تواصل أسعار السلع ارتفاعها على خلفية الطلب العالمي القوي وانخفاض مستويات المخزون. ولا زالت البيانات الاقتصادية الأساسية تدعم التعافي الاقتصادي الراهن، بينما ارتفعت معدلات التضخم العالمية التي تتصدر عناوين الأخبار مرة أخرى خلال شهر يناير، الأمر الذي يسلط الضوء على مخاطر ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. ولا يختلف الأمر مع التوترات الجيوبولتيكية المستمرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث لا يزال تخزين السلع الغذائية الأساسية يمثل مشكلة تؤثر على القطاع الزراعي. وقد ساعدت التعليقات الحادة التي صدرت عن البنك المركزي الأوروبي بشأن مكافحة التضخم في إضعاف الدولار مقابل اليورو.
مكاسب إجمالية متواضعة على مدار الأسبوع
أظهر مؤشر رويترز جيفريز سي أر بي Reuters Jeffries CRB زيادة أسبوعية صغيرة مع تباين مستويات الأداء بين القطاعات المختلفة، حيث –كالمعتاد- تصدر قطاع المنتجات الزراعية قائمة الأداء بفضل القطن والبن. وحققت المعادن النفيسة الأربع كلها أداء قويا، حيث تعافى الذهب والفضة إثر فورة الشراء التي شهدها أوائل العام الحالي، بينما واصل البلاتين والبلاديوم أداءهما القوي على خلفية الطلب القوي من صناعة السيارات.
الفضة تتفوق على الذهب
واصل الذهب مسيرته التي بدأها في أواخر شهر يناير عقب اندلاع الاضطرابات المدنية في شمال أفريقيا. وقد وازن الطلب المادي القوي الإسالة المتواضعة التي شهدتها صناديق مؤشرات الذهب حيث لم تنخفض القيمة الإجمالية لأسهم هذه الصناديق إلا بنسبة 4.5 % منذ الذروة التي وصلت إليها في شهر ديسمبر. ومع ذلك فقد كان أداء الفضة هو الأبرز على مدار الأسابيع القليلة الماضية بعد أن تفوقت على الذهب بنسبة 12% منذ بداية الاضطرابات التي شهدتها منطقة شمال أفريقيا. وقد هرول المستثمرون لشراء العملات الذهبية بسرعة أدت إلى نفاد المخزون بسرعة دفعت المصدرين إلى الاقتصاد في المبيعات.
ومع استمرار معدلات التضخم في الارتفاع، فسيكون السؤال الأبرز في الأشهر المقبلة إن كانت البنوك المركزية في الدول المتقدمة ستتمكن من أو ستكون مستعدة لتطبيق الكوابح الاقتصادية بسرعة كافية. ومن المتوقع أن يشهد السوق ارتفاعا حادا في الأسعار في كل من أوروبا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في النصف الثاني من عام 2011م. والسؤال الأهم في هذا الصدد هو إن كان هذا ممكنا في ظل استمرار الأوضاع الهشة في بعض الدول؛ فلو استحوذت قضية فشل البنوك المركزية في مكافحة التضخم على تفكير السوق، فقد يوفر ذلك سببا يدفع أسعار المعادن النفيسة للارتفاع أكثر.
وبعد أن كسر حاجز 1370 دولارا للأوقية خلال الأسبوع، فقد استقر الذهب الآن عند 1400 دولار للأوقية قبل أن يبدأ مفعول القمة الثلاثية بين 1424 و 1430 دولارا للأوقية. وفي هذه الأثناء، كسرت الفضة معدلات الارتفاع التي حققتها في شهر ديسمبر وحققت ارتفاعا سنويا مقداره 30 دولارا ودون حاجز 32 دولارا للأوقية مباشرة. ومنذ عام مضى، كانت الأوقية الواحدة من الذهب تعادل 70 أوقية من الفضة، لكن هذه النسبة تراجعت الآن لتنخفض إلى 43.50، وهي أقل نسبة خلال 13 عاما.
المخاوف من نقص المخزون يدفع أسعار الطاقة للارتفاع
لا يزال الطلب العالمي على الطاقة يعزز سعر خام برنت فوق 100 دولار أمريكي بينما أدى التشوه الذي شهده سعر خام غرب تكساس بسبب مشكلة كشنج إلى تخلف سعر هذا الخام عند 90 دولارا للبرميل. وقد أدت الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -بالإضافة إلى ارتفاع مستويات الطلب الآسيوي وزيادة الطلب على منتجات التقطير مثل الديزل- إلى بقاء الأسعار عند مستوياتها المرتفعة، ومن المفترض أن تستمر هذه العوامل هي الأسباب الرئيسة وراء ارتفاع الأسعار على المدى القريب.
