شهدت السلع تحقيق مكاسب متواصلة للربع الثالث على التوالي، مع ارتفاع في أسعار الطاقة خلفته المخاطر الجيوسياسية الناجمة عن الاضطرابات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وخلال هذه العملية، تمكنت كل من المؤشرات الثلاثة الرئيسية للسلع الأساسية من التفوق على مؤشر MSCI للأسهم الدولية، الذي ارتد بنسبة 4.3 ٪ لهذا الربع. وقد كان الأداء الأقوى هو ذاك الذي حظي به مؤشر ستاندرد آند بورز S&P GSCI، وخصوصًا مع تعرض المؤشر الكبير لقطاع الطاقة، حيث تمكن من الارتفاع بنسبة 11.6 ٪ في حين أن مؤشر DJ UBS الذي ينتهج النهج الأوسع من بين المؤشرات، قد ارتفع 4.4 ٪. وفي موقع الوسط، نجد مؤشر رويترز جيفريز CRB الذي حقق نسبة 8٪ لهذا الربع.
تسلط هذه الأرقام الضوء بوضوح على المكاسب المختلطة التي حققتها مختلف القطاعات، إلا أن قطاع الطاقة ككل كان صاحب الأداء الأفضل من بينها، في حين أن القطاعات الأخرى، مثل المعادن الأساسية، قد صارعت لتتمكن من تحقيق بعض الأداء. ومن العوامل الأخرى التي أثرت على الأسعار خلال الربع الأول الزلزال الياباني والأزمة النووية اللاحقة له (حيث لا يزال مدى التأثير الكامل لكل منهما غير معروف)، وارتفاع معدل التضخم على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة.
قضايا عالقة
سوف تبقى هذه القضايا ترافقنا خلال الربع الثاني، مجتمعة مع التكهنات بشأن الموعد الذي سوف تتوقف فيه البنوك المركزية الرئيسية في جميع أنحاء العالم عن منح الحوافز النقدية. وقد وضع هذا الأمر أسواق السندات العالمية تحت الضغط وخصوصًا في ظل وجود هذا المزيج من الارتفاعات في معدلات التضخم الذي رافقه مجموعة من التوقعات بشأن أسعار فوائد أعلى تحددها البنوك المركزية، مما أدى إلى توجه العديد من المستثمرين إلى أسواق الأسهم سعيًا منهم لتحقيق العوائد.
ارتفاع أسعار الطاقة
حققت أسعار الخام والمنتجات المكررة ثلاثة من أصل أربعة مكاسب كانت هي الأكبر خلال هذا الربع. وبعد تداولات متذبذبة عبر الأسبوعين الماضيين، ارتفعت أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى أعلى معدل لها على مدى 30 شهر، بعد أن قامت مجموعة من المستثمرين "بتجميل" الحقائق المالية في نهاية الشهر، إلا أن السبب الأهم للارتفاع تمثل في مخاوف حول أن الصراع في ليبيا سوف يطيل من فترة التخفيض في نسب الإنتاج، وسوف يضع الموردين الآخرين تحت الضغط ليتمكنوا من سد النقص. استعاد معمر القذافي السيطرة على ميناء رأس لانوف النفطي، بل وقصف البريقة أيضًا، وهو ما يمثل مركزاً آخر للطاقة يثير مخاوف من أن عملاء النفط السابقين سوف يجدون أنه من المستحيل تقريبًا التعامل مع التقدم الذي يشهده النظام الحالي.
ولغاية اللحظة، لا توجد أي مؤشرات للكشف عن دمار في معدلات الطلب، على الرغم من ارتفاع اسعار برنت 46% وخام غرب تكساس الوسيط 35% مقارنة بمتوسط أسعارهما في عام 2010. وقد وضع هذا الارتفاع ضغوطًا على المملكة العربية السعودية التي تُعد المنتج الأكبر للنفط بعد روسيا لسد النقص، حيث تحتفظ المملكة بمعظم احتياطي النفط عالميًا. تشير البيانات التي تم الحصول عليها لغاية الآن إلى أن معدل الإنتاج في مارس فقط ارتفع بمقدار 300,000 برميل يوميًا. وهو ما يقل كثيرًا عن معدل النقص الحالي المقدر بـ 1.6 مليون برميل يوميًا بسبب الاضطرابات التي تشهدها ليبيا.
مرحلة التصحيح في قطاع الحبوب
إن التقرير الذي طال انتظاره من وزارة الزراعة الأميركية والذي يسلط الضوء على نوايا المزارعين بما يتعلق بالمحاصيل التي سيتم زرعها في موسم 2011/12 كان متوافقاً مع التوقعات، مع تباينات تزيد أو تقل عنها. ينوي المزارعون الأميركيون زيادة المساحات المزروعة بالذرة والقطن والقمح استجابة لارتفاع الأسعار الحاد على مدى العام الماضي، في الوقت الذي حققت فيه محاصيل فول الصويا والأرز خسائر.
