تطورات صناعة التيتانيوم أوكسيد (3): الآثار على شركة التصنيع الوطنية

29/05/2011 43
د. أحمد المزروعي

تمتلك شركة "التصنيع الوطنية" حصة قدرها 66 % من شركة "كريستال جلوبل" التي تنتج 800 ألف طن سنويا من ثاني أوكسيد التيتانيوم (TIO2) أي حوالي 13 % من الانتاج العالمي البالغ 6.0 مليون طن وهي تعد الشركة الثانية في هذا المجال بعد "دوبونت" المدرجة في سوق نيويورك واحد أقدم مكونات مؤشر الداو جونز الـ 30...

قبل عام 2008 كانت شركة "كريستال" تشغل مصنعا واحدا في مدينة ينبع بطاقة انتاجية قدرها 120 ألف طن سنويا وتم رفع الطاقة الانتاجية إلى 180 ألف طن مع بداية عام 2010 وبدأت الشركة العام الماضي توسعة اخرى في مصنع ينبع لرفع الطاقة الانتاجية إلى 200 ألف طن أو أكثر قليلا... ارتفعت الطاقة الانتاجية للشركة بعد استحواذها على "ليندول كيميالز" التي كانت تنتج 640 ألف طن اثناء الاستحواذ لكن أعتقد أن طاقتها الحالية بحدود 600 – 610 ألف طن بسبب اغلاق أحد المصانع الصغيرة المستحوذ عليها في عام 2009..

مرت صناعة التيتانيوم بفترة طويلة من الازدهار (نهاية السبعينات حتى بداية التسعينات من القرن الماضي) أعقبها فترة أقل ازدهارا ولكن مع تحقيق هوامش ربح جيدة خلال التسعينات ولكن خلال الفترة من عام 1998 – 2009 ظلت هذه الصناعة تراوح مكانها مع تحقيق هوامش ربح محدودة بسبب فائض الانتاج التي نتج عنها أن أصبحت عملية التسعير بايدي شركات الطلاء التي تستهلك نحو نصف الانتاج العالمي من المادة ...

وأدت الفترة الطويلة من هوامش الربح المتواضعة إلى عدم استثمار الشركات في طاقات انتاجية جديدة وكانت الأوضاع غير مواتية في عامي 2007 و 2008 ومن ثم مرت الصناعة بفترة عصيبة جدا بنهاية عام 2008 وكامل عام 2009 على اثر الأزمة المالية العالمية مما أدى بالعديد من الشركات الى اقفال دائم لعدد من مصانعها القديمة وبالتالي انخفضت الطاقات الانتاجية الى مستويات تتوازى مع الطلب آنذاك ... ليس ذلك فحسب فخلال هذه الفترة تعرضت شركة "ترونوكس" وهي من كبار المنتجين للإفلاس كما قامت "ليندول كيميكالز" بعرض قطاع التيتانيوم التابع لها للبيع (في عام 2007) وقامت شركة "كريستال" بشراء القطاع مقابل 1.2 مليار دولار لتصبح بذلك ثاني أكبر شركة منتجة للمادة في العالم..

وعندما بدأت الاقتصاديات العالمية بالتعافي نهاية عام 2009 ومن ثم انتعاش الطلب على أوكسيد التيتانيوم منذ بداية عام 2010 واستمرار تنامي الطلب منذ ذلك الوقت اتضح انه ربما بالغت الشركات المنتجة في عملية اقفال المصانع القديمة ونظرا للفترة الطويلة من عدم الاستثمار في طاقات انتاجية جديدة تحول توازن العرض والطلب إلى عدم قدرة المنتجين على تلبية الطلبيات من المستهلكين وبذلك تحولت قوة التسعير وميزان القوى من أيدي المستهلكين إلى ايدي المنتجين وذلك للمرة الأولى منذ عام 1998... فبعد أن استقرت اسعار المنتج بين 1800 و 2200 دولار طوال الفترة 1998 – 2009 ( أي 11 عاما كاملا ) تمكن المنتجون ولأول مرة من تجاوز هذا النطاق في الربع الثاني من عام 2010 ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف المنتجون عن رفع اسعار البيع كل 3 أشهر لتبلغ الأسعار 3300 دولار حاليا مع ترقب موجة جديدة من الزيادات خلال الشهرين القادمين كما أعلنت بعض الشركات المنتجة (راجع التفاصيل والتوقعات المستقبلية في المقال السابق)...

