من الجفرة إلى الطفرة (٢-٢)

11/08/2011 37
عبدالله الجعيثن

ذكرنا أن (الجفرة) سوق قديم لبيع الأرزاق وللتمويل (الدين) وأنها تقع جنوب (المقيبرة) سوق الرياض الأول من خمسين سنة، وأنها (الجفرة) على اسمها فهي في منحدر من الأرض تدخل إليه من شارع الشميسي القديم جاعلاً المقيبرة على يمناك ووجهك شرق فيكون مدخل الجفرة الضيق على يسراك حيث تصطف دكاكين صغيرة متراصة مليئة بالأرزاق ونماذج من الدوبلين الذي طاقاته الكثيرة في المخازن الخلفية، وكانوا يسمون المخزن (البخَّار) ويستخدمون الدوبلين في التورق ويشتريه المستدين بالأجل إلى الحول بزيادة من ٢٠ إلى ١٠٠٪ حسب ملاءة العميل وظروف التمويل، وقلنا إن الرجال العاملين في الجفرة - من باعة وحمالين - مواطنون يعملون بجد وتحفظ وأمانة ويحمل الواحد منهم كيس السكر ١٠٠ كيلو على ظهره ليضعه على العربية التي يجرها حمار، حيث تجتمع العربيات والحمير في ساحة واسعة منخفضة هي وسط الجفرة وسبب تسميتها، وحسب الحمل تتحدد وسيلة النقل إن كان كيساً أو اثنين فعلى ظهر الحمار مباشرة، وإن زاد ففي العربية التي يجرها حمار فوق ظهره سائقه المزود بالعصا لحث الحمار على سرعة المسير..

* مع ارتفاع النفط ٧٣م (انهبل) العقار بالتدريج، وكان أكثر المواطنين لا يتاجرون في العقار همهم شراء بيت من الطين صغير، أما الأرض فإن ثقافة الصحراء كانت تعتبرها برًّاً لا قيمة له وبوراً من يشتريه؟ وقد قال لي مسن من رجال الجفرة إنه في تلك السنين الخوالي حمّل رجل أكياساً كثيرة من الأرزاق وحين أوصلها (العربجي) لمكانه البعيد خيره: هل تريد هذه الأرض مقابل أجرتك (وأشار لأرض صغيرة بعيدة) أو الريالين، فقال: ريالين.. قال أرض قال!.. وأضاف المسن: إن هناك - في ذاك الزمن - من باع أرضاً كبيرة ببقرة حلوب بل ومن باعها بتيس!

* الشاهد أن ثقافة الصحراء والقرى لم تكن تعير الأرض اهتماماً أو تقيم لها وزناً بسبب ندرة النقود والتعود على الصحراء وأن الأرض (بر.. وبور).. مع الطفرة تغيرت الأمور فجأة وبسرعة وأصبحت الأرض كالذهب لما أفاء الله به على المملكة من الإيرادات الهائلة التي كانت إيجابياتها لا تحصى لكن لها سلبيات أهمها الكسل وعدم تقدير العمل والترف وهي أدواء لم يكن يعرفها أهل الجفرة.