بعض حالات التضخم الجامح في العالم

22/03/2011 2
د.محمد إبراهيم السقا

يعد التضخم أحد المشكلات الاقتصادية الهامة على المستوى الكلي، والتضخم أنواع، فقد يكون معدل التضخم منخفضا، أو متوسطا، أو مرتفعا، أو قد يكون التضخم جامحا، والتضخم الجامح Hyper-inflation هو أقسى اشكال التضخم، ويعرف الاقتصاديون التضخم الجامح بأنه الحالة التي يزيد فيها معدل الزيادة في الاسعار عن 50% شهريا، وهو بشكل عام معدل مرتفع جدا للزيادة في اسعار السلع والخدمات. وعلى ذلك فإن التضخم الجامح هو حالة من التضخم الحاد الذي تأخذ فيه معدلات الزيادة في الأسعار ما يقارب الـ 1300% سنويا أو أكثر. وفي حالات التضخم الجامح الحادة تصل الزيادات في الأسعار إلى أرقام فلكية، بحيث تصبح النقود بلا قيمة تقريبا، وربما تكون تكلفة الورق الذي تطبع عليه النقود اكبر بكثير من القيمة الاسمية المنصوص عليها على الورقة النقدية. ونظرا لتراجع القوة الشرائية للنقود على نحو خطير يتم تعديل فئات النقود المصدرة من خلال إضافة أصفار إضافية على كل ورقة جديدة يتم طباعتها، فبدلا من أن تحمل الورقة قيمة دولار مثلا، تصبح 10000 دولار، ثم 100000 دولار، ثم مليون دولار، ثم بليون دولار، ثم 500 بليون دولار للورقة الواحدة، وهكذا. ويعاني الناس بصورة شديدة جدا في حالة وجود تضخم جامح، حيث يجدون دخولهم وثرواتهم التي تأخذ صورة نقدية تتراجع على نحو خطير في ظل الارتفاع الفلكي للأسعار، ونتيجة لذلك تتدهور مستويات المعيشة للسكان بصورة مأساوية. أمس أصدر موقع Business insider تقريرا عن 10 حالات للتضخم الجامح في القرن العشرين، احببت ان اشارك القراء فيه. الحالات الآتية تمثل حالات التضخم الجامح التي مرت على العالم خلال القرن العشرين مرتبة من الأقل الى الأعلى.

1. شيلي 1973-1975

بلغ معدل التضخم الشهري في شيلي في ابريل 1974 حوالي 745% شهريا. وقد ساعد الانقلاب الذي جلب الجنرال اوجستو بينوشيه برعاية الولايات المتحدة في التغلب على المشكلة، حيث تم بيع الشركات المملوكة للحكومة وتم استبدال العملة الشيلية ببيزو جديد، وأخذ معدل التضخم في التراجع.

2. الأرجنتين في الثمانينيات

بلغ معدل التضخم السنوي في الارجنتين 12000% في عام 1989، وهو ما أدى الى تراجع قيمة البيزو الارجنتيني بصورة كبيرة، حيث بلغت قيمة البيزو الواحد في 1992 ما يعادل 100مليار بيزو من ذلك الذي كان يتم تداوله في 1983. وقد نشأ التضخم في الارجنتين بسبب توقف عمليات الاستدانة الخارجية وهو ما دفع بالحكومة الى تخفيض قيمة العملة للتعامل مع العجز في ميزان مدفوعاتها. وقد تم التغلب على المشكلة من خلال برنامج للاستقرار الاقتصادي تم تنفيذه في الارجنتين، وهو ما أدى الى تراجع معدلات التضخم.

3. نيكاراجوا 1987-1990

بلغ معدل التضخم السنوي في نيكاراجوا 1987 30000%، وازاء هذا التضخم الجامح اضطرت الحكومة الى اصدار العملة بفئات عالية جدا، بلغت 100 مليون كوردوباس (اسم العملة) للورقة الواحدة. وقد نشأ التضخم بسبب الحرب الاهلية وتراجع الصادرات الزراعية للولايات المتحدة وقيام الولايات المتحدة بفرض حصار على نيكاراجوا. بعد انتهاء الصراع المسلح، تم ادخال اصلاحات اقتصادية بواسطة فيوليتا شامورو بعد انتخابات 1990، وهو ما أدى الى جذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية وايضا تقديم الدعم من الولايات المتحدة، الامر الذي ساعد على انتهاء التضخم الجامح.