على الرغم من أن الذرة قد حققت ثاني أكبر مساحة زراعية لها منذ عام 1944، إلا أن استجابة السوق تمثلت في رفع أسعار الذرة بنسبة 11%، فمستويات المخزون من المحاصيل القديمة قد تراجعت تراجعًا حادًا بالمقارنة مع التوقعات، وقد انخفض المخزون الاحتياطي إلى أدنى مستوى له منذ عام 2007، مما أثار القلق من عدم تمكن المحصول الجديد من إعادة بناء المخزون لمستوى مستدام على الرغم من زيادة الإنتاج. سوف تستمر المنافسة الناتجة عن ارتفاع أسعار البنزين (وبالتالي زيادة الربحية من تحويل الذرة إلى ايثانول)، خصوصًا مع توقع توجيه 40٪ من إنتاج الولايات المتحدة لإنتاج الوقود، حيث تم احتساب إنتاج الايثانول وتبين أنه مربح، وهو أقل من سعر الذرة بمقدار 9 دولار، مما يحيد عن المستويات الحالية بنسبة 23%.
وكانت التقارير سلبية بما يتعلق بأسعار القمح، ولكن نظرًا للارتفاع القوي في أسعار الذرة وفول الصويا، فقد أنهت اليوم على ارتفاع أيضًا. وتأثرت أسعار القمح أيضًا بالظروف الجوية الجافة التي تسيطر حاليًا على سهول الولايات المتحدة والصين، أكبر منتجين للقمح في العالم، مما زاد من مخاطر تأخير الزراعة وانخفاض العوائد. مستويات المخزون في أوروبا هي بالفعل منخفضة، وخصوصًا بعد حظر التصدير الروسي وزيادة الطلب من شمال أفريقيا.
تستحوذ الظروف الجوية الآن على الاهتمام، حيث سيكون لسوق الحبوب استجابة محدودة أو معدومة تجاه الصدمات الجوية مثل تلك التي حدثت في العام 2010 والتي دفعت باتجاه زيادة الأسعار. إننا بحاجة إلى ظروف جوية ممتازة وبالتالي إنتاج مرتفع كي نتمكن من التغلب على هذا الوضع الذي يتسم بانخفاض المخزون. وبعيداً عن الظروف الجوية شبه الممتازة، فإن الخيار الآخر الوحيد في الوقت الحالي سيحتاج إلى تكلفة أعلى من أجل الوصول إلى مستويات يثبت عندها التدمير في معدلات الطلب. وعلى هذا الأساس، يبدو الأمر كما لو أن التعديل الذي جرى في المراحل الأولى من شهر مارس لم يكن في الواقع سوى تعديل تلازمه مخاطر صعود الأسعار. لا يبدو ذلك جيداً بالنسبة لتضخم أسعار الأغذية المرتفعة أصلاً. هذا الأمر سيستحوذ على انتباه وسائل الإعلام العالمية في الأشهر القادمة وسيتسبب في إثارة قلق البنوك المركزية.
الذهب ينهي الربع العاشر على التوالي بارتفاع
أنهى الذهب شهر مارس بارتفاع للربع العاشر على التوالي، مما يمثل السلسلة الأطول لتحقيق الانتصارات منذ أكثر من ثلاثة عقود. إلا أن الارتفاع في شهر مارس لم يكن بذات القدر كما في السابق، حيث أمضى المعدن معظم شهر مارس في تداولات متذبذبة وفشل في تحقيق ذات السيطرة التي تمكن من تحقيقها بديله الأرخص معدن الفضة. يوجد حاليًا مقاومة محكمة تتجه نحو سعر 1,450، وخصوصًا مع إقبال المستثمرين على تقليص حجم المراكز قبل التوقف المحتمل عن توفير التسهيلات الكمية في الولايات المتحدة والعودة لأسعار الفائدة الطبيعية، وهذا من شأنه تخفيض القدرة التنافسية للذهب والفضة لأنها أصول لا تدر الفوائد.
في نفس الوقت، فإننا لا نرى أية مخاطر سلبية مع وجود السعر البديل بمقدار 1,400، والذي يتلقى دعمًا جيدًا على خلفية المخاطر السياسية التي تسود شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مجتمعة مع نوايا البنوك المركزية لزيادة ممتلكاتها. لاقت الفضة، التي تفوقت على الذهب أداءً بنسبة 40 بالمائة عبر الأشهر السبعة الماضية، بعض المقاومة التي هدفت توجيه السعر إلى 38 دولار للأوقية الواحدة، مع غيرها من المعادن الصناعية مثل النحاس، والتي تلاقت مع البائعين في الآونة الأخيرة على خلفية الارتفاع في مخزون الصين.