بوادر انهيار أسعار النفط

21/06/2011 7
د.أنس الحجي

تشير العديد من الدلائل القوية إلى أن أسعار النفط ستبقى نسبيا مرتفعة، وقد ترتفع بشكل ملحوظ خلال أشهر الصيف بسبب العجز في إمدادات الكهرباء في الدول النفطية والصين. إلا أن هذا الارتفاع قد ينتهي بانهيار أسعار النفط بشكل لا يمكن للسعودية أو ''أوبك'' أن تسيطر عليه، خاصة بعد فشل اجتماع ''أوبك'' الأخير في الوصول إلى اتفاق على سقف الإنتاج. إذا كان ما سبق صحيحاً، فإن على دول ''أوبك'' أن ترفع الإنتاج إلى أقصى ما يمكن وتخفيض أسعار النفط بشكل كبير عن مستواها الحالي، وحصيلة ذلك أن إيرادات دول ''أوبك'' على مدى السنوات الخمس المقبلة ستكون أعلى من حالة ارتفاع الأسعار حاليا، ثم انخفاضها بشكل هائل فيما بعد. فإذا تم تخفيض الأسعار إلى 60 دولارا للبرميل الآن، فإن عائدات ''أوبك'' ستكون أعلى من حالة استمرار الأسعار الحالية ثم انخفاضها إلى ما دون 60 دولارا فيما بعد بمقدار 200 مليون إلى 500 مليون دولار. وستكون العوائد أعلى بالطبع إذا تم التخفيض إلى 75 دولارا، السعر الذي ترغبه السعودية.

وكما ذكر في مقالات سابقة فإن السبب الرئيس لعدم تأثر اقتصادات الدول المستهلكة في ارتفاع أسعار النفط بين عامي 2003 وبداية 2008 هو أن ارتفاع أسعار النفط صاحبه ارتفاع ضخم في الإنفاق الحكومي والعسكري، في الوقت الذي ارتفعت فيه معدلات النمو الاقتصادي ودخول الأفراد ومعدلات الاستهلاك. وفي الوقت نفسه انخفض الدولار ومعدلات الفائدة، كما انخفضت معدلات الضرائب في الولايات المتحدة. كما أن شروط الاقتراض كانت سهلة للغاية. اجتماع هذه الأمور معا يجعل هذه الفترة تاريخية بكل المقاييس لأنها المرة الوحيدة في التاريخ التي تحصل فيه هذه الأمور معا. وإذا رجعنا إلى فترة السبعينيات، نجد أن ارتفاع أسعار النفط الكبير أثر سلبيا في الدول المستهلكة فانخفضت معدلات النمو الاقتصادي، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم. ونتج عن ذلك انخفاض مريع في الطلب على النفط وأسعاره لدرجة أن النفط بيع بأقل من عشرة دولارات للبرميل وأشرفت بعض الدول النفطية على الإفلاس. ويعود ذلك إلى أن فترة ارتفاع الأسعار صاحبها انخفاض في الإنفاق الحكومي وارتفاع شديد في أسعار الفائدة وزيادة في الضرائب.

بعبارة أخرى، حتى لا تؤثر أسعار النفط الحالية سلبيا في نمو الاقتصاد العالمي، فإنا نريد أن نرى، على الأقل، زيادة في الانخفاض الحكومي، وانخفاضا في أسعار الفائدة، وتخفيضا للضرائب، وزيادة في الدخول الحقيقية. ولننظر إلى وضع الاقتصاد العالمي حاليا، وإلى التوقعات المختلفة للنمو الاقتصادي التي أعلن عنها صندوق النقد الدولي أخيرا والبنوك المركزية للدول المختلفة لنرى ماذا يمكن أن يحدث لأسعار النفط.