أدت هذه التطورات إلى تغير كبير في نظرة المستثمرين إلى الاستثمار بهذا القطاع ولتوضيح ذلك فإن "كريستال" اشترت قطاع التيتانيوم الذي تبلغ طاقته 640 ألف طن من ليندول كيميكالز مقابل 1.2 مليار دولار في عام 2007 دون منافسة تذكر نظرا لعدم رغبة المنتجين الآخرين بالمزايدة على هذا السعر... والآن فإن القيمة السوقية لشركة "كرونوس" الأصغر حجما والتي تنتج 500 ألف طن من المادة تبلغ 3400 مليون دولار.. وبحسبة بسيطة فإنه اذا اعتبرنا هذه التقييمات عادلة فإن القيمة السوقية لطاقة انتاجية قدرها 100 ألف طن كانت 187 مليون دولار (حسب صفقة التصنيع) وحاليا تبلغ 680 مليون دولار (حسب القيمة السوقية الحالية لـ كرونوس)... وبذلك فإن القيمة السوقية لـ "كريستال" بكاملها تبلغ قريبا من 5.5 مليار دولار لو كانت مدرجة بشكل مستقل في بورصة نيويورك بناءا على التقييم الحالي لشركة "كرونوس" الأصغر حجما منها..

وبالمناسبة فالتطورات المتسارعة التي حدثت خلال الـ 18 شهرا الماضية في صناعة التيتانيوم أدت لارتفاع سعر "كرونوس" بحوالي 1000 % من 3 دولار إلى 28 دولار حاليا..

نظرة على شركة "بيماكس" المملوكة بالكامل لـ "كريستال"

ارتفعت أسعار خامات التيتانيوم (الرمال المعدنية) مثل الـ "RUTILE" و الـ "ILMENITE" والـ "TITANIUM SLAG" خلال الاشهر الأخيرة بشكل كبير فمثلا سعر الـ "RUTILE" قفز من حوالي 600 دولار للطن نهاية عام 2010 إلى حوالي 1000 دولار حاليا ولأن معظم الزيادة حدثت خلال الربع الأول فسيكون تأثيرها على المنتجين خلال الربع الثاني من هذا العام..

تعد شركة "كريستال" من الشركات القليلة في الصناعة المحمية بشكل جزئي تجاه تغيرات اسعار الخام وذلك لكون "كريستال" استحوذت في عام 2008 على شركة "بيماكس" الاسترالية والتي تعد خامس أكبر منتج لخامات التيتانيوم في العالم ... تنتج الشركة حوالي 500 ألف طن من خامات التيتانيوم والزركنيوم (الاخير يستعمل في صناعة السيراميك) وبالاضافة الى منجمها السابق "Ginko" يتوقع ان تبدأ "بيماكس" خلال هذا العام بالانتاج من منجم "Snappers" مما سيرفع الطاقة الانتاجية للشركة.. شركة كريستال تستفيد من ذلك بشكل غير مباشر حيث ان كريستال الأم تشتري من "بيماكس" بسعر السوق كغيرها من الشركات وبالتالي فإن ارباح "بيماكس" سترتفع هذا العام ويعود ذلك بالنفع على الشركة الأم "كريستال"..

