صحح تجارتك .. بقي يومان فقط

14/02/2022 1
عبد الحميد العمري

قبل أن تعرف أنه لم يبق غير يومين فقط "48 ساعة فقط" على نهاية مهلة تصحيح تجارة المتورطين في التستر التجاري، فإن هذه المهلة تم تمديدها قبل نحو ستة أشهر أخرى، ليصل مداها الزمني إلى عام كامل مضى، ونجا بتجارته من نجا خلالها، وبعد يومين فقط سيلقى المخالف مصيره المحتوم بلغة النظام، بدءا من غرامات مالية تصل إلى خمسة ملايين ريال، مرورا بالسجن فترة قد تصل إلى خمسة أعوام، ونهاية بشطب السجل التجاري وغيرها من العقوبات المستحقة التي كان في الإمكان تجنبها لو تمت الاستفادة من تلك المهلة الزمنية الطويلة والمرنة التي سمح بها النظام، وفتح من خلالها الأبواب أمام المخالفين والمتورطين، والاستفادة من المزايا التي أتاحها بدءا من إمكانية استمرار نشاط المنشأة، والإعفاء من عقوبات نظام مكافحة التستر وما يترتب عليه، والإعفاء أيضا من دفع ضريبة الدخل بأثر رجعي، والتمتع بحرية مزاولة الأنشطة الأخرى وفق الأنظمة المعمول بها، وخضوع عمليات التصرف بالأموال للنظام شأنها شأن بقية المنشآت ذات الوجود المرخص والنظامي، وأخيرا تمتع تلك المنشأة وملاكها بالاستقرار والتوسع في النشاط.

كل ما تقدم ذكره، سيصبح طي النسيان بعد أقل من يومين من تاريخه، وسيكون على المنشآت المخالفة والمتورطين فيها مواجهة مصيرهم المحتوم بلغة النظام الصارم، والاصطدام المباشر بحزمة من العقوبات الصارمة لا مجال لأي طرف مخالف أن يصمد في وجهها، يمكن التأكيد أنها تتوافق بدرجة كبيرة جدا مع ما شكله الخطر التنموي للتستر التجاري طوال عقود زمنية طويلة مضت، ألقى بظلاله القاتمة على أجزاء واسعة جدا من أوجه الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي محليا، وبما مثله من فجوة عملاقة للتسرب المالي والاقتصادي لمقدراتنا ومواردنا الوطنية باتجاه الخارج، إضافة إلى ما تسبب فيه من إضعاف مستمر ومتصاعد لمختلف أشكال المنافسة في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، وتسببه أيضا في إضعاف واسع النطاق لاستثمار الفرص المتوافرة محليا أمام رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية على حد سواء، وتورطه كذلك في حرمان اليد العاملة المواطنة من الحصول على فرص العمل الكريمة في مختلف القطاعات الاقتصادية التي سيطر عليها التستر التجاري والمتورطون في جرائمه، وغير كل ذلك مما تقدم ذكره من انتشار واتساع لدائرة كثير من المخاطر الاقتصادية والمالية والاجتماعية الأخرى المرتبط وجودها بوجود داء التستر التجاري.

طالما تم التأكيد في مقالات سابقة من الكاتب وغيره من المختصين بالشأن الاقتصادي تحديدا، والتنموي عموما، طوال الأعوام الماضية، على الضرورة القصوى بالإسراع إلى مواجهة مخاطر التستر التجاري بمختلف أشكاله بأقوى التشريعات والإجراءات النظامية، والعمل المتكامل من الأجهزة الحكومية كافة وبتعاون منشآت القطاع الخاص والمجتمع على محاربته والقضاء عليه، وهو بالفعل ما حدث كإحدى أهم وأبرز ثمار البرامج الإصلاحية التي دشنتها المملكة ضمن برامجها العديدة تحت مظلة رؤية المملكة 2030، والممثلة في "البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري" الذي سيكتمل عمل أدواته النظامية بعد أقل من يومين.

كما يجب التأكيد أن من أهم وأبرز النتائج الإيجابية للقضاء على التستر التجاري بعد البداية الفعلية للبرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، لا ولن تقف عند مجرد التخلص من الآثار السلبية للتستر تنمويا واقتصاديا وماليا واجتماعيا، رغم ما قد يتزامن معها من بعض الصعوبات على مستوى إمدادات السوق المحلية، وما قد يترتب عليها من ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات التي قد تتأثر نتيجة ارتفاع أشكال التستر فيها، والبدء بتطبيق العقوبات عليها ومن أهمها إيقاف نشاطها. ورغم كل تلك التغيرات، فإن النتائج الإيجابية في الأجلين المتوسط والطويل ستتجاوز ذلك إلى أبعد منه بمسافات واسعة وذات أهمية بالغة تنمويا واقتصاديا، ذلك أن ما سينتج عنها بعد تنقية وتطهير بيئة الأعمال المحلية من الآفة التنموية المتمثلة في "التستر التجاري"، فإن دوائر الاقتصاد الوطني وبيئة الأعمال حتى على مستوى المجتمع عموما، ستكون جميعها على مواعيد واعدة جدا تنمويا واقتصاديا واجتماعيا، بمشيئة الله تعالى.

لعل من أهم تلك المواعيد الإيجابية المنتظرة الانفتاح واسع المجال أمام ولادة أعداد هائلة من استغلال الفرص الاستثمارية المجدية أمام المواطنين ورؤوس الأموال الوطنية، بكل ما ستحمله معها من توافر مئات الآلاف من فرص العمل الكريمة أمام الموارد البشرية المواطنة ذكورا وإناثا، وما سينعكس به من آثار إيجابية على تسارع معدلات تحسن مستويات الدخل بالنسبة لهم، وما سيؤدي إليه ذلك من زيادة الاستقرار المالي والمعيشي للأفراد والأسر على حد سواء، إضافة إلى مساهمة كل ذلك مجتمعة في المحافظة على الأموال والثروات الوطنية، وحمايتها من التسرب إلى خارج حدود الاقتصاد الوطني، وتحقيق النجاح الملموس على مستوى إبقائها في موطنها بما سيعود بنفعها العميم على البلاد والعباد، وكل ذلك سيسهم في إعادة تدويرها واستثمارها في مختلف النشاطات المتعددة للاقتصاد الوطني، وسيسهم أيضا في تعزيز وترسيخ الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، إضافة إلى المساهمة في تسريع وزيادة تنوع قاعدة الإنتاج المحلية، وتعزيز مستهدفات بقية البرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية