التحديات
إلا أن المعطيات الإيجابية أعلاه تواجهها مجموعة تحديات جدّية منها:
1- ميل شريحة مهمة من الشعب الكويتي إلى الراحة والترف.
حيث نعتقد أن الوضع الحالي لشريحة عريضة من المواطنين الكويتيين أقل من مستوى الطموح لأي شعب من الممكن أن يعيش في ظروف عادية ، أي ظروف ليست قاسية وليست مترفة كما هو وضعنا الحالي ، وذلك لا يعتبر عيبا في الشعب الكويت ذاته ، بل عيبا فيمن أوصلنا إلى الوضع غير المنتج وغير المرضي، وهي السلطة التنفيذية ابتداءا، وما لبثت أن لحقتها السلطة التشريعية.
2- الخلل الهيكلي ما بين العمالة في القطاع الخاص والقطاع العام :
حيث نرى أن السلطتين التشريعية والتنفيذية مسؤولتان عن عزوف المواطنين عن العمل في القطاع الخاص وتفضيل القطاع العام ، مما جعل القطاع الخاص طاردا للعمالة الوطنية تلقائيا، وذلك في مقابل قطاع عام جاذب وبقوة لها، حيث ينتاب القطاع العام الكويتي مظاهر سلبية أكثر من الإيجابية، ومنها، الاتكالية وعدم المسؤولية وتفشي المحاباة والمحسوبيات وفترة العمل القصيرة نسبيا بالمقارنة مع القطاع الخاص ، وكذلك عدم الالتزام بمواعيد العمل وضعف الانتاجية، ناهيك عن استغلال البعض للعمل في القطاع الحكومي للكسب غير المشروع، مثل : قبض الرشاوي وتمرير المصالح غير المشروعة والتستر على مخالفات لمكاسب مادية وغير مادية ... إلخ من مظاهر الفساد الإداري المستفحل وابرام الصفقات تحت الطاولات كما يقال.
3- الخلل الهيكلي في توزيع النشاط الاقتصادي في الدولة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص:
فعلى سبيل المثال، فإن الاقتصاد الكويتي يعتمد على انتاج النفط وتكريره ونقله وتسويقه بشكل رئيسي، وجميع تلك المفاصل بيد القطاع العام، وذلك رغم التطبيقات الخجولة في تحويل بعض الأنشطة للقطاع الخاص مثل محطات التزود بالوقود، وبالتالي، فإن القطاع الخاص الكويتي يفتقر إلى الفرص الحقيقية لاستثمار طاقاته داخل الدولة بسبب الخلل ما بين الموارد المتاحة للقطاعين العام والخاص، والذي يعطل تنمية الكفاءات البشرية الوطنية، والتي تعتبر - في شريحة عريضة منها - مهمشة في وظائف مترفة وغير منتجة وضعيفة الكفاءة والمردود.
ولعل قانون الخصخصة الذي تم إقراره العام الماضي يعتبر بارقة أمل لإصلاح الخلل، لكن هناك تحفظات على بنود رئيسية منه من شأنها تخفيض المكاسب المرجوة منه، ناهيك عن إشكالات البيروقراطية المرتبطة بتنفيذه على أرض الواقع .
4- التأزيم المستمر ما بين السلطتين :
منذ تحرير الدولة من الغزو الصدامي عام 1991، ونحن نشهد تصاعدا مستمرا للصراع ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولسنا هنا بصدد إلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك، إلا أن هذا الصراع وتصاعده غير مبرر في جانب كبير منه، والذي وصل إلى حشد الجهود وهدر الأموال وتضييع الوقت ... إلخ، وكل ذلك على حساب التنمية وتطوير الاقتصاد، وفوق هذا وذاك؛ إحباط النهوض بمستوى المواطن الكويتي لقيادة التنمية ومواجهة التحديات.
5- الكويت أصبحت بيئة طاردة :
وبعيدا عن الخلل ما بين مساهمة القطاع العام والقطاع الخاص في الاقتصاد الوطني ، وبعيدا عن الخلل ما بين طاقات العمل الموجهة للقطاع العام والخاص وأثر ذلك على عدم التوازن في التركيبة السكانية، أصبحت دولة الكويت بيئة طاردة ليس للمستثمر الأجنبي فحسب، بل للمستثمر الوطني، حيث تتنافس الدول المجاورة على جذب الطاقات المالية الكويتية، مما جعلنا نتبوأ مراكز متقدمة في تصدير رأس المال وليس استيراده، وربما هذا يكون وضعا طبيعيا لصغر المساحة الجغرافية والفرص الاستثمارية بالمقارنة مع الفوائض المالية، لكن ذلك يجب أن لا يكون مبررا للقبول بالوضع الحالي سواء بتكدس الودائع لدى البنوك وحتى لو كانت تلك البنوك وطنية ، وذلك دون قيمة مضافة حقيقية منها، هذا من جانب، ومن جانب آخر، تسابق المستثمرين الكويتيين في إعمار ونهضة دول متعددة دون الالتفات لأولوية بلدهم في التنمية والبناء، إلا أننا يجب أن نعترف – وللأسف الشديد - بأن هجرة الرساميل الوطنية مبررة في ظل الظروف الحالية بسبب البيئة الطاردة في بلدنا.