ويمكن في هذه المناسبة أن أشير إلى أن "كريستال" هي اكثر شركة تكاملية في صناعة التيتانيوم في العالم اي انها تنتج اللقيم (خامات التيتانيوم) وثاني اوكسيد التيتانيوم بالاضافة إلى معدن التيتانيوم نفسه حيث ان الشركة قامت في عام 2008 بالاستحواذ ايضا على شركة "International Titanium Powder" التي تنتج بودرة معدن التيتانيوم بكلفة منخفضة واعتقد أنها ستبدأ الانتاج التجريبي خلال هذا العام..

الآثار على شركة التصنيع

اذا صحت توقعت الخبراء والشركات العاملة بالصناعة حول الارتفاع المتوقع لأسعار الـ TIO2 خلال الفترات القادمة وان دورة الازدهار ستستمر لفترة سنوات عديدة كما تم الاشارة لذلك في المقالين السابقين فإن ذلك سيكون له انعكاسات ايجابية على شركة التصنيع الوطنية وهي انعكاسات لم تكن بالحسبان قبل سنة أو سنتين من الآن:

1. تشير التقديرات إلى أن نحو 40 الى 45 % من ارباح الشركة خلال الربع الأول 2011 جاءت بفضل حصة الشركة في كريستال ومن المنتظر بعد زيادة الأسعار أن تساهم حصة الشركة في كريستال بأكثر من 50 % من الأرباح بدءا من النصف الثاني من عام 2011 وقد تزيد هذه النسبة في عام 2011 في حال استمرت أسعار الـ TIO2 بالارتفاع مستقبلا..

2. سيؤدي زيادة حصة كريستال في أرباح شركة التصنيع الى تغيير نظرة المستثمرين للشركة وفصلها عن النظرة العامة لها بأنها شركة بتروكيماويات بشكل رئيسي إلى شركة متعددة الصناعات وهذا على ما أعتقد سيقلل التخوفات من التاثيرات المتعلقة بتقلب أسعار البتروكيماويات مما يمكن المتعاملين من دفع مكررات أرباح أعلى للسهم مقارنة بالمكرر المستقبلي الحالي (أقل من 10 مرات)..

3. التدفقات النقدية ستكون عالية جدا بدءا من النصف الثاني للعام الحالي وفي حال صدقت توقعات المحللين والعاملين بالصناعة للأعوام القادمة فإن ذلك سيؤدي إلى رفع مستوى النقدية وانخفاض صافي المديونية في الميزانية الموحدة باسرع مما كان معتقدا من قبل وهو ما سيؤهل الشركة لرفع نسبة التوزيعات النقدية من اجمالي الأرباح المحققة إلى مستوى 60 – 75 %... كما ان تسارع انخفاض صافي المديونية سيقلل مستقبلا من تكاليف التمويل وبالتالي تحسين الربحية (بلغت تكاليف التمويل في الميزانية الموحدة 648 مليون ريال في عام 2009 و 659 مليون ريال في عام 2010 وينتظر أن تنخفض هذه الارقام بسرعة خلال الأعوام القادمة)..

لعل أول رد فعل على هذه التطورات جاء من "كريديت سويس" التي بدأت تغطيتها لسهم الشركة عند 55 ريال للسهم علما بأن التقرير افترض معدل اسعار لثاني أوكسيد التيتانيوم على 3000 دولار للطن خلال العام 2011 و 3150 دولار للأعوام 2012 و 2013 وهو معدلات تقل حتى عن الاسعار السائدة حاليا... وعلى حسب التقرير فإن السعر العادل يبلغ 69 ريال في حال كانت الأسعار الفعلية للـ TIO2 أعلى بـ 10 % من المفترض بالتقرير و 81 ريال في حال كانت الأسعار الفعلية أعلى بـ 20 % من المفترض بالتقرير وذلك بافتراض ثبات اسعار البتروكيماويات عند مستوياتها الحالية..

ولمن لم يطلع على تقرير "كريديت سويس" بامكانه الاطلاع على الملخص في هذا الرابط.