تأتي هذه الانتخابات في شتاء عام 2012، لتذكرنا بالبدايات، عندما كنّا صغاراً في المرحلة الثانوية، ونحن نشاهد الآباء والأخوة الكبار يذهبون إلى المدارس في يناير أو فبراير في عام 1962 لانتخاب المجلس التأسيسي، وعام 1963 لانتخاب المجلس التشريعي، ومجلس الأمة، الأول في تاريخ الحياة الدستورية في الكويت. كانت أعداد الناخبين قليلة آنذاك، وعدد سكان الكويت من المواطنين لم يتجاوز المائة وستين ألفاً، وكانت الانتخابات تقتصر على الذكور من المواطنين الذين بلغوا الحادية والعشرين من العمر.
الآن الأمور تغيرت، هناك ما يقارب 1.3 مليون كويتي وكويتية، منهم ما يقارب 400 ألف ناخب وناخبة. كذلك تطورت أوضاع البلاد وزادت نسبة المتعلمين وأصحاب الشهادات الجامعية، بالإضافة إلى تزايد المشكلات العصرية، وتلك التي نشأت عن التطور الديموغرافي التقليدي والطبيعي، أو المشاكل الناتجة عن التحولات الاقتصادية وتكريس قيم مجتمع الرعاية والريع. بيد أن الذي لم يتغير هو استمرار إدارة الأمور بموجب معايير متخلفة وغير مواتية للمعالجة الناجعة لأي من هذه المشاكل والمعضلات.
لا نزال نراوح في معالجتنا لقضايا التنمية البشرية، ونعلم بتخلف أدوات وآليات النظام التعليمي ولا نقوم بإصلاحها، كما تفعل الدول ذات الأنظمة السياسية الحية والفعالة. ومن المؤسف أن التعليم والتنمية البشرية يخضعان للمعايير والاعتبارات السياسية غير السوية، بما يكاد يقضي على كل إمكانات التطوير والارتقاء بجودة مخرجات المؤسسات التعليمية.
ولا شك أن ما أشرت إليه بشأن التعليم يمثل، بتقديري المتواضع، أهم أزمة وجودية للكويت، حيث أنهم لا يملكون بعد ثروة النفط سوى عقولهم وقدراتهم وإمكاناتهم في تطوير مداركهم الثقافية والمهنية، وإذا علمنا أن %51 من المواطنين تقل أعمارهم عن العشرين عاماً، وأن البلاد لا تزال تعتمد على قوة عمل وافدة تهيمن على كل الأنشطة الحيوية، فإن ناقوس الخطر يجب أن يقرع لتنبيه أصحاب الشأن في مجلس الأمة ومجلس الوزراء بأنه آن الأوان للاهتمام الجاد بالثروة البشرية وتطوير التعليم وتجويد مخرجاته.
حتى يومنا هذا، وبعد سنوات طويلة من تأسيس الهيئة العامة للتعليم التطبيقي، لا نزال نفتقر للمهنيين من الكويتيين، الذين يمكن أن يشغلوا كل الأعمال في القطاع الخاص والقطاع العام. وحتى في قطاع التعليم الحكومي لا نزال نفتقر إلى الكويتيين للقيام بتدريس المواد الأساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنكليزية واللغة العربية. ماذا فعلنا خلال السبعين عاماً أو أكثر منذ بداية النظام التعليمي الرسمي في أواخر ثلاثينات القرن الماضي؟ كيف أنفقت الأموال على تطوير الهيئات التدريسية الأساسية؟ ولماذا لا تتوافر الكوادر التعليمية المناسبة من المواطنين حتى يومنا هذا؟
هذه أسئلة مهمة يجب على كل مرشح في هذه الانتخابات طرحها على نفسه، والتساؤل عن قدراته للمساهمة في معالجتها، حيث تظل مسألة التنمية البشرية الأهم على جدول الأعمال الوطني. صحيح أن هناك قضايا حيوية في موضوع التنمية الشاملة، لكن لا يمكن أن نتوقع تنمية فعالة ومجدية من دون تنمية البشر والارتقاء بقدراتهم.