من المرتقب الإعلان عن الميزانية العامة للمملكة العربية السعودية، وسيرافقها كلمات مثل أضخم دخل وأكبر إنفاق حكومي كما هي فعلا. ولكن هل بالفعل يمكن استمرار هذه الوتيرة من الزيادة في الإنفاق الحكومي؟ فأعداد السكان في زيادة مستمرة، واحتياجاتهم المعيشية الأساسية تزداد بوتيرة أسرع. كل هذا مؤداه أن الإنفاق الحكومي سيستمر في التزايد بشكل مطرد، مع وجود مصدر دخل وحيد.
الترشيد من جهة يعد حلا لتقليص الفجوة الحاصلة بين الزيادة في عدد السكان وزيادة استهلاكهم من الموارد. فالنمو السكاني ما بين الأعوام 2004 و2010 بحسب مصلحة الإحصاءات وصل إلى 3.4% سنويا. في حين أن استهلاك المياه والكهرباء في نفس الفترة ازداد بوتيرة فاقت 7%، مما زاد من حصة الفرد من هذين المنتجين الحيويين، وأيضا زاد من كمية إهدارهما. وقد تحدث الأستاذ سعود الأحمد باستفاضة في صحيفة الشرق الأوسط حول موضوع ضرورة تخفيض تكلفة تحلية المياه وأبدى رأيه في كيفية تقليص الهدر المرافق لها عن طريق استحداث شرائح مختلفة للاستهلاك.
بهذه الطريقة سيتحمل المواطن جزءا كبيرا من المسؤولية، وبالتالي يخفف العبء على ميزانية الدولة. فبحسب الأرقام الحالية للاستهلاك في قطاعي الكهرباء والماء فقط، فإن الدولة بحاجة لاستثمارات لا تقل عن تريليون ريال على مدى العقدين القادمين، فقط لتلبية حاجة السكان المتنامية. بالطبع سيتضاءل الرقم حال توزيعه على عشرين ميزانية، ولكنه لن يتوقف في الزيادة، بل ستتحول أرقامه إلى تكاليف مفجعة خلال أعوام قليلة. كما أن هذا العبء لا يتحمله الإنفاق الحكومي فقط، بل يمتد حتى استهلاكنا المحلي من النفط الذي يتوقع أن يصل إلى 8 ملايين برميل يوميا خلال عقدين بحسب الرئيس التنفيذي لأرامكو.
إذن، فكما أن الطاقة النووية والمتجددة تشكلان جزءا من الحل لتخفيض استهلاكنا النفطي المحلي، فإن الترشيد وتسعير هذه السلع الرئيسية بتكلفة قريبة من تكلفتها الحقيقية سيساعدان على تقليص الفجوة بين النمو المرتفع على الطاقة والمياه والنمو في عدد السكان. فمن غير المعقول أن تكون تكلفة نقل البضائع من الدمام إلى جدة أرخص باستخدام الشاحنات عوضا عن النقل البحري بسبب الدعم الحكومي لسعر الديزل! ولذلك فإن تسعير المواد الاستهلاكية الأولية بتكلفتها الحقيقية سيخفض من الاستهلاك المصطنع الذي ينخفض كثيرا عن نقطة تعادل تقليص الدعم لكافة المواد الأولية الاستهلاكية، وخصوصا المحروقات، سيتيح للميزانية التركيز على الإنفاق المنتج. صحيح أن دخل المواطن سيتأثر سلبا برفع الدعم، ولكن هذا التأثير محدود بكمية استهلاكه التي ستتقلص حتميا مع ارتفاع الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، فإن توجيه الإنفاق الحكومي إلى مشاريع منتجة سيساعد على خلق المزيد من الوظائف ورفع كفاءة الاقتصاد، مما سينعكس إيجابا على الدخل الحقيقي للمواطن. بهذه الطريقة تبدأ الميزانية العامة في الابتعاد تدريجيا عن الإنفاق الحكومي الريعي، ويتحول الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد منتج.
ما شاء الله يا اخي مقترح رائع جدا , نرفع سعر الاساسيات للمواطن و نعطي بزران بالرابعة قصور و خدم. امحق تحمل مسؤلية.
> فإن الدولة بحاجة لاستثمارات لا تقل عن تريليون ريال على مدى العقدين القادمين، كيف دول كثيرة أقل ثروة من السعودية استطاعت بناء بنى تحتية قوية للماء والكهرباء والصرف وغيره؟ سؤال بريئ لعل الإجابة عليه تنفي أو تؤكد مثل هذه المخاوف.
الله رحمنا بارتفاع الدخل الحكومي مع الانفجار السكاني التي تعتبر ربما اعلى معدل نمو سكاني في العالم. يجب عدم رفع الرواتب لأنها ستكون عبئ على المدى الطويل. أما الانفاق فمتوقع ان لا يستمر بهذا المستوى بعد انتهاء كثير من المشاريع. لكن حل موضوع المياه ليس بزيادة اعباء المواطن لأن هذا "مخرج سهل" ورمي بالمسؤولية على الغير. فتنعدم وقتها المحفزات للاستثمار في التقنيات الحديثة من طاقة شمسية وغيرها.
