاة يتبين أن النظام الاقتصادي الإسلامي يعتمد على أدوات إلزامية وأخرى تطوعية , ولا يجب الخلط بينهما لأن لكل منهما مجاله في دفع النشاط الاقتصادي نحو التقدم وتحقيق العدالة الاجتماعية , والزكاة إلزامية للمسلمين للدرجة التي تصل إلي وجوب مقاتلة مانعيها حتى يؤدوها كاملة , أما مسألة شعور الأفراد بالدونية عند أخذهم للزكاة من الأغنياء فقد تبين أن مسئولية جمع الزكاة من الأغنياء وإيصالها إلى المستحقين تقع على عاتق الدولة باعتبارها الطرف الضامن لحقوق جميع المواطنين , ويأتي هذا في سياق حفظ كرامة الفرد ومراعاة شعور أبناء المجتمع .
أوجه تميز الزكاة عن الضريبة
البعض لديه تصور خاطئ بأن الزكاة والضريبة اسمين مترادفين لشئ واحد نظراً للتشابه بينهما في بعض الأمور العامة كالإلزام , ومسئولية السلطة الحاكمة " الدولة " عن التحصيل والإنفاق , وانعدام النفع الخاص لدافعها , وحقيقة الأمر أن هناك تباين واختلاف تام بين الزكاة والضريبة من نواحي عديدة أهمها :
1- الزكاة فريضة من الله يتقرب بأدائها المسلم إلى الله طلباً للطهارة والنماء والبركة , والزكاة لا تسقط بإهمال الحاكم لتطبيقها , ولا تأخر الجابي عن تحصيلها , ولا بمرور السنين . بعكس الضريبة المفروضة من الحكومة تجب بطلب الحكومة لها وتسقط بعدمه .
2- أنصبة الزكاة محددة من الله لكل مال وعفى عما دون النصاب , والمقادير الواجبة في أنصبة الزكاة من خمس 20% إلى عشر 10% إلى نصف العشر 5% إلى ربع العشر 2,5% ثابتة ومحددة من الله , لا يحق لأحد أن يلغيها أو يعطلها أو يغير فيها أو يبدل , ولا يزيد أو ينقص . عكس الضريبة التي تخضع في وعائها وأنصبتها ومقاديرها الثابتة أو التصاعدية لإرادة السلطة الحاكمة التي يحق لها أن تبقيها أو تلغيها وفقاً لتقديراتها المطلقة .
3- مصارف الزكاة محددة وواضحة عينها الله في القرآن الكريم في قوله تعالى : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " التوبة الآية 60 , وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله , وهذا يجعل المسلم يستطيع توزيع زكاته بنفسه إذا لزم الأمر , كما أن ميزانية الزكاة منفصلة عن الميزانية العامة للدولة , ويتم الصرف منها على الأصناف المنصوص عليها فقط دون غيرها . وبذلك تختلف عن الضريبة التي تدخل في الميزانية العامة للدولة وتخضع لمبدأ عمومية الصرف .
4- الربط بين تحصيل الزكاة ومصارف إنفاقها في نفس المكان يجعل الأفراد يتابعون حصيلتها وطريقة إنفاقها وآثارها ومقدار مساهمتها في إصلاح الخلل الاجتماعي والاقتصادي , فيدفعونها طوعاً ولا يتهربون منها . أما الضريبة فيتم تجميعها وتذهب إلى الموازنة العامة للدولة , وقد تجمع في منطقة وتصرف في مناطق أخرى لا يشعر بآثارها دافعها , وفي الغالب يكون الاهتمام في الصرف على مراكز المدن الكبرى وأماكن الأغنياء , وإهمال المناطق البعيدة والأماكن التي يسكنها الفقراء مما يجعل الأفراد يتهربون من دفعها .
5- نفقات جمع الزكاة لها سقف أعلى يجب عدم تجاوزه وهو متمثل في حصة العاملين عليها , وهم صنف من ثمانية أصناف أي أن نصيبهم 12,5% من حصيلتها , وفي الغالب تقل النفقات عن ذلك بكثير لوجود متطوعين يريدون الثواب والأجر من الله . وهذا لا يتوفر للضريبة .