4. بوليفيا 1984-1985

بلغ معدل التضخم السنوي في اغسطس 1985 في بوليفيا 60000%، ولم يكن التضخم الجامح في بوليفيا بسبب الحرب، وانما بسبب الاوضاع السياسية غير المستقرة والتي ادت الى انهيار صناعات التصدير في الدولة وارتفاع الديون الخارجية لبوليفيا، الأمر الذي دفع بالحكومة الى طباعة المزيد من النقود، وقد قامت حكومة الرئيس فيكتور باز ايسونورو بتغييرات في السياستين المالية والنقدية ووقف عمليات الطباعة للنقود الجديدة، وتوسيع نطاق الضرائب ورفع مستويات الأسعار للسلع التي يتم تقديمها من خلال القطاع العام، الامر الذي أدى الى التخلص من التضخم الجامح.

5. الصين 1948-1949

بلغ أعلى معدل للتضخم الشهري في الصين في مايو 1949 حيث بلغ 2178% شهريا، أي ما يعادل معدل تضخم يومي يساوي 11% وقد بلغت القيمة الاسمية لأكبر ورقة نقدية تمت طباعتها 6 مليار يوان. وقد نشأ التضخم نتيجة قيام الحكومة بطباعة النقود لتمويل الحرب، وهو ما أدى الى تراجع قيمة اليوان على نحو خطير. في عام 1955 قامت الحكومة بتبني الرنمينبي كعملة جديدة، وبدأ التضخم في التراجع نتيجة لذلك، وقد بلغ معدل التبادل بين العملة الجديدة والعملة القديمة 1 رنمينبي لكل 10000 من العملة القديمة.

6. اليونان 1943-1946

بلغ اقصى معدل شهري للتضخم في اليونان في اكتوبر 1944، حيث بلغ معدل التضخم 13800% شهريا، وهو ما يعني أن معدل التضخم اليومي يبلغ 20.9%. نشأ التضخم الجامح في اليونان بسبب قيام الحكومة بتغطية نفقاتها من خلال طبع النقود بدلا من فرض الضرائب على المواطنين. وقد ترتب على الاحتلال الايطالي الألماني لليونان تدمير الاقتصاد اليوناني وهو ما أدى الى فقدان الثقة في العملة اليونانية، الأمر الذي دفع البنك المركزي الى اصدار عملات ذهبية بدلا من الورقية، مما ساعد على تقليل الطلب على النقود. في عام 1953 انضمت اليونان الى اتفاقية البريتون وودز ومن ثم تم تثبت قيمة العملة بالنسبة للدولار الامريكي، وانتهى التضخم.

7. ألمانيا 1921-1923

بلغ معدل التضخم الشهري في اكتوبر 1923 حوالي 29500% شهريا، وقد ترتب على ذلك تراجع معدل صرف المارك الالماني على نحو كبير، ففي ديسمبر 1923 بلغ معدل الصرف 2 تريليون مارك لكل دولار امريكي. ومن المفارقات المثيرة للدهشة هي أنه في هذه الفترة لجأت الأسر الألمانية لحرق الأوراق النقدية في المدفأة بدلا من الفحم للتدفئة، على أساس أن التدفئة من خلال حرق النقود كان ارخص من شراء الفحم (كما توضح الصورة التالية) واستخدامه في التدفئة. ويعزى التضخم الى قيام الحكومة الالمانية بتمويل ديونها من خلال الاقتراض من السلطات النقدية (طبع النقود) بدلا من فرض الضرائب على المواطنين، وقد قامت الحكومة الالمانية بعد ذلك بإنشاء بنك مركزي مستقل وادخلت عملة جديدة (الرنتنمارك) الذي يمكن تحويله الى سند ذو قيمة ذهبية، وتراجع التضخم نتيجة لذلك.

