جذب للاستثمارات الأجنبية أم أوكازيون؟

30/03/2011 10
محمد العمران

خلال منتدى جدة الاقتصادي الذي انعقد أخيرا، صرح محافظ الهيئة العامة للاستثمار بأن المملكة تمكنت من تحقيق المركز الثامن بين دول العالم، من حيث حجم التدفقات الاستثمارية ـــ طبقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" عام 2010، كما صرح معاليه أيضاً أن إجمالي مخزون الاستثمارات الأجنبية في المملكة بلغ حالياً 552 مليار ريال، وهي إنجازات تدعونا كمواطنين للفخر والاعتزاز، لكن دعونا ندقق قليلاً في الكيفية التي تم بها جذب هذه الاستثمارات لنفهم حقيقة ما يجري.

فعلي سبيل المثال، عندما ندقق في المشروع الضخم لإنتاج الألمنيوم المقام في مدينة جازان الاقتصادية باستثمارات بلغت 15 مليار ريال من قبل شركة ويسترن وي الصينية للتنمية الصناعية WWIDC، سنجد أن الأرض التي يقام عليها المشروع مقدمة من قبل مدينة جازان الاقتصادية بأسعار تفضيلية، وسنجد أن المادة الخام للمشروع (البوكسايت) سيتم جلبها مباشرة من اليونان، وسنجد أن العمالة التي ستنفذ وتدير هذا المشروع هم في الغالب عمالة أجنبية مستوردة، وسنجد أن المشروع سيحصل على المنتجات النفطية وحصص الغاز الطبيعي وخدمات المياه وغيرها من الخدمات بأسعار تفضيلية، وفي النهاية سنجد أن المستثمر الأجنبي ينوي تصدير كامل إنتاجه إلى خارج المملكة.

لا أدري حقيقة إذا كان المشروع سيستفيد أيضاً من الإعفاءات الجمركية الخاصة بالمواد الخام والآلات والمعدات الخاصة بمصفاة البوكسايت ومصهر الألمنيوم (لأن الفيلم الكوميدي الذي نشاهده حينها سيكتمل)، لكني على الأقل متأكد من أن هذا المشروع سيستفيد بشكل كبير من الحوافز الضريبية التي ستمنح له بحكم أن منطقة جازان من المناطق التي يشملها نظام الامتيازات الضريبية المتعلق بالمناطق الأقل نمواً في المملكة، وبالتالي فإن ضريبة الدخل التي تفرضها حكومة المملكة على هذا المشروع ستقل كثيراً عن نسبة 20 في المائة التي يتم فرضها نظامياً على جميع الاستثمارات الأجنبية في المملكة.

هنا يحق لنا أن نتساءل: ماذا ستستفيد المملكة من استثمارات أجنبية بهذا الشكل؟ وما القيمة المضافة التي ستقدمها مثل هذه المشاريع لاقتصاد المملكة؟ هل طورت الموارد الطبيعة مثلا؟ هل خلقت فرص عمل للمواطنين؟ وهل ستلبي احتياجات اقتصادية يفتقدها حالياً القطاع الخاص أو العام؟ إذن ماذا استفدنا من مثل هذه المشاريع التي أشبه ما تكون بمشاريع الأوف شور offshore (وما أكثرها في مدننا الاقتصادية)؟ والأهم ماذا يجبرنا على تقديم كل هذه التنازلات التي أشبه ما تكون بالأوكازيون؟

الآن ومن خلال هذا المثال البسيط الذي يعكس واقع الاستثمار الأجنبي في مدننا الاقتصادية الجديدة .. هل عرفتم كيف تمكنت المملكة من تحقيق المركز الثامن من بين دول العالم قاطبة من حيث التدفقات الاستثمارية؟ وهل عرفتم كيف تمكنت المملكة من جذب استثمارات أجنبية بقيمة إجمالية بلغت ما يقرب من 552 مليار ريال؟ وهل عرفتم لماذا لم يستفد الوطن والمواطن بشكل ملموس من هذه الاستثمارات؟