6- الجانب التعبدي في الزكاة يجعل الأفراد يؤدونها طوعاً مما يقلل من حالات التهرب , هذا بخلاف أن الزكاة لا يمكن التهرب منها بنقل عبئها إلى الآخرين كما في الضرائب .
الضرائب " والمكوس " في الإسلام
المكس يعني الظلم والنقص وهو الضريبة التي تفرض على الناس بغير حق , ويسمى آخذها ماكس أو مكاس , وقد وردت المكوس في عدة أحاديث نبوية كمرادف للضرائب , حيث أن الضرائب لم ترد في القرآن , ولا في السنة النبوية وعرفت بعد ذلك .
لا شك أن فرض الضريبة على المال اعتداء على الملكية بدون دليل شرعي , وفرض ضرائب جديدة بجانب الزكاة ليس له سابقة عملية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم , ولا في عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم .
فالإسلام احترم الملكية الخاصة وصانها من الاعتداء ، ويدل على ذلك قوله تعالى : " وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون " البقرة 188. وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا " رواه البخاري .
كما أن المشهور عند الفقهاء أن لا حق في المال سوى الزكاة , وبالتالي فلا يجوز فرض ضريبة على المال , ويعدون الضرائب من المكوس المنهي عنها في الإسلام .
• الإمام الشوكاني في نيل الأوطار يقول : صاحب المكس هو من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس بغير حق .
• جاء في كتاب الكبائر للحافظ الإمام شمس الدين الذهبي : المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات , وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده ، وتكرر ذلك منه ، وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها ، وصرفها في غير وجهها .
• العلامة الألباني يقول : الضرائب هي مكوس وهي مما لايجوز في الإسلام .
• يقول الدكتور/ سفر الحوالي : المسلم لا يحل أن يؤخذ منه عشر ولا مكس ولا ضريبة , وإنما جعل الله تبارك وتعالى في ماله الزكاة وفيها الكفاية لإصلاح حال المسلمين .
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذم أهل المكس وهي الضريبة حيث قال : " إن صاحب المكس في النار " رواه أحمد , وقال أيضا : " لايدخل الجنة صاحب مكس " رواه أبو داود , وقال أيضا في توبة المرأة الغامدية الزانية : " يا خالد بن الوليد ، فوالذي نفسي بيده ، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " رواه مسلم , وهذه الأحاديث تدل على أن المكس وهو الضريبة المفروضة على الأموال إثم عظيم وعليه يجب عدم فرض شئ منها على المسلمين .
هنا يجب ذكر حديث الأعرابي الذي سأل عن أركان الإسلام الخمسة ثم قال وهل علي غيرها ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا إلا أن تطوع ثم قال أفلح إن صدق " رواه البخاري , تأتي أهمية ذكر هذا الحديث بعد الأحاديث السابقة لأن فيه رد قاطع بأنه ليس في المال حق سوى الزكاة المفروضة إلا أن يكون ذلك على سبيل التطوع الذي لا إجبار فيه .
إذا كان الأمر كذلك فهل يجوز للحاكم أو الدولة فرض الضريبة بجانب الزكاة , وخاصة عند الأزمات والشدائد ؟ وبمعنى آخر هل تعفي الزكاة دافعها من أية التزامات مالية أخرى أم أنها الحق الأساسي ولامانع من تشريع حقوق أخرى بجانبها ؟ وماذا تصنع الحكومة إذا جاءت إيرادات الزكاة محدودة بينما الدولة تحتاج إلى أموال كثيرة للدفاع والحرب ، والبحوث العلمية , وتنمية المجتمع , وإقامة العدل , وتغطية النفقات العامة للدولة ؟ .
رأي الفقهاء المجيزين للضريبة بشروط وضوابط
فرض الضريبة تتباين فيه آراء الفقهاء قديماً وحديثاً بين مانع ومجيز بشروط وضوابط , وقد تقدمت أدلة المانعين , ولم يتبقى إلا أدلة المجيزين بشروط وضوابط أعرضها فيما يلي :
• أن التضامن الاجتماعي فريضة تدل عليه النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة .
