ارتفع معدل التضخم في شهر أغسطس إلى أعلى مستوى له منذ قرابة ثلاثة أعوام بوصوله إلى 2.1%، ولم يكن ذلك بالطبع نتيجة الزيادات التي أعلنتها الحكومة قبل شهر أي في شهر سبتمبر، وإنما نتيجة لثلاثة عوامل أولها ارتفاع مكون أسعار النقل والمواصلات، وارتفاع مكون أسعار السلع والخدمات المتفرقة وبينها الذهب، وتباطؤ التراجع في مكون الإيجار إلى أدنى مستوى له هذا العام. هذه العوامل مجتمعة ساهمت في ارتفاع معدل التضخم إلى 2.1% في شهر أغسطس مقارنة بما كان عليه الحال في شهر أغسطس 2010. وكان المعدل في شهر يوليو في حدود 1.93%، ونحو 1.77% في شهر يونيو.
ورغم ارتفاع معدل التضخم إلى مستوى 2.1% إلا أنه لا يزال ضمن المستويات المثلى المقبولة عالمياً حيث حصلت الدول التي تراوح المعدل لديها بين نصف بالمائة و2.9% على 7 درجات، وتبوأت بذلك المركز الأول مكرر عالمياً في مجال ضبط معدل التضخم، -وكان عددها 54 دولة من أصل 142 دولة- ضمن تقرير التنافسية الدولية لعام 2011/2012. وربما كان من الممكن أن يكون المعدل في قطر في شهر أغسطس أعلى من 2.1% بقليل-أي إلى 2.2% مثلاً-، لولا أن شهر أغسطس قد تزامن مع شهر رمضان المبارك، والذي تم فيه خفض أسعار أهم المواد الغذائية بقرار من إدارة حماية المستهلك بوزارة الأعمال والتجارة. هذا القرار ساعد على خفض مكون أسعار المواد الغذائية والمشروبات في سلة الرقم القياسي لأسعار المستهلك بنسبة 1.8% عن شهر يوليو.
وبالنظر إلى أن قرار الزيادات العامة في الرواتب للقطريين قد بدأ مفعوله مع نهاية سبتمبر وأن مقدار الزيادة قد أخذ طريقه إلى جيوب المستحقين له، فإن أية زيادة مفاجئة في الطلب على السلع والخدمات يمكن أن تؤثر على مستويات الأسعار ولو بشكل متدرج على مدى الشهور القادمة، وتساعد بالتالي على ارتفاع المعدل، وإن كان من المتوقع ألا يتجاوز المعدل 2.5% في الفترة التالية حتى نهاية العام. فإلى جانب الجهود التي تقوم بها إدارة حماية المستهلك في مراقبة الأسعار، فإن هناك عوامل أخرى تعمل في الاتجاه المعاكس لارتفاع معدل التضخم، وتساعد بالتالي على استقرار الأسعار ومنها ما يلي:
1- أن سعر أونصة الذهب الذي ارتفع في شهر أغسطس إلى 1900 دولار للأونصة قد تراجع في سبتمبر إلى 1622 دولار، وسيؤدي ذلك إلى انخفاض في مكون أسعار السلع والخدمات المتفرقة في سلة الرقم القياسي للأسعار.
2- أن سعر صرف الدولار قد عاد إلى الارتفاع في شهر سبتمبر بحيث وصل إلى 1.34 دولار لكل يورو، وسيعمل ذلك على تحسين القوة الاستيرادية للريال فتنخفض أسعار السلع المستوردة.
3- أن السياسة المالية والنقدية للحكومة ومصرف قطر المركزي تعمل منذ بداية العام على ضبط معدل التضخم من خلال الأدوات المتاحة لها وبوجه خاص تعقيم السيولة في الجهاز المصرفي عن طريق إصدار أوذنات خزينة وسندات حكومية، والإبقاء على نسبة الاحتياطي الإلزامي مرتفعة عند مستوى 4.75%. وهذه الإجراءات تقلص من السيولة المتاحة للإقراض للقطاع الخاص، وتعمل بالتالي على لجم التوسع في الإقراض، ومن ثم ضبط كمية النقود. وإذا ما استمر تنفيذ هذه السياسات في الشهور القادمة، فإن ذلك سيبطئ من الزيادات الشهرية في معدل التضخم، وقد يحدث تراجع في المعدل إلى ما دون مستوى 2%. وكنت قد أوصيت في مقال الأسبوع الماضي بإعادة النظر في كل أو بعض تلك السياسات حتى لا يؤدي استمرارها إلى انخفاض معدل التضخم إلى ما دون نصف بالمائة وهو ما يعتبره المنتدى الاقتصادي العالمي غير حميد.