الأسواق المالية تبحث عن الحقيقة

23/11/2011 5
محمد العنقري

التقلبات الحادة التي تعيشها الأسواق المالية العالمية أصبحت ظاهرة معتادة للمتعاملين بالأسواق وتخف حدة هذه التقلبات بالأسواق التي تمثل اقتصاديات نشطة ولكن بالمجمل فإن الأداء العام للأسواق يعتبر سلبياً من حيث عدم القدرة على حفظ المكاسب وكذلك انخفاض الجاذبية للاستثمار بأصول الأسواق لفترات طويلة ومستقرة من حيث حجمها المطلوب.

والمتابع للأسواق العالمية يجد التذبذبات العالية سمة بارزة ففي كل يوم هناك اتجاه جديد وبنسب تحرك كبيرة مما يعطي انطباعاً بأن المستثمرين أصبحوا يحملون مخاطر عالية بتعاملاتهم بالأسواق أربكت قرارتهم وهذا بدوره سيحجم من ضخ الأموال بالأسوق ويوجهها إلى خيارات مؤقتة جديدة كالمضاربة بالعملات بنسب وأحجام أكبر مما هي عليه سابقاً وكذلك السندات والذهب تبعاً لارتفاع المخاطر الاقتصادية وتحركات الدولار وخلاف ذلك من القنوات الاستثمارية الأخرى.

لكن سبب كل ذلك يأتي بسبب غياب الحقيقة عن واقع الاقتصاديات الكبرى خصوصاً منطقة اليورو وأميركا والتي تمثل أكثر من نصف اقتصاد العالم والمشكلة الكبرى هنا هي البحث عن حقيقة وواقع اقتصاد منطقة اليورو فالأسئلة المشروعة كثيرة؛ فلماذا يتردد القادة الأوروبيون بوضع حلول جذرية تأخذ بالاعتبار المرحلة القصيرة والبعيدة الأمد على حد سواء وهل سقوط الحكومات الأوروبية سببه ترددهم وانكفاؤهم عن الأخذ بزمام المبادرة والالتزام بحلول جماعية بدلاً من الفردية التي أسقطتهم وهل اللجوء لاستبدالهم بحكومات اقتصادية لعلها تكون قادرة على إخراج دولهم من مستنقع الأزمة الطاحنة التي تعصف بهم هو الحل.

فمشكلة الأسواق اليوم أنها تنتظر الإجابة ممن لا يجيدون صياغتها ويتلكؤون إلى الآن بإيجاد الحلول المنسقة التوافقية وفي ظل هذا الواقع تغيب الحقيقة عن الأسواق فتصبح بلا أعين تبصر بها طريقها مما يفرض واقعاً سلبياً للمستثمرين عليهم أن يتعاطوا معه كما هو فلا انهيار كبير ولا اتجاه صاعد واضح لتبقى محاور التحركات ضمن نطاق محدد لكن بتقلبات عالية ولا تقل الأسواق الأميركية عن الأوروبية في التشابه معها بنمط حركتها نظير تقارب أوجه نتائج المشاكل الاقتصادية لديهما بين ركود محتمل بنسب كبيرة وبطالة مرتفعة.

فلجنة خفض الديون بأميركا أعلنت فشلها بوضع آلية محددة لتحقيق هدفها فسياسة التقشف التي أصبحت عنواناً بارزاً لكل حكومات الاقتصاديات الكبرى دون قدرة واسعة على تحقيق مفاعيل تلك الخطط

ولذلك أطلقت الصين تحذيراً قوياً من ركود اقتصادي طويل عالمياً إذا ما استمرت حالة التخبط الأوروبي قائمة، وأعتقد بأن التغيير الحكومي بأوروبا سيستمر طالما لم يكن هناك قدرة من القادة الحاليين على حل المشكلة الأكبر التي واجهت منطقة اليورو منذ توحيدها نقدياً.. فالشكوك الآن وصلت لمرحلة ليس فقط القدرة على الحل بل حتى استمرار العملة الأوروبية نفسها وهذا ما عبر عنه وارن بافيت أبرز المستثمرين عالمياً.

في ظل هذا الواقع المرير تظل الحقيقة غائبة وحالة الاقتصاد العالمي في أصعب مراحله السلبية والركود الاقتصادي بات أقرب للعودة من أي وقت مضى وما تخبئه دول اليورو من أنباء سيئة أكثر بكثير مما أعلنته وسياسة التدرج بالكشف عنها لن تستمر طويلاً، فالمستثمرون باتوا أقرب إلى حسم أمرهم بتوجهاتهم الاستثمارية ولم يعد أمامهم سوى أشهر قليلة جداً للرد على حكومات أوروبا وأميركا بشكل حاسم ما لم تقم تلك الحكومات بتقديم مفاجآت تغير من حالة الضبابية الكبيرة التي تحجب الحقائق عن الأسواق وترسم خطاً واضحاً لبلورة الحلول وتنفيذها.