• يقول الدكتور/ القرضاوي : قواعد الشريعة كقاعدة " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " وقاعدة رعاية المصالح ودرء المفاسد , وقاعدة الغرم بالغنم ، حيث الفرد يستفيد من وجود الدولة وقوتها وهيبتها فلابد أن يكون لذلك مقابل .
• جاء في أحكام القرآن للقاضي ابن العربي وفي التفسير الكبير للرازي : وعلى الملك فرض أن يقوم بحماية الخلق بحفظ بيضتهم , وسد فرجتهم ، وإصلاح ثغرهم من أموالهم التي تفي عليهم حتى لو أكلتها الحقوق وأنفقتها المؤن واستوفتها العوارض لكان عليهم جبر ذلك من أموالهم .
• فتوي العز بن عبد السلام بائع الملوك وسلطان العلماء : في أيام قطز بمصر بجواز الأخذ من الرعية للاستعانة به على جهاد العدو بشرط أن لا يبقى في بيت المال شئ ، ويبيع الأمراء مايملكون من الحوائص " الألبسة المذهبة الغالية " والآلات النفيسة , ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه ويتساووا هم والعامة , أما أخذ الأموال من العامة دون الأمراء والجند فلا .
يتبين من كل ما تقدم أن الأصل هو عدم جواز فرض ضرائب , ويستثنى من هذا الأصل حالات الضرورة والحاجة الملحة للدولة , وبشرط أساسي عدم كفاية حصيلة الزكاة المفروضة , إذ لا يستقيم للدولة المسلمة تعطيل الفريضة التي شرعها الله عز وجل لإغناء خزينة الدولة , ثم تشرع ضريبة تجبر الناس عليها بدعوى الحاجة إلى المال وأنها تريد بذلك تحقيق المصلحة !! لأن المصلحة قد حققها الله بشرع تم الإعراض عنه .
شروط فرض الضرائب " القواعد العامة للتوظيف في أموال الأغنياء "
مع التأكيد على أن الأصل هو منع فرض الضرائب والاستثناء هو جوازها , لابد أن يكون هذا الاستثناء في إطار الشروط والضوابط التي قررها الفقهاء كقواعد عامة للتوظيف في أموال الأغنياء :
1- التوظيف مسئولية ولي الأمر , ومسئولية على ولي الأمر أمام الله .
2- ولي الأمر الذي يعطي الإسلام له حق التوظيف مفترض فيه أن يكون مقيداً بمراسم الإسلام , مؤيداً بموافقة مناظم الأحكام .
3- التوظيف هو آخر ما تلجأ إليه الدولة لسد حاجاتها المالية , ويعني هذا أن تكون الزكاة قد أعملت على النحو الذي قال به الشارع .
4- التوظيف يكون عند خلو بيت المال , ولا يجوز التوظيف في غير هذه الحالة .
5- التوظيف يكون عند قيام حاجة حقيقية في المجتمع الإسلامي , ولتحقيق مصلحة يعتبرها الشارع وهي محددة في : قتال الإعداء " الجهاد " , والتضامن الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء , تحقيق مصلحة عامة ضرورية للمجتمع كالأمن والصحة وشبكات الري والجسور.
6- لا بد من موافقة أهل الشورى والرأى من العلماء على التوظيف .
7- التوظيف يكون بقدر ما يسد الحاجة , وتحصل به الكفاية مهما استغرق ذلك من الأموال .
8- التوظيف مشروعيته تقع على الغلات والثمرات وضروب الزوائد والفوائد .
9- يجب توزيع أعباء التوظيف بالعدل , وأن يكون على قادرين على الدفع دون المحتاجين , ويراعى في ذلك من كثر ماله وقل عياله .
10- التوظيف عندما يصبح مشروعاً يجب استخدامه في الغرض الذي من أجله شرع .
11- التوظيف فرض مؤقت ومقيد بالحاجة فإذا انتفت أزيلت الضريبة .
12- الضريبة لا تغني عن الزكاة لاختلاف كل منهما في المصرف والنية .
