رياح التغيير و أسواق البتروكيماويات فى شمال إفريقيا

02/11/2011 2
ايهاب يحيى

"أسواق البتروكيماويات فى دول منطقة شمال إفريقيا واعدة و لكن مع الأحداث الراهنة و رياح التغيير التى تهب بقوة تجعلها واعدة و ذلك يعود لطبيعة المنطقة و لكنها فى واقع الحال غير مطمئنة أو مؤكدة".

أسواق البلاستيك كأحد أهم منتج يعتمد على خامات البتروكيماويات تحمل لمنطقة شمال أفريقيا مؤشرات نمو تقد بأنها أكبر من مؤشرات نمو باقى المناطق فى العالم , فهي سوق واسعة ومتنامية فضلاً على موقعها الجغرافى القريب من أعتاب أوروبا الرائد القديم وأعتاب الشرق الأوسط اللاعب الشاب فى صناعة البتروكيماويات, كما أنها تمتلك مقومات السوق الناشىء المميز و ذلك بتزايد تعدادها السكانى و محدودية إنتاجها المحلى و مواردها الطبيعية الوفيرة.

تعرضت منطقة شمال إفريقيا بأسرها هذا العام 2011 لأحداثا غير عادية ، كما تعرضت لكم كبير من العنف والفوضى , و لكن الأمل بالطبع لا يزال يحزونا لإنه من المتوقع أن تكون من أكثر المناطق نمواً إقتصادياً فى العالم حتى أنها من المتوقع أن يكون نسب النمو الإقتصادى لدول المنطقة أكبر من الهند و الصين اللتان تعتبران من الدول المتعطشة للطاقة و اللتان يلقيان الكثير من الاهتمام على إفريقيا فى هذا الصدد ، في حين أن الولايات المتحدة بالفعل تعتمد بشكل كبير على أفريقيا فى إمداداتها من النفط , و يشجعها أكثر أن تزيد إهتمامها بإحتياج إفريقيا للصناعات التحويلية للمواد البتروكيماوية خاصة و أن إستهلاك الفرد فى إفريقيا لمواد مثل البولى أوليفينات يعد أدنى إستهلاك للفرد على مستوى مناطق العالم , هذا على الرغم من أنها سوق كبير و واسع ولكن يعزى ذلك إلى تردى الأوضاع فى الوقت الحالى و السابق و تدنى مستوى دخل الفرد فى المنطقة.

الصناعات الخفيفة التى تعتبر وليدة فى إفريقيا سوف تمثل محفزاً للطلب على المواد البتروكيماوية فى المستقبل الذى نتمنى أن يكون قريباً خاصة فى قطاعات التعبئة و التغليف و الغزل و النسيج حيث أن إفريقيا تعتبر موطناً لنسبة 14% من سكان العالم و أن التنمية الإقتصادية للمنطقة سوف يحفز زيادة معدلات الطلب على المواد البتروكيماوية الذى بدوره سيدفع دول المنطقة على تدبير الإحتياجات اللازمة لمواجهة الزيادة فى الطلب.

تمتلك دول شمال إفريقيا فى الوقت الراهن عدد قليل جداً من المنشآت البتروكيماوية و الجدير بالذكر أن هناك فقط وحدتين لإنتاج الإيثيلين فى المنطقة وحدة فى الجزائر تمتلكها سوناطراك التابعة للشركة الوطنية لصناعة البتروكيماويات بطاقة إنتاجية تقدر بـ130 ألف طن سنوياً و الأخرى فى مصر تمتلكها سيدبك التابعة للشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات بطاقة إنتاج 300 ألف طن سنوياً .

و تخطط مصر للوصول بالطاقة الإنتاجية للإيثيلين إلى 760 ألف طن فى عام 2014 تمتلكها الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات فى حين تخطط الجزائر فى ذات العام للوصول إلى 1.1 مليون طن ملكيتها بشكل مشترك من قبل وحدة تكسير للبتروكيماويات الفرنسية توتال وسوناطراك وشركة قطر للبترول , هذه الطاقات المضافة لن تفى بإحتياجات المنطقة و ستظل تعتمد على إستيراد البتروكيماويات فى ظل إستمرار زيادة الطاقات الإنتاجية من البتروكيماويات محلياً بهذا الشكل المتواضع.

يعد عام 2011 عاماً إستثنائياً للمنطقة نظراً لموجات الإحتجاجات و الإضرابات و المظاهرات و ثورات الربيع العربى التى بدأت فى تونس فى ديسمبر 2010 و و سرعان ما هزت المنطقة بأسرها , و على خلفية هذه الأحداث فإن توقعات التعافى الإقتصادى للمنطقة بعد الأزمة المالية فى 2008 تضاءل و تأثرت بالتالى أسواق البتروكيماويات فى المنطقة خاصة صناعة البوليمرات و قلل المصنعين مخزونهم من البوليمر فى ظل عدم المقدرة فى إستعادة معدلات الإستهلاك و عدم وضوح الرؤية فى الوقت الحالى.

و بالنظر إلى أسواق البوليمرات عالمياً نجد أنها تتأثر باللاعب الأكبر فى هذا السوق و هو الصين حيث أنه على الرغم من الإرتباط الوثيق لأسواق إفريقيا بأوروبا إلا أن تباطؤ النمو الذى سجلته الصين و الذى قدر بـ (- 1.9% ) مقارنة بنفس الفترة من العام السابق 2010 إنعكس على أوروبا و بالتالى على أسواق شمال إفريقيا الذى يعانى أصلاً, و أن الموقف الحالى لعملية تقليل المخزون المتبع أصلاً فى الصين سيؤثر بالسلب على ديناميكية السوق , و ذلك حتى تبدأ الصين فى بناء مخزون جديد و يزداد معدل الطلب و تتوازن الأسواق , و هذا غير متوقع حتى نهاية 2011 نظراً لضعف الأرقام و البيانات الإقتصادية فى الوقت الراهن.

على عكس الإقتصاديات الناشئة فى آسيا و المنتجة بطبيعة الحال فإن إفريقيا المستهلكة لا تتحكم فى الحدود السعرية , فإنه على سبيل المثال تتحدد قيمة المعروض لمنطقة شمال إفريقيا تبعاً لحالة الطلب فى أسواق أوروبا و آسيا و مستوى سعر خام البترول .

أما التوقعات بالنسبة لمستقبل أسواق البتروكيماويات في شمال افريقيا فإنها تزال غير واضحة وسط التقلب الشديد الحادث فى الأسواق العالمية من حيث السلع الرئيسية و أسواق المال و المخاوف من أزمات إقتصادية قد تواجه الولايات المتحدة وأوروبا, و لكنه من المؤكد أنه سوف تستمر عمليات رصد الأوضاع فى الصين و ما تفعله الحكومة الصينية من جهود لتهدئة اقتصادها الداخلى و تأثير حزم القوانين التى تحد من التضخم على الطلب.

و أخيراً فإنه من الممكن أن يحقق موردى و مصنعى البتروكيماويات مكاسب على المدى القصير مستغلين نقط الضعف الحادث فى شمال افريقيا ، ولكن من الصعب التنبوء بإستدامة تحقيق هذه المكاسب.