الحد الأدنى للأجور

26/03/2011 1
د. قصي الخنيزي

من ضمن القرارات والأوامر الملكية الكريمة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ في جمعة الخير 18/3/2011، يأتي قرار اعتماد الحد الأدنى للأجور في القطاع العام بثلاثة آلاف ريال, وقرار صرف ألفي ريال كإعانة للباحثين عن العمل كقرارين يتناسقان مع حرص القيادة على رفاه المواطن والعزم الأكيد للقضاء على البطالة وتأهيل الشباب للمشاركة في المسيرة التنموية ومسارها التصاعدي الذي يشهد له منحنى النمو الاقتصادي على الرغم من الأزمة المالية العالمية في السنتين الأخيرتين التي لم توفر منطقة دون أن تؤثر عليها. فالقرار الكريم بالحد الأدنى للأجور في القطاع العام قرار صريح وواضح يبين أن أي سعودي يتوظف في القطاع العام سيحصل على حد أدنى من الأجر الشهري يبلغ ثلاثة آلاف ريال للعيش بحياة كريمة تأخذ في الحسبان الظروف المعيشية والمستوى العام للأسعار وأوجه الإنفاق والاستهلاك والادخار.

وعلى الرغم من عدم تحديد حد أدنى للأجور في القطاع الخاص المحكوم بقوى السوق بطبيعته، إلا أن تحديد حد أدنى للأجور في القطاع العام بجانب إعانة الباحثين عن العمل تشير بصورة مباشرة ومن منظور اقتصادي بحت إلى قرب التوصل إلى حد أدنى للأجور في سوق العمل ككل وفي طليعتها القطاع الخاص. فمعونة الباحثين عن العمل ستشكل اقتصادياً وواقعياً وبشكل مباشر الحد الأدنى لأجور السعوديين في القطاع الخاص حين يتم تهميش أي تكاليف أخرى. فعلى سبيل المثال، سيقوم الباحث عن العمل ــــ وبناء على لوائح الإعانة ــــ بالبحث عن وظيفة أو عمل في القطاعين العام والخاص بشرط أن يتحصل الباحث عن العمل على عائد من الوظيفة يفوق العائد من دخل العمل. بمعنى آخر، أن يكون المرتب بجانب المميزات والبدلات متفوقاً على ما يتحصل عليه الباحث عن العمل من معونة شهرية. فإذا حصل العاطل عن العمل على وظيفة حكومية براتب الحد الأدنى ثلاثة آلاف ريال تتطلب المواصلات إليها 1500 ريال، ودون أخذ عوامل التأمين الصحي والادخار في الحسبان، فمن غير المجدي اقتصادياً التقدم إلى الوظيفة، وقد يبقى العاطل عن العمل في البيت كخيار اقتصادي منطقي نظراً لضعف الجدوى الاقتصادية من الالتحاق بالوظيفة.

من ناحية أخرى، إن الحد الأدنى لأجر القطاع العام في ظل غياب حد أدنى لأجور القطاع الخاص قد يؤدي إلى تركيز طلب العمل على القطاع العام للوظائف التي هي دون الحد الأدنى لأجور القطاع العام وهي أعلى من إعانة الباحثين عن العمل، مما يصب في عكس أهداف برنامج السعودة تبعاً لتوازنات قوى السوق ومنطقية تحركات قوى عرض العمل في وظائف القطاع الخاص التي تقل عن الحد الأدنى للأجور في القطاع العام وعن إعانة الباحثين عن العمل أو ما بينهما.

وعليه، للتوفيق بين متطلبات قوى السوق وللوصول إلى توازن منطقي في قوى العرض والطلب وتسعيرها في سوق العمل أخذاً في الاعتبار العدالة الاجتماعية والاقتصادية، فمن المهم أن يتم تحديد الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص للسعوديين بآلية تتناسق مع واقع معونة الخير ومع آلية السعودة ومتطلباتها. وهنا أشدد على أن أي حجة أو ادعاء من القطاع الخاص يتعلق بتضرر التنافسية هو محض خيال، خصوصاً أن مواجهة ارتفاع تكاليف الموارد البشرية أو مدخلات الإنتاج في بيئة تنافسية مثالية قد تتم مواجهتها برفع الكفاءة والاهتمام بالتدريب والتأهيل المستمر بجانب موازنة جوانب الإنتاج والتسعير والتشغيل وفعاليتها جميعاً.

وبصراحة، فإن على القطاع الخاص تعديل وإصلاح هيكل مرتباته للسعوديين بناء على المستجدات في سوق العمل والقرارات الكريمة بشكل يتيح للسعوديين العاملين حالياً ملاحظة الجدوى الاقتصادية والتطلع للمستقبل دون أن يخالجهم شك بأن سوق العمل والنمو الاقتصادي الكلي لن يظلهم بظلاله وبأن عرض العمل والبحث عنه أكثر جدوى من إعانة البحث عن العمل. هذه الوقفة السريعة مع توازنات سوق العمل ستتبعها وقفات تركز على العرض والطلب الكليين للعمل وتوازنات الأجور بناء على قواعد العمل الجديدة، فإلى حين.