دور الزكاة في تحقيق التكافل الاجتماعي
• أساس بناء المجتمع في الإسلام يقوم على تربية روح الفرد والاهتمام بشخصيته وعلاقاته الاجتماعية فينظم هذه العلاقات دون صدام بينها , ويتجسد ذلك في المؤاخاة والمواساة والنصيحة والمحبة وكرم الضيافة وصلة الأرحام , والزكاة تترجم كل هذه المعاني السامية إلى واقع عملي ينقل بعض أموال الأمة من أغنيائها إلى فقرائها في صورة مبهرة لإعادة توزيع الدخل تحقق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع .
• بجانب الآثار التوزيعية للزكاة في تحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع , فإن سهم الغارمين له دوراً هاماً لا غنى عنه في تعويض المنكوبين وأصحاب المصائب والأزمات والظروف الاستثنائية سواء أكانت مصائب شخصية أم أزمات تحيط بالمجتمع كله , وفي هذا حفاظ على ماتم تحقيقه من إنجازات اقتصادية وإنمائية , وطمئنة للنفوس ودفع الخوف والقلق عنها من غوائل المستقبل وفي ذلك توفير للمناخ الملائم لعملية التنمية فينطلق الأفراد للعمل في أمن وأمان لتحقيق مزيد من الرخاء .
• رغم أن الأصل في الزكاة أن توزع في بلد المال الذي وجبت فيه , فإن من المتفق عليه أن أهل البلد إذا استغنوا عن الزكاة كلها أو بعضها لانعدام الأصناف المستحقة لها , أو لقلة عدد المستحقين لها , او لوفرة مال الزكاة جاز نقلها إلى أقرب البلاد إليها , وفي ذلك أسمى آيات التكافل ليس بين أفراد المجتمع أو البلد الواحد وإنما بين المسلمين كافة فإنهم إخوة في الدين لا يجوز ظلم أحدهم أو التقاعس عن كفالته إذا ما نزلت به مصيبة أو كارثة .
دور الزكاة في تحفيز النشاط الاقتصادي
الزكاة فريضة لها أبعادها ووظائفها وليست ضريبة , حيث الضريبة تثبط النشاط الاقتصادي , والزكاة تحفز النشاط الاقتصادي من عدة طرق :
• تحفيز النشاط الاقتصادي عن طريق زيادة " الطلب الفعال " فأخذ الزكاة من الأغنياء الذين يكون الميل الحدي للاستهلاك لديهم منخفضاً , ودفعها إلى الفقراء والمساكين الذين يكون الميل الحدي للإنفاق لديهم مرتفعاً , يؤدي إلى زيادة الطلب الفعال على السلع الاستهلاكية ورواجها , وهذا بدوره يحفز زيادة الإنتاج وارتفاع الدخل القومي.
• تحفيز النشاط الاقتصادي عن طريق دعم " تيار الاستثمار " وذلك من خلال تعريض الثروات المكتنزة التي لا تساهم في الدائرة الإنتاجية للتآكل على مر السنين بفعل الزكاة , مما يدفع أصحاب هذه الثروات إلى إخراجها من دائرة الاكتناز والدفع بها في مجال الاستثمار الذي ينعش الاقتصاد ويقضي على البطالة .
• تحفيز النشاط الاقتصادي بتوفير " أدوات الإنتاج " فالمجتمع المسلم يضمن حد الكفاية لجميع أفراده أياً كانت جنسياتهم ودياناتهم , ولا يتحقق هذا المطلب الشرعي إلا بتوفير الأدوات الإنتاجية اللازمة للقيام بالعمل المحقق للدخل .
وقصة الأنصاري الذي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله حقه في الزكاة , فوجد فيه قوة في الجسم ووفرة في الصحة وقدرة على العمل , فطلب ممن حوله من الصحابة رضوان الله عليهم أن يجهزوا هذا الفقير ليحتطب ويأكل من عمل يده , وساهم الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في تجهيز القادوم , هذه القصة فيها حث على دعم وتشجيع المشروعات الصغيرة وتوفير أدوات الحرفة لأصحاب المهن مهما بلغ ثمنها ليحققوا حاجاتهم الأساسية , ويساهموا في تنمية النشاط الاقتصادي .
