البنية التحتية بتعريفها العريض تشمل مشاريع متعددة بدءا من سفلتة الطرق وإنارتها ومشاريع الصرف الصحي وتحلية المياه ومد سكك الحديد وبناء الموانئ وحتى المدارس والمستشفيات وقطاع إنتاج الطاقة. وبذلك تكون البنية التحتية هي الأساس لكل مشاريع التنمية والقاعدة الحقيقية التي ينطلق منها الاقتصاد. والسعودية في أمس الحاجة لتطوير وتدعيم بنيتها التحتية لتجهزها لتبوء مكانة اقتصادية تتناسب مع واقع ناتجها المحلي النفطي. وليس أدل على ذلك من حجم الإنفاق الحكومي في كافة القطاعات المذكورة أعلاه في الميزانيات الأخيرة، ولكن طالما أن علينا البناء، فمن الضروري أن تبنى هذه المشاريع بمعايير تناسب القرن الواحد والعشرين وما يرافقه من ثورة صناعية جديدة على صعيد التقنية والطاقة.
ولذلك نجد أن الكثير من الدول التي لا تتوفر لديها السيولة المحلية تقوم بالاقتراض لبناء أو تحديث بنيتها التحتية. أما في اقتصادنا، فإننا نعاني من تضخم في حجم السيولة الداخلية بدرجة أثرت على معيشة المواطن، تتجلى في ارتفاع أسعار العقارات كما شرحت في مقالات سابقة. يشير تقرير نشرته جريدة الرياض في نهاية شهر سبتمبر أن أكثر من 63% من السعوديين يرغبون في زيادة مدخراتهم في العام القادم. والسبب الرئيس لهذه الرغبة هو توفير المال لشراء سكن. في حين أنه لو وجهت هذه المدخرات إلى مشاريع البنية التحتية بدلا من العقار لانخفضت الأسعار وأصبحت في متناول شريحة أكبر من المواطنين.
عصام الزامل تحدث في مقاله المنشور في جريدة اليوم عن توفر فرص الاستثمار في مشاريع البنية التحتية وإحجام أصحاب الأعمال عن ذلك وإدمانهم على سوق العقار الغير منتجة. من هذا المنطلق فإن على القطاع الحكومي المبادرة في تبني هذه المشاريع ولكن بمشاركة القطاع الخاص. ليس فقط تجار العقار والشركات الكبيرة، بل يجب أن تمتد المشاركة إلى كافة المواطنين. فتتبني عملية تفعيل لخطط التنمية من أعلى الهرم بإقرارها في الميزانية العامة ومن ثم تنشئ الشركات المساهمة التي تتكفل بتنفيذ هذه المشاريع. بالإضافة إلى إيجاد قاعدة دنيا من المواطنين تتلقف هذه المبادرات وتفعلها على مستوى محيطها الاجتماعي. فالقطاع العام لا يمكنه تحمل كامل عبء تحول جذري في البنية التحتية، مثل مشروع وزير التربية الطموح لافتتاح روضة أطفال كل يوم والذي اعتمد قبل 3 أشهر، ولكن نتائجه غير ملموسة حتى اليوم. فرسوم رياض الأطفال مازالت في ارتفاع لاستمرار الفجوة بين العرض والطلب.
ليس أفضل من تفعيل مراكز الأحياء وتحويلها إلى جمعيات تعاونية لتكوين هذه القاعدة الدنيا التي تتفاعل مع الإنفاق الحكومي وتتلقف مبادراته لترفع من كفاءته وتضمن استفادة المواطن من الأرقام الضخمة التي تعلن في كل ميزانية سواء على شكل تحسن الخدمات أو بتوزيع أكثر اتساعا لأموال الإنفاق الحكومي. تعمل هذه الجمعيات تحت مظلة نظام الشركات وتحصل على الدعم الحكومي غير المباشر عن طريق ضمانها لدى المصارف. بهذا الشكل يتم تمويلها بمدخرات المواطنين في مشاريع يلمسون فائدتها بأنفسهم ويتم إشراك القطاع الخاص.