كلنا يسمع عن الخلاف الاقتصادي الكبير بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم. وكلنا يسمع عن المشاكل الاقتصادية الضخمة التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي، والتي منها العجز الضخم في الموازنة، والميزان التجاري. ومنها أيضا ارتفاع حجم الديون إلى أرقام فلكية لا يمكن للعقل البشري أن يستوعب حقيقتها. الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين لا يتعلق برغبة الجمهوريين في تخفيض الإنفاق الحكومي ورغبة الديمقراطيين بزيادته. الكل متفق على ضرورة التخفيض، ولكن الاختلاف في حجم التخفيض. والأمر نفسه ينطبق على كل الدول الأوروبية. إذا أضفنا إلى ذلك مشاكل ديون اليونان وإسبانيا والبرتغال، وإجراءات التقشف التي تقوم بها حكومات هذه الدول، فإن النتيجة هي تخفيض الإنفاق الحكومي. إذا الشرط الأول لمنع أسعار النفط المرتفعة من التأثير سلبيا على اقتصادات الدول المستهلكة غير موجود.

الشرط الثاني، وهو تخفيض أسعار الفائدة، أو إبقاؤها منخفضة، لن يتحقق، وذلك لأسباب عدة. أولا، أسعار الفائدة الحقيقية قريبة جدا من الصفر، ولا يمكن تخفيضها إلى مستويات سالبة (بمعنى أن تعطي من يريد الاستدانة عائدا حتى يستدين منك). ثانيا، بدأ التضخم يكشر عن أنيابه في دول كثيرة، بما في ذلك الولايات المتحدة، الأمر الذي سيجبر البنوك المركزية عاجلا أو آجلا على رفع معدلات الفائدة. ثالثا، رغم انخفاض مؤشرات أسعار الفائدة الرئيسة، إلا أن أسعار الفائدة الفعلية مرتفعة وذلك لأن الأزمة المالية أخافت البنوك، فقامت هذه البنوك بوضع شروط أقسى من قبل للإقراض. إذا الشرط الثاني لمنع أسعار النفط المرتفعة من التأثير سلبيا على اقتصادات الدول المشكلة غير متوافر.

الشرط الثالث هو تخفيض الضرائب، ولكن الذي نراه الآن هو العكس تماماً، حيث إن العجز الكبير في موازنات الولايات المتحدة والدول الأوروبية أجبر أغلب السياسيين على اختلاف أطيافهم على طرح موضوع زيادة الضرائب، وكل الدلائل تشير إلى أن الضرائب سترتفع في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. هذا يعني أن الشرط الثالث لمنع أسعار النفط المرتفعة من التأثير سلبيا في اقتصادات الدول المستهلكة غير متوافر أيضا.

الشرط الرابع هو زيادة الدخول الحقيقية، ونحن نعرف أن البطالة في الولايات المتحدة ما زالت بحدود 9 في المائة، وبما أن الدخول الاسمية لم ترتفع والتضخم في ارتفاع، فإن الدخول الحقيقية تنخفض. أضف إلى ذلك الخسائر الضخمة في الثروات بسبب انهيار أسواق العقار والأسهم، نجد أن الشرط الرابع غير متوافر أيضا.

قد يقول قائل إن ما سبق ينطبق على الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، ولكن ماذا عن الصين؟ الصين لا يمكن أن تنقذ أسواق النفط لوحدها لأن قرابة 70 في المائة من استهلاك النفط ما زال في دول منظمة دول التعاون والتنمية، وأي انخفاض فيه يعني انخفاضا كبيرا لا يمكن للصين أن تعوضه. كما أن الصين تقاوم التضخم حاليا برفع أسعار الفائدة. ويجب ألا ننسى أن تباطؤ النمو الاقتصادي في دول منظمة التعاون والتنمية سيؤدي بالضرورة إلى تخفيض صادرات الصين، وبالتالي انخفاض النمو الاقتصادي فيها.

إذا انهارت أسعار النفط إلى أقل من 50 دولارا، ماذا سيحصل لاقتصادات دول الخليج؟ لا شك أن الاحتياطيات النقدية الضخمة ستساعد هذه الدول على التخفيف من وطء الأزمة، ولكن على المدى القصير فقط. ماذا لو استمر انخفاض الأسعار خمس سنوات، في الوقت الذي يزداد فيه عدد السكان بشكل كبير، وتتحول فيه المدن الخليجية إلى مدن ضخمة بكل المقاييس؟ الحل السريع هو تخفيض أسعار النفط الآن. قد يكون سعر 75 دولارا للبرميل مجرد مقولة، ولكنه ثبت الآن أنه ''حكمة''.