وقد أدى تصاعد وتيرة الاحتجاجات في كل من البحرين وليبيا إلى تزايد المخاوف بشأن احتمال توقف الإمداد من الدول المنتجة للنفط. وسيضيف ذلك بعدا جديدا خطيرا للموقف الراهن للعرض والطلب على مستوى العالم، لاسيما إذا وضعنا في الاعتبار أن منظمة أوبك تمتلك القسم الأكبر من فائض الاحتياطيات النفطية على مستوى العالم.
ولا يزال موقف الصفقات الآجلة من خام غرب تكساس يشهد ارتفاعا كبيرا يناهز المستويات القياسية؛ وقد يؤدي استمرار ابتعاد أسعار هذا الخام عن الأسعار القياسية العالمية الأخرى إلى إسالة على المدى الطويل، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تزايد اتساع الهامش بين سعري العرض والطلب أكثر. وعلى هذا الأساس لا نوصي أي شخص بتداول أي هامش سعري بين خامي غرب تكساس وبرنت إذ أن العلاقة بين الخامين قد انقطعت تماما.
القطن يكسر حاجز دولارين للباوند
لا زالت أسعار القطن تتميز بالتقلب الشديد حيث وصل السعر هذا الأسبوع الى مستوى قياسي يبلغ دولارين للباوند، وذلك للمرة الأولى على الإطلاق. فالمخزون الشحيح والارتفاع القوي للطلب العالمي لم يتركا مجالا للأسعار سوى الارتفاع، مع هرولة مصانع القطن لتأمين الإمدادات. ومن المتوقع أن يزيد الإنتاج العالمي من القطن في عام 2011م مع تفاعل منتجي القطن مع هذا الارتفاع في الأسعار بزراعة المزيد، وسوف يساعد ذلك على إعادة بناء المخزون العالمي في الأشهر القادمة وينعكس أيضا على الأسعار الآجلة حيث يتم تداول الصفقات الآجلة تسليم شهر ديسمبر بسعر 70 سنتا دون المعدل.
جني الأرباح في الحبوب
بعد المستويات المرتفعة التي وصلت إليها الأسبوع الماضي، شرع فول الصويا والقمح والأرز في جني الأرباح هذا الأسبوع حيث شهدت الأسعار المرتفعة انخفاضا في الطلب على التصدير. وبدا أن إنتاج فول الصويا من البرازيل –ثاني أكبر دولة مصدرة لفول الصويا- عازم على تحطيم الرقم القياسي الذي حقه العام الماضي بعد تساقط المطر بمعدلات أفضل من المتوقع ما أدى بدوره إلى تحسن الظروف. ومن المفترض أن تستمر أسعار القمح عند مستوياتها المرتفعة في ظل القلاقل المدنية والجفاف الذي تشهده مناطق القمح الشمالية في الصين والتي تهدد محصول الشتاء.
ما الذي تعنيه أسعار العقود الآجلة؟
إن الاستثمارات السلبية في صناديق المؤشرات أو صناديق مؤشر السلع ح- مثل GSCI و DJ-UBS- لا تدر في الغالب العائد الذي يتوقعه المستثمرون، وذلك لاختلاف الأسعار بين الأداء الشهري الوارد في التقارير وأسعار العقود الآجلة. ونوعية الاستثمارات المذكورة غالبا ما يتم استثمارها في عقود شهرية مستقبلية ولابد من ترحيلها للشهور التالية قبل انتهاء مدة العقد، وهذا يجعلها تحت رحمة ميل المنحنى الآجل، فإذا كان سعر الصفقات الآجلة أقل فسوف تحقق حصيلة ترحيل إيجابية، والعكس صحيح إذا كان ميل المنحنى إيجابيا.
وتبين الخريطة البيانية التالية اختلاف الأسعار بين العقود العاجلة والعقود الآجلة لمدة عام واحد. ومعظم السلع العاجلة التي حققت أداء قويا خلال الأشهر الستة الماضية تمتلك حصيلة ترحيل ايجابية، حيث يتم تداول العقود الآجلة بأسعار دون أسعار العقود العاجلة. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الموقف المتأزم للمعروض والذي رفع أسعار العقود العاجلة إلى مستويات عالية. وعلى الطرف الآخر، نجد أن تداول الصفقات الآجلة من خام غرب تكساس والغاز الطبيعي يتم عند مستويات أعلى، وهو ما قد يؤدي إلى القضاء على بعض المكاسب المحتملة من العقود الآجلة.