6- تخلف التشريعات والتنظيمات :
كما هو معروف ، فإن معظم التشريعات الكويتية تم سنّها مع بداية عهد الاستقلال، أي منذ نصف قرن، وبالتالي، فإنها لا تواكب الطفرة خلال تلك الفترة الطويلة في جميع المجالات، وهو ما يعرقل أي نمو اقتصادي حقيقي مستقبلي، ناهيك عن تفشي البيروقراطية وطول وتعقيد دورة إنجاز الأعمال لدى المؤسسات الحكومية، ولابد لنا أن نشير في هذا السياق إلى أهمية ما تم انجازه من قوانين مؤخرا، خاصة فيما يتعلق بهيئة أسواق المال وخطة التنمية وخلافه، إلا أن ذلك لا يكفي للانطلاق إلى المستقبل بخطى سريعة وواثقة، وذلك لغياب منظومة القوانين المتكاملة والحديثة لدفع عملية التنمية وإنعاش الاقتصاد على النحو المنشود .
تحديات أخرى
من جانب آخر، فأن هناك أسبابا أخرى عامة لضمور الوضع الاقتصادي للدولة، وأيضا عدم التفاؤل بالوضع المستقبلي، نذكر جزءا منها بإيجاز:
1. تشتت الجهود والطاقات واستفحال مبدأ الأنانية .
2. التشاحن ما بين أطياف الوطن الواحد بشكل غير مبرر.
3. دعم متنفذين في الدولة لبعض مثيري الأزمات ومزعزعي الوضع الداخلي .
4. التفكك الاجتماعي وضعف مؤسسة الأسرة.
5. الانشغال بقضايا خارجية والتصارع حولها محليا .
6. تفشي ظاهرة الاستهلاك غير الرشيد وضعف التوجه للادخار والاستثمار الحقيقي.
7. تزايد الشعور باليأس والإحباط من تحسن الوضع على جميع أو معظم الجبهات.
الإيجابيات
ولكن هناك إيجابيات من الجدير ذكرها سواء كانت اقتصادية أو غير اقتصادية، حيث لا بد من الحديث عنها عندما نطرح السلبيات ، وذلك للإنصاف والموضوعية من جانب ، ومن جانب آخر ؛ للحد من حالة اليأس والإحباط التي تعيشها شريحة عريضة من المواطنين والمجتمع الاقتصادي تحديدا، ومن تلك الإيجابيات :
1- أن الطبقة المتوسطة في الكويت تعتبر - من حيث النسبة والتناسب - من أكبر الطبقات المتوسطة في العالم ، وهذه نقطة إيجابية كبرى تساهم في الاستقرار الاجتماعي والأمني ولو بشكل غير مطلق بكل تأكيد .
2- تعاقد الحاكم والمحكوم على إدارة الدولة، والمتمثل في الدستور ، والذي يعتبر صمّام الآمان لمنع أي اضطراب حاد مفاجئ ، وذلك كما حدث في عدة دول عربية مؤخرا .
3- شيوع ثقافة وجود الآخر إلى حد مقبول بالمقارنة مع مجتمعات أخرى مجاورة ، حيث إنه رغم المشاحنات والسجالات من وقت لآخر ما بين توجهات مختلفة ؛ إلا أننا نرى استبعادا تدريجيا لثقافة الإلغاء والإقصاء.
4- لا يجب أن ننكر نعمة النفط والوفرة المادية المترتبة عليها، والتي نعتقد أنها من مميزات الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وذلك رغم سلبياتها المعروفة، والتي نتمنى وضع حد لها وعدم السماح باستفحالها، حتى لا تتحول نعمة النفط إلى نقمة .
ونود أن ننوه في الختام ، إلى أنه تم استبعاد لغة الأرقام في الطرح أعلاه بسبب نطاق الموضوع العام وليس الفني الدقيق والعلمي البحت، ناهيك عن الفترة القصيرة لإعداده، وكذلك لإراحة المحاضر والمستمع - ولو مؤقتا - من لغة الأرقام التي نتداولها باستمرار دون فائدة مرجوة أحيانا.
المحاضرة مقدَّمة إلى: جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية يوم الأربعاء الموافق 11/5/2011
مشاركة ناصر سليمان النفيسي المدير العام – مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية