نلقي في هذا الاستعراض الأسبوعي نظرة عامة على بعض الموضوعات التي دفعت قطاعات السلع الأساسية في اتجاهات مختلفة خلال شهر يناير.
لوحظ في الآونة الأخيرة أن نمو الاقتصاد العالمي بوجه عام يتجه نحو الأعلى، لا سيما بعد أن زاد صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع توقعاته بشأن النمو الاقتصادي العالمي إلى 4.4 بعد أن كانت 4.2 بالمائة.
وما أصبح واضحاً للعيان هو التضخم الناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، والآخذ في الارتفاع والمرشح للزيادة خلال الأشهر المقبلة. ورغم أن بيئات الفائدة المنخفضة في الاقتصادات التي هي في طريقها للتعافي، وخصوصاً الولايات المتحدة قد قامت بدعم أسواق المال فيها، إلا أنها شهدت أيضاً ارتفاعاً في أسعار السلع الأساسية.
وقد شهدت أسواق المال في دول بريك، باستثناء روسيا، أسوأ انخفاض بين أسواق الأسهم خلال شهر يناير، في حين أظهر ارتفاع معدلات التضخم والمخاوف بشأن فرض المزيد من القيود الاقتصادية، وخصوصاً في الصين، أن أداء هذه الأسواق يتسم بضعف شديد. بينما يظل كيفية تعامل الصين مع القيود الاقتصادية الإضافية واحداً من الأمور الهامة التي يجب النظر فيها عن استشراف مستقبل أداء سوق السلع الأساسية.
وفي أوروبا، هدأت المخاوف بشأن الديون السيادية إلى حد ما بعد قيام كل من إيطاليا وإسبانيا والبرتغال بإدارة عملية إصدار الديون، وأعقب ذلك نجاح مزاد بيع أول سندات إنقاذ أوروبية والذي فاقت نسبة الاكتتاب فيها كل التوقعات. كما تعافى اليورو من انخفاض مستوياته في مطلع يناير، بينما خسر الدولار ما يقرب من خمسة بالمائة مقابل مجموعة من العملات.
ووفق مقاييس لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأساسية، شهدت المراكز طويلة الأجل الخاصة بمراكز العقود المستقبلية في السلع الأساسية انخفاضاً طفيفاً خلال شهر يناير بسبب انخفاض أسعار الطاقة والمعادن الثمينة.
وقد ظل مؤشر رويترز جيفريز سي آر بي ثابتاً طوال الشهر، إلا أن الأداء اختلف نظراً لأن السلع الأساسية الخفيفة مثل القطن والكاكاو والسكر كان أداؤها قوياً بينما فقدت المعادن الثمينة تألقها قليلاً.
بينما قفز القطن إلى مستوى قياسي وسط النقص العالمي في الألياف، خاصةً أن الإنتاج الجديد ليس من المتوقع أن يصل من نصف الكرة الجنوبي إلى الأسواق قبل شهر أبريل. وقد أدى الطلب المتزايد من مصانع القطن الصينية على خلفية الانتعاش الاقتصادي العالمي إلى مناضلة المزارعين لتلبية الطلب. كما أن الأسعار قد تضاعفت خلال العام الماضي بعد الإخفاق في تلبية الطلب المتزايد جراء الظروف المناخية السيئة التي أدت إلى إتلاف المحاصيل في العالم.
وكان الكاكاو من أقوى السلع التي زادت أسعارها على مدى أكثر من ثلاث سنوات متتالية، لتصل إلى أعلى مستوياتها هذا العام، وسط مخاوف بشأن تعطل الإمدادات من ساحل العاج، وهي أكبر منتج للكاكاو في العالم، وذلك بعدما أمر الرئيس المنتخب بوقف الشحنات لمدة شهر واحد من أجل خفض الأموال المخصصة لرئيس الجمهورية الحالي الذي يرفض القبول بهزيمته في الانتخابات التي أجريت مؤخراً. ومع التزام أكثر من 80 بالمائة من شركات الشحن بهذا الأمر، توقف ضخ شحنات الكاكاو إلى السوق العالمية ليضيف المزيد من الضغط على الأسعار وارتفاعها أكثر وأكثر.
وقد بلغت أسعار أقرب عقود مستقبلية للحوم الخنازير في هذا الشهر أعلى مستوياتها خلال الـ 24 سنة الماضية بعد اندلاع أسوأ موجة من مرض الحمى القلاعية في آسيا على مدار الـ 50 سنة الماضية، ما زاد من الضغوط على الصادرات الأمريكية والأسعار، بعد أن اضطرت كوريا الجنوبية وحدها إلى التخلص من حوالي 25 بالمائة من قطعان الخنازير بسبب المرض.
وقد كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية أحد العوامل التي ساهمت في الموجة الأخيرة من الاضطرابات الاجتماعية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهو ما دفع الحكومات في جميع أنحاء العالم النامي إلى تخزين المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والقمح والسكر في محاولة لاحتواء الاضطرابات الاجتماعية وتخفيف هلع الشراء والحد من التضخم. بينما ارتفع سعر القمح لمدة ثلاث سنوات على التوالي؛ متجاوزاً مستويات الأسعار خلال فترة الجفاف التي ضربت روسيا الصيف الماضي، وبعد أن أعلنت عدة بلدان عن شراء كميات من القمح بشكل غير طبيعي. وبعد الركود الإنتاجي الذي تسبب فيه الطقس العام الماضي، تحتكر الولايات المتحدة في الوقت الراهن أجود أنواع القمح المطلوبة، وهو ما يساعد بدوره على زيادة الأسعار والصادرات.
