أوردت وسائل الإعلام مقتطفات من دراسة أو مسح حديث قامت به شركة إرنست آند يونج ورد فيه أن 25 في المائة من عملاء البنوك العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي نقلوا بالفعل أو يخططون لنقل حساباتهم إلى بنوك أخرى خلال العام الجديد 2011، كما أن 10 في المائة آخرون قد قاموا بالفعل بعملية نقل حساباتهم إلى بنوك أخرى، وعزت ذلك ''إلى عدم الرضا عن الخدمات المصرفية المقدمة لهم''. هذه الدراسة وغيرها من الدراسات التي تقوم بها الشركات الاستشارية المتخصصة تسعى عادة إلى عدة أهداف منها الإعلان عن وجودها في السوق، وإثبات متابعتها للسوق الخليجية، التسويق للخدمات الاستشارية من خلال الحصول على عقود استشارات لتطوير أوجه القصور في بعض منشآت عينة البحث والدراسة، توفير معلومات واستشارات في ذات القطاع للمستثمر الأجنبي، ولفت نظر الجهات الرقابية إلى قدرة الشركات الاستشارية على التعاقد لتحسين تنظيمات بعض القطاعات وارتباطها بالمستهلك النهائي. نتائج هذا المسح الذي شمل نحو أربعة آلاف عميل بنكي من دول المجلس بحسب المقتطفات التي أوردتها مجلة ''أرابيان بيزنس'' وتم نشرها في بعض وسائل الإعلام كانت بلا شك مفيدة لبعض أقسام أبحاث التسويق في البنوك ولقيادات البنوك وواضعي استراتيجياتها، لكون الحفاظ على ودائع العملاء يعتبر من أهم محددات النمو طويل المدى، والقدرة على التوسع في الائتمان مع الالتزام بمعدلات مخاطر الائتمان المطلوبة والاحتياطيات النظامية.
كما أن الدراسات والمسوحات الخاصة بالأسواق الخليجية والتي تعتبر قليلة نسبياً مقارنة بالمناطق الاقتصادية والدول الأخرى، تلقى اهتماماً من الباحثين والمستثمرين الدوليين نظراً لندرة المعلومات والإحصائيات مقارنة مثلاً بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ندرة الدراسات لا تعود فقط إلى عدم وجود اهتمام كبير من قبل السوق المحلية أو المستثمرين الأفراد بهذه الدراسات والأبحاث، أو لعدم وضوح العائد على الاستثمار بإعداد هذه الدراسات، ولكن يشمل أيضاً تفاوت حجم ونوع وتوقيت البيانات الإحصائية المالية والاقتصادية في دول المجلس بالنسبة للبيانات الكمية. أما البيانات النوعية Qualitative Data والتي قد يتم جمعها من خلال المقابلات الشخصية أو بأخذ وجهات النظر والاستبيانات، فتتفاوت جودتها وشموليتها تبعاً للبحث وقدرات الباحثين ودور الخبرة ومراكز الاستشارات والأبحاث التي تقوم بتحويلها من بيانات إلى معلومات ثم من معلومات إلى معرفة.
وبالعودة إلى دراسة ''إرنست آند يونج'' سالفة الذكر، لفت نظري الهجوم الذي شنه رئيس مجلس إدارة بنك الخليج الكويتي علي رشيد البدر على نتائج المسح والدراسة، واصفاً نتائج الدراسة بأنها ''غير صحيحة لكون معدل ولاء العملاء للبنوك في الكويت ـــــــــــ بحسب وصفه ــــــــــــ هو الأعلى خليجياً، بينما معدلات تسرب عملاء البنوك المحلية من بنك إلى آخر تبدو في الكويت عند أدنى مستوياتها بفضل تقارب مستوى البنوك التنافسي، حيث إن جميع البنوك المحلية تقدم خدمات مصرفية عالية المستوى وإن كانت تتفاوت بنسب ضئيلة من بنك لآخر. وأشار البدر إلى أن معظم الدراسات التي تقوم بها الشركات الاستشارية المتخصصة تعمم تجربة دولة أو اثنتين على باقي دول مجلس التعاون الخليجي، ومن المعروف أن التعميم هو أحد أبرز أخطاء البحث العلمي، حيث إنه من المفترض الابتعاد عن التعميم ودراسة حالة كل دولة على حدة. وأضاف البدر أن البنوك الكويتية من حيث تقديم الخدمات المصرفية تعتبر الأفضل بين قريناتها من بنوك المنطقة، كما أن المصارف المحلية تتبنى برامج لمنع تسرب عملائها وفقا لعدد من الاعتبارات''.
حقيقة، يحمل هذا التصريح بعض الصحة خصوصاً فيما يتعلق بشركات الاستشارات الأجنبية المحتكرة لهذا النشاط في دول الخليج التي ودون تعميم عليها كلها بالإمكان أن يتم تفكيكها علمياً، ومن واقع دراساتها وأبحاثها المنشورة بصورة توضح أن عدداً كبيراً من الدراسات والأبحاث التي تقوم بها لا تقف على أساس علمي وذات جودة تقل بمراحل عن الدراسات التي تقدمها الشركات ذاتها في الدول الغربية والولايات المتحدة. أما الغريب هنا أن يتصدى رئيس مجلس إدارة بنك وليس مدير العلاقات العامة بالتصدي للمسح والقيام بسرد ستة اعتبارات عامة وضحلة وغير مسنودة بأي دليل ومن الصعب أن تستند إلى أدلة علمية للتدليل على تفوق البنوك الكويتية على البنوك الخليجية وكأن تفوق الأولى مبني على تجاوز الأخيرة! وأشك شخصياً بامتلاك البنوك الكويتية أي ميزة تنافسية وأي تفوق على نظرائها من البنوك الخليجية، حيث إن تقديم الخدمات والمنتجات المصرفية متقارب بين بنوك دول الخليج كونها أسواق استيراد ومحاكاة للخدمات والمنتجات التي تقدمها البنوك العالمية وشركات الأنظمة البنكية والتي تحصل عليها البنوك الخليجية كما تحصل عليها البنوك الكويتية، بل إن معظم إن لم يكن كل الأنظمة البنكية وبرمجيات الحماية في البنوك الكويتية Core Banking Systems تم شراؤها من شركات أنظمة بنكية عالمية مقرها الإقليمي في دبي أو المملكة العربية السعودية وليس في الكويت! وقد تتفوق الخدمات البنكية الإلكترونية في دول الخليج على الخدمات البنكية الإلكترونية التي تقدمها البنوك الكويتية نظراً للتفوق الهيكلي الذي يقدمه نظام ''سداد'' للبنوك السعودية أو معايير الربط والدمج التي يقدمها برنامج الخدمات الإلكترونية الحكومية في الإمارات بالتعاون بين الحكومة والبنك المركزي والبنوك المحلية. إذن، فالنظام البنكي في دول الخليج هو نظام يسير بشكل متقارب مرحلياً وإن كان هنالك تفوق في بعض الأجزاء لبنوك دون أخرى، فإن المفروض هو أن تتعاون البنوك الخليجية للوصول على بيئة تطوير وإبداع يمكنها التكامل وإنتاج منتجات وخدمات يتم تصديرها إلى البنوك العالمية.