8. يوغوسلافيا 1989-1994

بلغ معدل التضخم الشهري في يوغوسلافيا 313,000,000%، أي بمعدل تضخم يومي 64.6%، ونتيجة لذلك كان على البنك المركزي أن يصدر عملات نقدية ذات قيم اسمية مرتفعة جدا، حيث بلغت قيمة أعلى عملة تم اصدارها 500 مليار دينار للورقة الواحدة. وقد نشأ التضخم الجامح نتيجة لعمليات طبع النقود والذي نتج عن الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة على الدولة مما أدى الى تراجع الناتج المحلي على نحو خطير. في عام 1990 نفذت احتياطيات الدولة من النقد الاجنبي وتحولت الدولة بالتالي الى استخدام مدخرات الافراد فيها من خلال تقييد حق الافراد في السحب من مودعاتهم في البنوك الحكومية، وفي عام 1994 أدخلت الحكومة عملة جديدة (نوفي دينار)، وتم تثبتيها بالمارك الالماني على أساس معدل صرف 1 نوفي دينار لكل مارك، وانتهى التضخم.

9. زيمباوي 2000-2009

بلغ معدل التضخم السنوي في زيمبابوي 516 كوينتيليون% (الكوينتيلون = 1000000000000000000)، وهو ما عني ارتفاعا رهيبا في اسعار السلع لدرجة أن الناس كان يضطرون الى حمل النقود في سلال حتى يتمكنوا من توفير الكمية اللازمة منها لشراء احتياجاتهم الاساسية، مثل هذه السيدة التي في الصورة. ونظرا للارتفاع الرهيب في أسعار السلع اضطرت الحكومة الى طبع نقود بقيم اسمية عالية جدا، بلغت 100 مليار دولار زيمبابوي للورقة الواحدة. ويرجع التضخم الى قيام الرئيس موجابي بتمويل الانفاق الحكومي من خلال طبع النقود، في اوقات عدم الاستقرار السياسي التي أعقبت رسوبه في الانتخابات ضد معارضيه. في 2009 اضطرت الحكومة الى الغاء الدولار الزيمبابوي واستخدام الراند الجنوب افريقي والدولار الامريكي بدلا منه، فتراجع معدل التضخم.

10. المجر 1945-1946

هذه الحالة هي أكبر حالات التضخم الجامح المسجلة في العالم في التاريخ الحديث حيث بلغ معدل التضخم الشهري في عام 1946 ما يعادل 4.19×10(مرفوعة الى اس 16) أو ما يعادل 207% يوميا، وقد كان اكبر قيمة اسمية لوحدة النقود التي تم اصدارها هو 100 كوينتيليون، وهي أعلى قيمة لعملة من الناحية الاسمية تم اصدارها في التاريخ. وللتغلب على الوضع تم اصدار عملة جديدة (ادوبينجوي) وكان معدل التحويل بين العملتين الجديدة والقديمة هو وحدة من العملة الجديدة تعادل (2×10(مرفوعة الى اس 21)، وهو ما كان يعني ان العملة القديمة لم يكن لها قيمة، لدرجة انها كانت تلقى في الشارع دون أن تجد من يلتقطها لأن التقاطها يعني جمع المزيد من القمامة من الشارع الى المنزل، لدرجة ان عمال القمامة كانوا يكنسون هذه العملة من بين ما يكنسون من قمامة في الشارع (وفي الصورة عامل قمامة يقوم بكنس البينجوي في الشارع بعد استبداله بالعملة الجديدة). ويرجع التضخم في المجر الى الحرب العالمية الثانية. عندما تسلمت حكومة جديدة زمام الامور في البلاد في 1946 تم اصدار عملة جديدة وهي الفروينت وتم تثبيت نظام الائتمان وتراجع معدل التضخم.

المصدر: http://www.businessinsider.com/10-hyperinflation-stories-of-the-20th-century-2011-3