أما بالنسبة إلى قطاع الطاقة، فقد شهدت الأسواق قدراً كبيراً من الاضطراب في الآونة الأخيرة بعد اتساع الفارق بشكل غير معقول بين سعر خام غرب تكساس الوسيط وبين خام برنت الآتي من بحر الشمال. فخلال شهر يناير، تفوق خام برنت بنسبة تزيد عن عشرة بالمائة على خام غرب تكساس الوسيط، ما أدى إلى انخفاض مركز خام غرب تكساس الوسيط باعتباره المعيار العالمي للنفط.
وعند النظر في بعض مؤشرات النفط الدولية الأخرى مثل خام عمان وخام بوني الإفريقي الخفيف وخام سويت لويزيانا الخفيف، فمن الواضح جداً أن مركز خام غرب تكساس الوسيط قد تزعزع وانخفض سعره بصورة نسبية. والسبب في هذا الانخفاض هو تكدس العرض في كوشينغ بولاية أوكلاهوما، وهي مركز التسليم غير الساحلي لخام غرب تكساس الوسيط. وفي الوقت الراهن، تتوقع الأسواق حل هذه المشكلة بحلول عام 2012 بعد الانتهاء من مد خط الأنابيب الجديد إلى خليج المكسيك والذي سيضمن وصول الإنتاج من كندا إلى الساحل وتصديره مباشرةً بدلاً من تخزينه في كوشينغ.
ومع حلول الربيع في نصف الكرة الشمالي، من المفترض أن تشهد الأسواق انخفاضاً في الطلب على المنتجات وأن تخضع معامل التكرير للصيانة، ما سيضيف ضغطاً إضافيا على مرافق تخزين النفط الخام، وخاصةً أن مستودعات كوشينغ تقترب بالفعل من رقم قياسي وهو 37.3 مليون برميل، وبالتالي قد يجد خام غرب تكساس الوسيط صعوبة في التقدم في المدى القريب. وينعكس هذا أيضا على زيادة الفارق بين أسعار أقرب عقود مستقبلية وبين التسليم في غضون ستة أشهر. ومنذ ديسمبر، اتسع هذا الفارق من 80 سنتاً إلى 850 سنتاً مما يجعل الاستثمار في صناديق الاستثمار المتداولة للنفط الخام غير مربحة على نحو متزايد نتيجة لزيادة التكلفة الشهرية للتداول.
وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة تزايد الطلب في عام 2011 بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً ليصبح 89.1 مليون برميل بعد أن ارتفع بمقدار 2.75 مليون برميل يومياً في عام 2010، وهو أقوى نمو على مدار 30 عاماً. وفي الوقت نفسه، حذرت الوكالة من أن ارتفاع أسعار النفط الخام قد يمثل حجر عثرة في طريق الانتعاش الاقتصادي. أما منظمة أوبك فلم يصدر عنها أي بيان رسمي استجابةً لذلك، بل هي الآن بصدد رفع إنتاجها من جانب واحد. فالمنظمة لا ترغب في أن ترتفع الأسعار بشدة وبسرعة كبيرة جداً، وفي ظل وجود مؤشرات متزامنة على النمو الاقتصادي فإنها ستضطر إلى استخدام بعض من طاقتها الإنتاجية الاحتياطية، والتي من المتوقع أن تصل حالياً إلى حوالي 5 ملايين برميل يومياً.
أما بالنسبة إلى الذهب والفضة، فقد كان أداؤهما هو الأكثر انخفاضاً، بل ويتجهان نحو تكبد أول خسارة شهرية خلال ستة أشهر ونحو أطول موجة هبوط في عام واحد تقريباً. وقد قام المستثمرون بتقليص المراكز خلال شهر يناير بعد أن جعل ارتفاع أسعار حقوق الملكية وانخفاض المخاطر السيادية في أوروبا الأسواق الأخرى تبدو أكثر جاذبية. وبينما ترتفع أسعار الذهب بقوة خلال عام 2010 على خلفية الخوف من زيادة التضخم، أصبح جني الأرباح أمراً ملموساً ما يشير إلى الاعتقاد بأن السعر كان محدداً إلى حد ما بالفعل.
ومن أجل المضي قدماً، يجب أن يراقب المستثمرون عن كثب التدفقات الاستثمارية الداخلة والخارجة من صناديق الاستثمار المتداولة نظراً لتركز العديد من صناديق التحوط الكبيرة وإدارة الأصول على الذهب والفضة في هذه المنتجات. وخلال شهر يناير، انخفضت نسبة الاستثمارات عبر صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب بمقدار 77 طناً لتصبح 2047 طناً وكان الدافع وراء ذلك هو التحوط والتصفية الذين شهدتهما بعض المراكز. وفي الوقت الحالي، يقترب متوسط الحركة لمدة 200 يوم للذهب من 1285 نقطة وقد يتوقف تماماً عند هذا الحد كما حدث في شهر يونيو العام الماضي أو قد يكون الحافز لمزيد من المراكز في حالة ارتفاعه أكثر من ذلك.