• تحفيز النشاط الاقتصادي بالحفاظ على " رأس المال البشري " وذلك لأن العنصر البشري هو القائم على عملية التنمية , والمستفيد منها لأن هدف التنمية الأساسي هو إشباع حاجات البشر , والزكاة حينما ترفع مستوى معيشة الفقراء والمحتاجين من أفراد المجتمع بتوفير حد الكفاية لهم من غذاء وملبس ومسكن وأمن وتعليم وصحة , فإنها تسهم في تحسين نوعية رأس المال البشري وترفع من إنتاجيته , ويظهر أثر ذلك في زيادة معدلات نمو النشاط الاقتصادي .
ما تقدم قليل من كثير وغيض من فيض فالزكاة هذه الفريضة العظيمة كتبت فيها مجلدات وما زالت محتاجة إلى العديد من المؤلفات , وكل يوم يتبين للعالم عظمة التشريع الإسلامي , وأنه صالح لكل زمان ومكان وفيه خيري الدنيا والآخرة , ويشهد على ذلك مخالفيه .
هذه المقالة خطوط عريضة أهديها إلى الحكام والمحكومين والبرلمانات والأحزاب للاسترشاد بها عند وضع السياسات الاقتصادية والمالية للدولة , وأخص بالذكر مصرنا الحبيبة لأنها على أعتاب تحول ديموقراطي حقيقي في ظرف استثنائي , يتطلب تضافر الجهود ووجود رؤى اقتصادية واضحة من البداية مبنية على مبدأ التوكل على الله ثم الاعتماد على الإمكانيات الذاتية , دون اللجوء للاقتراض إلا لضرورة قصوى وفي أضيق الحدود .
فمن العيب أن نتسول أموالاً من الخارج ولدينا من الخيرات والإمكانيات والموارد المادية والبشرية التي أوجدها الله في بلادنا الكثير .
والأشد عيباً أن نتسول أنظمة اقتصادية ومالية ثبت فشلها في بلدانها , فقد سقطت الشيوعية وملايين المحتجين حول العالم يطالبون بإسقاط الرأسمالية بعد أن سببت لهم أزمات اقتصادية ومالية عالمية متكررة كان آخرها في عام 2008 ولا يعرف أحد نهاية لها .
ومن المخجل أن يقف المسلمون حيارى بين هؤلاء وهؤلاء بعضهم يتصور أن الضرائب التصاعدية كما في النظام الرأسمالي ستنهي عجز الموازنة , والبعض يتبنى الاتجاه اليساري لتحقيق العدالة الاجتماعية , والبعض يشير إلى أنه لا يوجد مايسمى نموذج محدد للاقتصاد الإسلامي , وأن الأمر يعتمد على منطلقات فكرية تتركز على التنمية البشرية والخبرات والتجارب الإنسانية , وكأنما ليس لدينا منهج ينظم لنا كل نواحي الحياة بتفاصيلها قال تعالى : " وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ " النحل 89 .
أرجو أن تسهم هذه المقالة بقدر متواضع في توضيح الفكر الإسلامي للجانب الاقتصادي والاجتماعي لفريضة الزكاة , وأن تقنع الذين سيقومون على أمر التشريع في مصر بأن الاقتصاد الإسلامي أعدل وأكمل وأمثل ويغني عن تبني القوانين والأنظمة الاقتصادية الأخرى التي ثبت فشلها .
لقد أثبتت الأزمة العالمية حصانة وكفاءة وقوة الأصول والأدوات المالية الإسلامية .. وما توجه البنوك نحوها إلا دليل على ذلك ، في ظل انحسار وتراجع الأدوات المالية التقليدية وضعف أو انعدام الثقة بها . تأصيل عملي اقتصادي رائع أستاذ عبدالفتاح
د. إبراهيم البنوك توجهت نحو الأدوات المالية الإسلامية لا حباً بها ولا إيماناً بصحتها، بل لإستغلال الإنسان المسلم واللعب على العواطف، وكان الأحرى بك أنت وكاتب المقال أن تكونوا على دراية بذلك لا مجرد ترديد كلام العوام وإلصاق الطابع العلمي على تجارب غير مؤصلة تأصيلاً علمياً ولم تخضع لتجربة كافية، هداكما الله إلى طريق الصواب.
مقال عميق ومفيد جدا