لا يخفى على أحد فضائح الإيداعات المليونية - سواء كانت رشاوى أو غسيل أموال أو غيرها من الجرائم - والمشتبه بها بعض أعضاء مجلس الأمة الكويتي ، وقد كان هذا الموضوع معروفاً تماماً لسنوات سابقة كأحاديث جانبية " ومحفوفة " بعض الأحيان ، ولم تكن هناك الجرأة لدى البعض في تصعيد هذا الموضوع كونه حساساً بالدرجة الأولى ، والأهم من ذلك كونه متوافقا أو متفقا عليه ما بين أطراف الفساد والإجرام.
عندما يختلف السارقون تنفضح السرقات
والجديد في الموضوع هو أن هناك حدثًا ما جعل هذا الموضوع يطفو على السطح فجأة ويظهر للجميع ، والسبب الذي نرجحه وباختصار هو "اختلاف السارقين" ، وبالتالي ، انفضاح سرقاتهم ، ويبدو أن درجة اختلاف اللصوص هذه المرة مرتفعة وحادة للغاية ، حيث إن نشر الغسيل أو كشف الفضائح ترافقه اليوم مستندات جاهزة ولا يمكن التشكيك بها كونها دامغة بشكل قاطع !
من المسئول!
لاشك بإن الراشي والمرتشي أو الفاسد والمفسد هم المسئولين عن هذه الفضيحة " الكارثة " ، لكن الموضوع أكبر من ذلك بكثير ، وذلك كون تلك العمليات " العملاقة " لا تتم مباشرة ما بين تلك الأطراف فحسب ، وإنما يتم تنفيذها من خلال البنوك وبواقع مستندات وقيود محاسبية ، والتي هي تحت مستويات متعددة من الرقابة الصارمة ، ومنها رقابة وتدقيق بنك الكويت المركزي ... كما يفترض!
كما أنّ هناك حسابات متضخمة لآخرين !
وقد انتفخت وتضخمت حسابات بعض نواب الأمة كما يتم التركيز عليه حالياً وبشكل كبير ومريب ، لكننا – ومرة أخرى – يجب أن نبحث عن آخرين تضخمت وتورمت حساباتهم أيضا، وقد مرروا واعتمدوا هذا التضخم والتورم ، ولو إلى حين ، وهم كثيرون بالطبع ، لكن أبرزهم كما نعتقد بعض كبار مدراء البنوك الكويتية كما يتردد مؤخرا ولو على استحياء !
ومما يبرر تلك الشبهة الجادة هو استحالة تمرير الإيداعات المليونية الكبيرة والمتكررة دون موافقة بعض البنوك وبعلم كبار مديريها بالطبع ، حيث إن هناك تعليمات صارمة وقاطعة ومكتوبة أيضا تمنع تلك الإيداعات ، لكنها تمت منذ فترة ليست بالقصيرة وبشكل متكرر وبمبالغ فلكية أيضا ، مما يعزز شبهة تواطؤ بعض كبار مدراء البنوك في تلك الجرائم المالية ، والذين انتفخت حساباتهم وتورمت تلقائيا جراء العمولات والأتاوات التي يتقاضونها من رؤوس الفساد الكثيرة في هذا البلد .
من جهة أخرى ، فإن أقلية من البنوك الكويتية قد رفعت بعض الشبهات المالية للنائب العام ، بينما لم تفعل أكثرية البنوك الكويتية ذلك ، ورغم احتمال خلو أحد أو بعض البنوك من الإيداعات المشبوهة ، إلا أننا نعتقد أن معظمها متورط في هذا الموضوع ، وربما يستمر بعض كبار مدراء تلك البنوك بالتستر على المشبوهين أو التفكير بسيناريوهات وبدائل علها تنقذهم من هذه الفضيحة ، وفي هذا السياق ، هناك أكثر من 10 فروع لبنوك أجنبية في الكويت لا نستبعد تورط بعضها بتلك الشبهات أيضا .
البنك المركزي...على المحك
ولا شك أن جانبًا من مسئولية متابعة تلك الموضوعات الخطيرة على عاتق بنك الكويت المركزي ، والذي يتطلب منه - من بين عدة أمور مهمة - مراجعة الحسابات المصرفية وحركتها لجميع مدراء البنوك الكويتية للتأكد من حركتها ، وبالتالي ، اتخاذ الإجراءات المناسبة والواجبة في حال وجود شبهات مرتبطة بها ، وبمناسبة الحديث عن بنك الكويت المركزي؛ علينا أن نقول وبصراحة ممزوجة بالألم: أنّ سُمْعته قد اهتزت ومكانته قد تزعزعت بعد شيوع الممارسات المالية الفاسدة وانفضاح أمرها ، وقد تعدّت السمعة السلبية للبنك المركزي إلى نظام الكويت المالي ودرجة الثقة به خارج حدود الدولة ، والذي يعتبر تطوراً خطيراً للغاية ينذر بعواقب وخيمة وشيكة .
