التحوُّط ضد المخاطر في التراث

27/10/2011 11
عبدالله الجعيثن

من طبائع البشر الحرص على تجنب المخاطر قدر الإمكان، في النفس والمال، فإن المال (عديل الروح) كما يقال..

والتجارة - أيا كانت - محفوفة بمخاطر مختلفة، سواء أكانت تجارة أسهم أو غيرها.. وفي العصر الحديث ابتكرت وسائل عديدة للتحوط وتقليل المخاطر، منها التأمين التجاري، وعلى القروض، ووقف الخسارة في سوق الأسهم آلياً، والبيع على المكشوف في أكثر الأسواق، وخيارات البيع والشراء مقابل مبلغ صغير نسبياً يُدفع مقدماً يشبه العربون لا يسترد ولكنه يعطي صاحبه فرصة ممارسة حقه في الشراء أو البيع خلال فترة العقد مع تحديد خسارته في أسوأ الأحوال بالمبلغ المدفوع فقط.

وفي تراثنا نجد أن الحرص على تقليل المخاطر والحزم في مواجهة التغيرات معروف من قديم، وهناك نصوص جميلة تدل عليه، منها قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فرِّقوا بين المنايا)..

فقد كان معظم الحلال في زمان الفاروق من الأنعام (الإبل والأغنام) فكان يحض ملاكها على عدم جمعها في مكان واحد، بل تفريقها في أماكن متباعدة، بحيث لو أصاب المرض بعضها لا ينتشر فيها كلها كالوباء.. وقال ابن سيرين لبعض البحريين (أي من يتاجرون عن طريق النقل البحري):

- كيف تصنعون بأموالكم؟

قالوا: نفرِّقها في السفن، فإن عطب بعض سلم بعض، ولولا أن السلامة أكثر لما حملنا خزائننا في البحر..

فقال ابن سيرين:

- تحسبها خرقاء وهي صَنَاع

وهو مثل يقال لمن تظنه غبياً فيظهر شديد الذكاء..

ويقول الجاحظ:

(أحرزوا النعمة باختلاف الأمكنة، فإن البليِّة لا تجري في الجميع إلا بموت الجميع..).

وخرج الفاروق من بلد فشا فيها الطاعون فقال له رجل سفسطائي: أتهرب من قدر الله؟! فقال: نهرب من قدر الله إلى قدر الله!