توماس فريدمان، في مقال لافت في جريدة النيويورك تايمز يوم الثلاثاء 15 نوفمبر الجاري، تحت عنوان «من هو متخذ القرار؟»، بيّن كيف أن أوضاع العديد من البلدان الديموقراطية المحكومة من السياسيين، قد تدهورت أوضاعها الاقتصادية والبيئية نتيجة لخضوع هؤلاء السياسيين لرغبات الجماهير من دون إخضاع هذه الرغبات للبحث والتمحيص وتكاليفها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وتدليلاً على ما حدث في العديد من البلدان، أوضح توماس فريدمان أن اليونان وإيطاليا اضطرتا الى تسليم الحكم للتكنوقراط، غير المنتخبين، تحت ضغط الجهات الدائنة بعد عجز هؤلاء السياسيين المنتخبين من انتشال البلدين من وهدة الإفلاس والإعسار. بعد قراءتي للمقال بدت أمامي الأوضاع الاقتصادية في الكويت وطريقة إدارتها، وبالرغم من أن هناك تفاوتا كبيرا بين الأوضاع في هذه البلدان الأوروبية المثقلة بالديون السيادية، وبين الكويت التي تتمتع بفوائض غير مسبوقة، فإن قضية الإدارة الاقتصادية تظل حاضرة، لا شك أن الارتفاع في حجم الإنفاق العام والهدر في الأموال العامة لم يؤديا إلى تحقيق دين عام في البلاد، نظراً للإيرادات السيادية المتزايدة المتأتية من بيع النفط الخام، لكن ما يحدث يمثل تعسفا في استخدام الأموال من دون تحكيم الترشيد وتعزيز الكفاءة، إن من المؤكد أن اليونان وإيطاليا، وربما بلدان أوروبية أخرى، اضطرت إلى إعادة النظر في سياسات الإنفاق وجباية الضرائب للحصول على دعم من الجهات الدائنة، لكننا في الكويت لسنا في وارد مواجهة مثل هذه الضغوط، ومن ثم تعديل برامجنا الإنفاقية وسياساتنا المالية.
أهم من ذلك ليست هناك ضغوط كافية لتبديل الطاقم الذي يقرر بشأن تلك السياسات المالية، ومن ثم سيظل أعضاء مجلس الأمة يضغطون من أجل إنتاج سياسات مالية شعبوية لإرضاء الناخبين، وستظل الحكومة عاجزة عن رفض هذه المطالبات، وربما تحاول أن تظهر بتجاوبها مع هذه الرغبات الشعبية والمزايدة على أعضاء مجلس الأمة. وفي ظل هذه الحقائق، فإن معدل الزيادة السنوية في الإنفاق سيرتفع إلى مستويات قد تزيد على ما كان عليه في السنوات الماضية. ومن الملاحظ أن زيادات الإنفاق الجاري أكبر من الزيادات في الإنفاق الرأسمالي الذي تعيقه محددات إدارية وموضوعية عديدة. هذا في الوقت الذي يتعين الاهتمام بالتنمية الاقتصادية الحقيقية ورصد الأموال المناسبة لها، ومن أهم عناصر التنمية التعليم والرعاية الصحية والخدمات الارتكازية، لقد قامت الحكومة بالتعاون مع مجلس الأمة خلال هذا العام بزيادة الرواتب والأجور في مؤسسات النفط والقطاع العام والدوائر الحكومية، مما زاد من مخصصات الرواتب والأجور في الميزانية العامة ورفع من وزنها النسبي، ولا ريب أن هذه الزيادات التي تنتج عنها تكاليف مالية لها تكاليف اقتصادية واجتماعية أكثر أهمية، حيث أصبح توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص أكثر صعوبة، ولن تتمكن العديد من مؤسساته من توفير مثل هذه الرواتب والمزايا، كذلك فإن الزيادات والكوادر المعتمدة لم تؤسس على معايير الكفاءة وحسن الأداء، مما يكرس عدم المبالاة والتسيب لدى قطاعات واسعة من العاملين في الأجهزة الحكومية، وإذا كان المسؤولون يشعرون بالراحة نظراً للإيرادات المتأتية من بيع النفط، حيث أصبح الإنتاج أكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم، وبسعر يراوح حول 110 دولارات للبرميل، فإن القدرة على تحصيل هذه الإيرادات في المستقبل محفوفة بالمخاطر، وكذلك فإن زيادة الالتزامات بفعل النمو السكاني ستفرض تحديات تتطلب معالجات بنيوية، ولذلك بات ضروريا وضع تصورات استراتيجية وواقعية، لكن من يتخذ القرار.