ايضا يجب رفع سعر البنزين. أكثر من يستفيد من الخفض هم الشركات واصحاب شركات تأجير السيارات واصحاب السيارات الفارهة. يجب رفع السعر. والمواطن المحتاج فعلا يعطى بطاقة تخفيض. بكذا وفرنا كثيرة على الدولة ودعمنا المحتاج وليس الشركات واصحاب السيارات الفارهة.
الأخ شارب السؤال ليس في امكانية البناء، بل حجم البناء المطلوب مع الزيادة السكانية المطردة
الأخ مستثمر باحث على العكس تماما، فرفع الدعم عن المياه والكهرباء والوقود يفتح المجال أمام الاستثمار الخاص وبالتالي مشاريع البحث والتطوير التي تؤدي إلى رفع الكفاءة وخفض التكلفة كما التنافس
استاذ صلاح, نعم هذا منطقي بشرط ان يقترن بالخصخصة. فالعبرة بالخصخصة وليس وضع شرائح للاستهلاك (كحل مستقل) - والثاني هو ما فهمته من المقال ولعلي اسأت الفهم. أما خفض التكلفة على الحكومة, وفي المقابل عدم فتح المجال امام الاستثمار الخاص.. فنكون لا استفدنا من مزايا هذه ولا تلك.
عندربكم تختصمون
ولتوضيح ردي #3 (المختصر والناقص) حول عدم رفع الرواتب.. كنت أقصد ان يتم رفع سعر صرف الريال بدلا عن عن رفع الرواتب. لأنه غير معقول ان "نلاحق" انخفاص العملة" برفع الرواتب. وفي الفترة السابقة فقد الريال أكثر من نصف قيمته مع نزول الدولار. مما يعني زيادة الاسعار بمقدار الضعف. وهذا يشمل العقارات -- فهي حافظة للقيمة -- وما نستورده من الخارج من بضائع وخدمات. غير معقول ان نحاول كل مرة تعويض نزول القوة الشرائية للريال بزيادة الانفاق ورفع الرواتب خاصة وان الريال يستحق ضعف سعره الحالي. واستغرب حديث بعض المتخصصين عن كون ذلك سيتسبب بخفض لدخل الحكومي عند التحويل من دولار الى ريال. لأنه وان كان عدد الريالات أقل, الا ان القوة الشرائية ازدادت وهذا ما يهمنا وليس فقط عدد الريالات (كرقم). وآسف ان خرجت عن الموضوع قليلا.
ههه أخي حمد بالعكس كلامه مقنع وهناك اتفاق ولله الحمد.
> واستغرب حديث بعض المتخصصين عن كون ذلك سيتسبب بخفض لدخل الحكومي عند التحويل من دولار الى ريال. لأنه وان كان عدد الريالات أقل, الا ان القوة الشرائية ازدادت وهذا ما يهمنا وليس فقط عدد الريالات (كرقم). مستثمر باحث، الدخل الحكومي من الخارج هو بالدولار نتيجة بيع البترول. إذا أعدنا تقييم الريال مقابل الدولار إلى مثلاً 3 ريال للدولار، فالحكومة لا تزال تستلم دولار وهذا لا يغير شيئ في دخلها بالدولار، ولكن الحكومة طبعت وتطبع كميات كبيرة من الريالات وهي عبارة عن إلتزام على الحكومة (لايابـيـليــتي)، وبعد إعادة التقييم ستضطر الحكومة إلى بيع ما لديها من دولارات مقابل 3 ريال فقط (بدلاً من 3.75 في السابق)، وهذا فيه خفض لدخل الحكومة. يعني إعادة التقييم هو عبارة عن طلب تخفيض من الحكومة على سعر الدولار، بدلاً من بيعه علينا بـ 3.75 ريال، نريده أن يكون بـ 3 ريال، مثلاً. كون القيمة الشرائية للريال ترتفع، هذا صحيح للأفراد والشركات ولكن ليس للحكومة ولا لمن أصوله مقومة بغير الريال، فهم يخسرون بشكل مباشر.
أخي شارب أنا مع الأخ مستثمر في عدم جدوى رفع الرواتب، فالتحول من الاقتصاد الريعي إلى المنتج سيرفع متوسط الرواتب بشكل تلقائي بدون عبء على الميزانية (كما حصل في تركيا). أما فيما يخص إعادة تقييم الريال أمام الدولار فهو موضوع متشعب وشائك. وحتى الآن لم أحس وجهة نظري فيه، فكما ذكرت أنه مفيد للأفراد، ولكن هل يساعد في تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد منتج؟ ما زلت أبحث في هذه النقطة. ولكم جميعا جزيل الشكر على تفاعلكم المثمر
وأنا معكم كذلك في عدم فائدة رفع الرواتب، بل إنه خطأ كبير ولكنه قرار شعبي جذاب. إعادة تقييم الريال قد يساعد في دفع عجلة الاقتصاد من حيث إنه يحسن من دخل الأفراد وبالتالي يرفع من مستوى إنفاق المستهلكين ويخفض بشكل عام القيمة الإسمية للأسعار، فأثره إيجابي، ولكن الحكومة تدفع الفاتورة. لاحظ لو كان سعر الصرف معوم لتمت عملية أعادة تقييم الريال بشكل تلقائي نتيجة العرض والطلب... يعني الريال ممسوك بشكل إصطناعي الآن.