شهد النصف الأول من القرن الـ 20 تفوق النمو الاقتصادي لمعظم دول إفريقيا مقارنةً بدول جنوب شرق آسيا على الرغم من بعض المخاوف التي كانت سائدة في خمسينيات القرن الماضي إبان تحرر الدول الإفريقية من الاستعمار والمخاطر السياسية المحتملة آنذاك، إلا أن المخاوف السياسية تبددت في فترة الستينيات وحتى عام 1973 حين شهدت دول إفريقيا نمواً غير مسبوق تصاحب مع تسلم أنظمة وطنية لزمام الحكم، حيث عقدت عليها شعوب الدول الإفريقية الآمال لمواصلة مسيرة النمو الاقتصادي.
أما في مرحلة السبعينيات، فقد شهدت الدول الإفريقية تدهوراً في النظامين السياسي والاقتصادي، ليستمر منذ تلك الفترة التراجع الاقتصادي، فمثلاً استمر نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول إفريقيا جنوب الصحراء في التراجع بنحو واحد في المائة سنوياً منذ مطلع الثمانينيات ميلادية، لتصنف منطقة دول إفريقيا جنوب الصحراء حالياً كأفقر منطقة في العالم. وكحال أي متبرع أو أي جهة مانحة، بدأت جهود البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، والمانحين لدول إفريقيا جنوب الصحراء في مطلع الثمانينيات لمعرفة الأسباب الرئيسة وراء تراجع النمو في دول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تم تحديد أسعار الصرف والسياسات التجارية كأسباب رئيسة للتراجع الاقتصادي. من ناحية أخرى، تشير بعض الأبحاث التي كثيراً ما تشير إليها حكومات دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى أن السبب الرئيس وراء تراجع النمو الاقتصادي هو في تراجع قيمة الصادرات، فإلقاء اللوم على متغير خارجي بدلاً عن الأسباب المتعلقة بالسياسات الاقتصادية يريح الحكومات من تحمل مسؤولية فشل السياسات الاقتصادية.
وبينما يصنف تراجع قيمة الصادرات كسبب خارجي، يعزو البعض التراجع في الأداء الاقتصادي لدول إفريقيا جنوب الصحراء إلى أسباب داخلية بحتة كالظروف المناخية السيئة التي تؤدي إلى تردي مستوى الصحة عموماً، والتأثير على جودة وكمية المحاصيل الزراعية، إضافة إلى ميل حكومات الدول الإفريقية إلى البيروقراطية مقارنة بحكومات جنوب شرق آسيا والدول الفقيرة الأخرى.
وبغض النظر عن حجم التأثير النسبي لأي من المتغيرات على تأخر النمو الاقتصادي لدول إفريقيا جنوب الصحراء، تبدأ مختلف العوامل المؤثرة في تأخر النمو بالتفاعل مع بعضها البعض لتستمر عملية التراجع الاقتصادي ما لم يتم تحديد واستهداف العوامل الرئيسة التي تقف خلف التراجع الاقتصادي. فتراجع النمو الاقتصادي يؤدي إلى تراجع معدل الادخار للأفراد في الاقتصاد، مما يؤثر سلباً في الاستثمار وبالتالي تراجع الناتج بصورة أكبر، أي أن عملية التراجع الاقتصادي تحمل في طياتها عوامل الاستمرارية والتأثير التسلسلي السلبي في الاقتصاد.
لذا، فبتناول حالة السودان التي تعتمد كدولة موحدة على النفط وعلى تصدير السلع الأساسية الزراعية والحيوانية، فإن انقسامها الواضح منذ الآن سيؤدي إلى تركز نوع من عناصر الإنتاج في الجنوب مع صعوبة في خطوط التصدير ومع تراجع العوائد النفطية لشمال السودان واضطرابات سياسية قد تؤثر سلباً في الوضع الاقتصادي العام. فجنوب السودان يفتقر إلى البنية التحتية لبدء الدورة الاقتصادية منفرداً دون توافر الموارد المالية التي توفر السلع الرأسمالية للقطاعين الزراعي والحيواني بجانب احتياجات القطاع الصناعي التي تتطلب هيكلة قانونية واتفاقيات جاذبة للمستثمر الأجنبي ولطمأنة رؤوس الأموال بأن الاستثمار في الجنوب آمن لتلبية الطلب المحلي أولاً وللوصول إلى موانئ التصدير، ثانياً. فالسلع الأولية التي يستهدف تصديرها ومن ضمنها النفط الخام تحتاج إلى قنوات إمدادية وخدمات تتطلب تعاون السلطات السيادية التي تمر خلالها المنتجات والسلع. لذلك، من المتوقع أن تنتعش أولاً الصناعات التي تعتمد على الطلب المحلي والتي لا تحتاج إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية لحين جس نبض مستوى مخاطر وعوائد الاستثمار في السلع والمنتجات التي تستهدف الأسواق الخارجية من جنوب السودان.
وهنا تبرز أهمية تأمين السلع الأساسية من ناحية الاستخراج، والعلاج، والنقل والتصدير. ومن أهم الدول النهمة للحصول على الموارد الأولية وبالخصوص في إفريقيا هي الصين التي تتميز بانخفاض تكاليف العمليات الإمدادية وقدرتها على توفير قيمة مضافة لها.
وعليه، من المتوقع أن تحوز الشركات الصينية نصيب الأسد من المشاريع الحيوية وتلك المرتبطة بالبنية التحتية في جنوب السودان لتواجد الشركات الصينية في الدول المجاورة ووجود استراتيجية توسعية وتكاملية واضحة تستهدف توفير المواد الأولية للصناعات الصينية والتي تكسبها ميزة تنافسية بناء على أخذ المخاطرة في المناطق التي يحجم عن الاستثمار فيها الآخرون.