تناقض موقف أحد أو بعض البنوك
ومما يؤكد الشبهات القوية التي تحوم حول تواطؤ بعض مدراء البنوك؛ هو النفي القاطع لأحد أو بعض البنوك لأي إيداعات مشبوهة مع بداية نشر الفضيحة في صحيفة القبس بتاريخ 20/8/2011 ، لكنْ عندما تم الكشف عن فصول جديدة لتلك الفضيحة وتعززت إثباتاتها ، أقر أحد أو بعض البنوك بالإيداعات المشبوهة مما أدى إلى رفع الموضوع للجهات القانونية الرسمية من أجل الخروج من المأزق ولو مؤقتا ، وذلك على طريقة ذر الرماد في العيون أو تخفيف الضغط المتصاعد من تعاظم الأدلة والقرائن على الشبهات القوية بتورط بعض البنوك بالتواطؤ مع أصحاب الإيداعات المليونية المشبوهة والتستر عليها ، وبالطبع؛ فإن البنوك - شخصيات معنوية أو اعتبارية - لا تتصرف بذاتها ، وإنما بقرارات الأشخاص الطبيعيين الذين يديرونها.
وأيضا ديوان المحاسبة على المحك
وللأسف الشديد، يطول الحديث عن الفساد واستفحاله وليس له نهاية ، ومنه دور ديوان المحاسبة الذي هو محط الأنظار في مثل تلك النوازل العظام ، حيث يعتبر ديوان المحاسبة صمام الأمان للمال العام ووكيلا عن الشعب للمحافظة عليه ، إلا أن من الممكن الاستنتاج بأن هناك قصوراً كبيراً في أداء ديوان المحاسبة لواجباته ، وفي هذا المضمار تحديدا ، مما أدى إلى استفحال الفساد وصرف المبالغ الفلكية على شكل رشاوى ، والتي منبعها المال العام بالتأكيد ، وليس من الأموال الخاصة للراشين أو الفاسدين المفسدين بلا ريب.
ومن أوجه القصور التي تطول دور ديوان المحاسبة في أداء واجباته؛ هو هدر الأموال العامة في مشروع طوارئ 2007 أو " سكراب 2007 " ، والمرتبط باستيراد مولدات كهربائية عملاقة لسد النقص المفاجئ في تزويد البلاد بالطاقة الكهربائية ، والتي تبين أنها غير صالحة رغم تكبيد ميزانية الدولة أموالا طائلة لاستيرادها ، وقد صدرت أحكام قضائية تدين بعض كبار موظفي ديوان المحاسبة بتعمدهم إتلاف مستندات وتزوير أخرى في سبيل التكتم على تلك الفضيحة ، وذلك لضمان عدم وصول الحقيقة إلى أصحاب الشأن ، هذا ما هو مؤكد وثابت ، أما عن ما تتناقله المنتديات والدواوين يوميا عن تقصير ديوان المحاسبة؛ فحدِّث ولا حرج كما يقال من هول المواضيع المتداولة ، ونأمل أن لا تكون حقيقة ثابتة ، كما ثبتت الرشاوى المليونية لبعض أعضاء مجلس الأمة بعد أن كانت مجرد أحاديث ومواضيع يتم تداولها في المنتديات والدواوين كحال ما يتم تداوله حاليا عن التقصير الكبير في أداء ديوان المحاسبة لدوره !
ما هي حصة الراشي والمرتشي ؟
وكما أسلفنا؛ فإن المنبع الأساسي للرشاوى المليونية هو المال العام بكل تأكيد ، ويحق لنا السؤال بهذه المناسبة وبصراحة أيضا : كم اختلس الراشي من المال العام حتى يدفع للمرتشي؟ ، طبعا لن يكون الراشي " أمينا " بحيث يستلم ويسّلم نفس المبلغ ، فعندما يستلم المرتشي مليون دينار كويتي على سبيل المثال؛ فإنه من المحتم ومن باب أولى أن يكون نصيب الراشي مبلغ مماثل على أقل تقدير ، إن لم يكن ضعفه أو حتى عشرة أضعافه ، والذي يعني أن المرتشي له " النزر اليسير" من الأموال المختلسة من المال العام في حقيقة وجوهر الأمر ، مهما كان هذا " النزر اليسير " كبيراً من وجهة نظر البعض كونه بملايين الدنانير الكويتية!
تبعات " الغسيل " و " الرشاوي "
ولا شك أن الفساد المتمثل في الرشاوي لممثلي الشعب ونوابه وغسيل الأموال لأطراف أخرى له تداعيات خطيرة لا يمكن تخيّل وتصور عواقبها الوخيمة ، ولا مجال هنا للإستطراد فيها رغم أهميتها ، لكن تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أحد أبعادها الاقتصادية ، وهو: تضخم أسعار العقارات مؤخرا بشكل ملحوظ خاصة السكني منها والاستثماري ، والذي يعود - من ضمن عدة عوامل- إلى شراء عقارات بشكل كبير وسريع وبأسعار مرتفعة عن قيمتها المنطقية ، وهي أحد الظواهر المعروفة المصاحبة للأموال الفاسدة، وحلقة من أحد الحلقات المتسلسلة والتقليدية والمعروفة لغسيل الأموال ، والذي له تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني وأمنه بكل تأكيد ، كما أنها تمس حياة المواطن العادي البسيط الذي بدأ يعاني من ارتفاع جنوني لأسعار الأراضي لبناء بيت العمر كما يقال ، وذلك دون مسوغ علمي سليم وفني معقول ، حيث إن الركود الاقتصادي يضرب أطنابه في كل مكان من البلاد ، والكل يصرخ ويتألم من الحال الاقتصادي المزري الذي تعيشه جميع المفاصل الاقتصادية في الدولة ، وهذه الحالة من شأنها توفر العقارات بأسعار مناسبة ، لكن العكس هو الحاصل مما يثير العجب ، حيث إنه إذا عرف السبب - وهو الأموال غير المشروعة - بطل العجب وهو التضخم غير المبرر ، فلا يخفى على أحد تضخم ثروات بعض أعضاء مجلس الأمة والذين كانوا مجرد موظفين عاديين ، في حين أننا نجدهم اليوم يملكون المباني الاستثمارية المتعددة والمنازل والمزارع والشاليهات ومختلف الموجودات داخل وخارج البلاد ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ؛ ظهر فجأة رجال أعمال يتداولون الملايين يومياً في البورصة ، ويمتلكون حصصاً متعددة في الشركات المدرجة إلى حد تكوينهم لإمبراطوريات مالية وكانوا قبل عدة سنوات "لا شيْ" من حيث المال والنفوذ ، لكنهم استدلوا على طريق الفساد بسهولة وسرعة، خاصة فيما يتردد عن احترافهم وتخصصهم بغسيل الأموال ، وبالتالي ، سيطروا على مفاصل استراتيجية في الدولة سواء كانت اقتصادية أو سياسية وحتى سيادية أيضا !!!
عصيان مدني وتمرد جماعي
وقد تسببت الفضائح المليونية بحالة من الفوضى والتشرذم في البلد بسبب الثراء الفاحش للمفسدين ، ورغبة البعض باللحاق بهم بشكل أو بآخر ، كما شجعت هذه الكارثة الوطنية على اتساع حالة من التذمر موجودة أصلا ، مما أدى إلى اشتعال موجة من الإضرابات وتفشيها السريع في العديد من مؤسسات الدولة وهو ما أصاب بعضها بالشلل ، وذلك للحصول على ما يمكن الحصول عليه من النهر المتدفق بلا حساب من الأموال العامة من خلال آلية المطالبة بزيادة الأجور والمرتبات والمزايا والبدلات و... إلى ما لا نهاية له من التبويبات والمسميات، حيث وصل بنا الأمر إلى حالة من التمرد الجماعي والعصيان المدني ، حتى أصبح البعض يسأل نفسه : لماذا لا أكون مليونيراً مثل البعض دون جهد أو تعب ؟ ، ولماذا لا يكون لي حصة من الأموال الهائلة التي يتم صرفها لمن يستحق ولمن لا يستحق ؟ ولماذا ألتزم بعملي وأخلص في تأدية واجباتي ما دام الأمر كذلك ؟ ...وغيرها من التساؤلات التي تفرض نفسها على الشريف وغير الشريف في مثل هذه الظروف ، وبالتالي ، لا يجد الموظف - و 90% من العمالة الكويتية الموظفة لدى الحكومة - إلا أن يُضرب عن العمل لعله يحصل على حصة أونصيب من الأموال المهدرة ، وذلك على مختلف شرائحهم ، فهذا يطالب بـ 250 دينار زيادة، والأعلى منه بـ 500 دينار ، والأرقى بـ 1000 دينار ، والقيادي بـ 2000 دينار ... إلى ما لا نهاية ، وقد تحققت بعض تلك المطالب ، ونحن في الطريق لتحقيق ما تبقى منها ، وربما يقول قائل: إن كان حال البلد وصل إلى مرحلة " المخامط " وعلى المكشوف ، فإنّ المطالبة بزيادة الرواتب سواء بشكل مبرر أو غير مبرر تبدو منطقية إن لم نقل أنها مطالب تتسم بالتواضع ، وذلك رغم أعبائها المليارية على الدولة في نهاية المطاف !
التكالب على البورصة !
ومن مظاهر تفشي الفساد والانهيار بشكل سافر؛ هو ما يشهده سوق الكويت للأوراق المالية من نزاع شرس ومعلن وإعلان للحرب ما بين الأطراف المعنية ، وهي : وزارة التجارة ، إدارة السوق ، لجنة السوق، وهيئة السوق ، حيث إن لذلك الصراع عدة تفسيرات موضوعية ومنطقية ، ومن أهمها : الصراع والتكالب على النفوذ والسلطة ، والذي هو أهم وسائل جمع الأموال الفلكية والسريعة ، سواء من جانب المسؤلين عن بعض تلك الجهات، أو من يقف وراءهم ويحركهم كالدمى ، ولا شك بأن هذا الصراع والحرب المستعرة ما بين تلك الأطراف إنما هو نتاج طبيعي لسوء إدارة الدولة وهدر الأموال ، والذي يدفع البعض " للهبش " و " النهش " بقدر ما يستطيع وبأسرع ما يمكن قبل انتهاء الكرنفال والمهرجان " النهبوي " الناجح بدرجة الامتياز وبمرتبة الشرف أيضا !!!
خيانة الوطن والمواطنين
لا شك أن ما يحدث من فلتان واستهتار في إدارة دفة الأمور سينتهي إلى الخراب والدمار على الجميع وهو من البديهيات والمسلّمات لا ريب ، وإن كان هناك اختلاف؛ فإنه يكمن في توقيت حدوث الدمار الشامل ، لأن ما يحدث في واقع الأمر هو ذبح للوطن والمواطنين ، والأنكى والأمّر أنّ ذلك يتم بواسطة أموال البلد ومدخرات الشعب ، والذي هو عدوان وتعدّ خطير للغاية ، بل إنه أخطر من أي عدوان مصدره خارج حدود الدولة ، وهذا ما نتمنى أن يفهمه مَن تبقى من العقلاء والمخلصين في هذا البلد الجريح ، فقد تم تجاوز المحظورات والخطوط الحمراء ونحن إلى طريق الهاوية سائرون ، حيث يبدر السؤال : ما هو الحل ؟ هل نستسلم ونقول بالمثل العراقي عند اليأس من مكافحة الفساد واستفحاله : " كلها تسكر يا بن عسكر " ! ، أم نردد الكلام الذي نسمعه دائما في مثل تلك الظروف: إن الدولة تسير ببركة من الله! وأن الله سينجينا من الكربات والكوارث! وأن الأيادي الخيّرة والبيضاء ستعصمنا من النكبات والمحن! ، والذي نعتقد أنه مجرد هراء وهروب من مواجهة الفساد إن لم نبذل الأسباب الموجبة لرعاية الله وحفظه لنا ، حيث إنه من المؤكد أن الهلاك والدمار مصيرنا جمعياً عندما نرى شرذمة مجرمة من بيننا تهدد الوطن والمواطنين ولا نسعى للأخذ على يدها... ، والله المستعان .
أستاذ ناصر,, كان الله في عون أهل الكويت لكشف الرشاة,, اما بعض المرتشين فقد ظهروا,,, لكن هناك وسيلة منطقيه لمعرفة الرشاة؟؟؟ ويمكن استنتاج ذلك من توصيتات الاعضاء المشبوهين وتصويتاتهم,, ومن كان المستفيد من تلك التوصيات.
العنوان يرمزلبيت الشاعرالكويتي الضريرفهدالعسكر : هات بنت الكرم ياابن العسكر @لايطاق الصحو في ذاالبلد الله يكفينا الشر لكنه تاب آخرعمره غفرالله لنا وله